كريتر نت – متابعات
أراد خوسيه روبرتو سيغوفيا بينيتيز الانضمام إلى سلاح مشاة البحرية الأميركية منذ سنوات عديدة. وقد قيل له، مثل العديد من المجندين المولودين في الخارج، إن خدمته في الجيش ستسرّع حصوله على الجنسية الأميركية.
وخدم في أفغانستان ثم العراق في 2003 حيث سبب له انفجار ناجم عن عبوة ناسفة إصابات دماغية. وتم تسريحه بشرف في 2004.
لكنه كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة والإدمان. وقضى ثماني سنوات في السجن في الولايات المتحدة بسبب جرائم تشمل الاعتداء.
ولم يُمنح الجنسية، وتقرّر ترحيله إلى السلفادور بسبب سجله الإجرامي في 2019. وكانت الدولة أجنبية بالنسبة إلى الرجل البالغ من العمر 42 عاما الذي عاش في الولايات المتحدة منذ أن كان طفلا صغيرا.
وعاد إلى الولايات المتحدة حاليا بتأشيرة إنسانية قصيرة الأجل، وقال إنه يخشى إعادته إلى السلفادور، وهو أمر يتوقع حدوثه في الأشهر المقبلة.
وتابع عبر الهاتف من لونغ بيتش بكاليفورنيا، حيث يخضع للعلاج من الإدمان، “أفضّل الانتحار على العودة إلى السلفادور. أنا خائف من العودة”.
المحاربون القدامى الذين قاتلوا في العراق، بعد ظنهم أن خدمتهم ستساعدهم في الحصول على الجنسية، تم ترحيلهم
وتتكرر قصته عند المئات المحاربين القدامى الذين قاتلوا في صفوف الولايات المتحدة في العراق وأماكن أخرى لظنهم أن خدمتهم ستساعدهم في الحصول على الجنسية، لكنهم رُحّلوا إلى بلدانهم الأصلية بدلا من ذلك.
ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن الكثيرين ارتكبوا جرائم بسبب اضطراب ما بعد الصدمة ومشاكل أخرى مرتبطة بخدمتهم في الجيش، وكافحوا لإعادة التكيف مع الحياة المدنية مع عدم كفاية دعم الوكالات الحكومية.
ومُنح بعض المحاربين القدامى الجنسية بينما يئس آخرون من محاولة العودة. وكان سيغوفيا بينيتيز من بين العشرات الذين عادوا إلى البلاد (بعضهم بصفة مؤقتة) بعد أن أطلقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن برنامجا في 2021 لفائدة المرحّلين. لكن هذه المبادرات تبقى غير كافية.
وقال بعض العسكريين السابقين إن الحكومة الأميركية تخذل العديد من المحاربين القدامى المولودين في الخارج.
وقال جيفري براون الذي شارك في الحرب التي أطاحت بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إن هذه القضية إنسانية.
وصرّح براون، الذي تقرر ترحيله في 2012 إلى جامايكا حيث لا يزال حتى اليوم، “كنت أطارد صدام… غير متخيل أنني سأواجه مشاكل تتعلق بالهجرة”.
وقال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي الأميركية إن الوزارة “ممتنّة للغاية” لتضحيات المحاربين القدامى وستواصل مساعدتهم في التمتع بالمزايا التي يستحقّونها.
قانون 1996 كان العامل الرئيسي في قضايا قدامى المحاربين. وهو الذي وسّع فئات الجرائم التي يمكن بسببها ترحيل المهاجرين غير الشرعيين
ويجب أن يعيش المقيمون الدائمون الشرعيون في الولايات المتحدة في الدولة لمدة خمس سنوات قبل التقدم للحصول على الجنسية، لكن العملية أسرع بالنسبة إلى الأفراد العسكريين المولودين في الخارج.
ويمكنهم التقدم بطلب للحصول على الجنسية في غضون سنة أو حتى أقل إذا شاركوا في “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش إثر هجمات 11 سبتمبر 2001.
وأصدر بوش أمرا تنفيذيا في يوليو 2002 يهدف إلى تبسيط عملية التجنيس لغير المواطنين الذين يخدمون خلال “فترة عداء” محددة، مثل الحروب في العراق وأفغانستان.
لكن المدافعين يقولون إن تنفيذ الأمر لم يكن سليما مما سبب ترحيل العديد من قدامى المحاربين في كلا النزاعين لأسباب مختلفة تشمل المخالفات البسيطة.
ويرى كثيرون أن قانون 1996 كان العامل الرئيسي في قضايا قدامى المحاربين. وهو الذي وسّع فئات الجرائم التي يمكن بسببها ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وتشمل القائمة التي حدّدها جرائم بسيطة مثل السرقة من رفوف المتاجر وحيازة المخدرات.
وقال جيمس سميث، مؤسس مجموعة المناصرة بلاك ديبورتد فيتيرانز أوف أميركا، إن “القضاة كانوا يتمتّعون بالقدرة على الاطلاع على سجلاتك والنظر في خدمتك. ثم أزال القانون قدرتهم على موازنة ميزان العدل”.
ويجب على المتقدمين أيضا إثبات “أخلاقهم الحميدة “، بما يعقّد جهود تجنيس أولئك الذين واجهوا نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة.
مدينة تيخوانا المكسيكية الواقعة عبر الحدود من سان دييغو بكاليفورنيا أصبحت نقطة مزدحمة لقدامى المحاربين الذين تقرر ترحيلهم
واستغرق منح الجنسية الأميركية لأخصائي اللوجستيات العسكري السابق ديفيد باريو 14 عاما رُحّل خلالها إلى كينيا. ونال مبتغاه في نوفمبر 2022.
وقال باريو الذي تقرر ترحيله في 2008 بسبب مشاكل بتأشيرة طالب دون أن يشمل سجلّه إدانات جنائية “أنت تفكر كثيرا في ما يمكنك القيام به، وما يمكنك تحقيقه، ولماذا استغرق الأمر وقتا طويلا حتى تحصل عليه. كنت سأفعل الكثير في 14 عاما”.
ولا تتفانى الحكومة في تتبع عدد المحاربين القدامى الذين تقرر ترحيلهم وفقا لتقرير صدر في 2019 عن مكتب محاسبة الحكومة الأميركية الذي قدر إضافة 250 من المحاربين القدامى إلى إجراءات الترحيل بين 2013 و2018.
ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن الأرقام أعلى بكثير. ولم تقدم وزارة الأمن الداخلي ووزارة الدفاع ووزارة شؤون المحاربين القدامى رقما عندما سئلت عن عدد المحاربين القدامى الذين تقرر ترحيلهم منذ 2003.
وقاد النائب الأميركي من كاليفورنيا مارك تاكانو التشريع الذي أقرّه مجلس النواب في ديسمبر، الذي يسعى إلى تنظيم إحصاء أكثر دقة وتبسيط عملية التجنيس للأعضاء العسكريين من غير المواطنين.
وأكّد أن الترحيل يحدث بشكل متكرر بعد مواجهة البعض لنظام العدالة سواء بسبب مشاجرة في حانة أو شيء أكثر خطورة.
الترحيل يحدث بشكل متكرر بعد مواجهة البعض لنظام العدالة سواء بسبب مشاجرة في حانة أو شيء أكثر خطورة
وقال تاكانو، وهو كبير الديمقراطيين في لجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس النواب، إن “هؤلاء المحاربين القدامى ارتكبوا أمرا للوقوع في مشاكل مع القانون، لكن السؤال يتعلق بالعواقب النسبية. هل يبدو الترحيل من البلد الذي خدمته بالزي العسكري نسبيا؟”.
وأصبحت مدينة تيخوانا المكسيكية الواقعة عبر الحدود من سان دييغو بكاليفورنيا نقطة مزدحمة لقدامى المحاربين الذين تقرر ترحيلهم.
وعاش إدوين سالغادو في الولايات المتحدة منذ أن وصلها من المكسيك مع والديه في سن الثالثة. ولم يتذكر موطنه الأصلي.
وخدم في مشاة البحرية الأميركية خلال غزو العراق، وأسس عمله الخاص في كاليفورنيا كمصمم جرافيك بعد تركه صفوف الجيش.
لكنه كان من المرحّلين في 2016، بعد أن أمضى عاما في السجن بتهم تتعلق بالمخدرات والأسلحة، ووصل إلى تيخوانا بحقيبة ظهر وبعض الملابس.
وقال وهو جالس في شقته في المنطقة المكسيكية إن “الأمر كان جنونيا. كنت في رأيي مواطنا”.
ووصل بوابة إل تشابارال للمشاة التي تربط الولايات المتحدة والمكسيك. وتوصل إليها سلطات الهجرة الأميركية المرحلين بشكل روتيني، بما في ذلك قدامى المحاربين.
ولم يكن لدى إدوين سالغادوعند وصوله إلى المكسيك سوى 300 دولار. واشترى بها الإلكترونيات من أسواق السلع المستعملة ليعيد بيعها لتغطية نفقاته.
ويرأس روبرت فيفار المركز الموحد لموارد المحاربين القدامى المُرحّلين من الولايات المتحدة، ومكتبه قريب من إل تشابارال. وقال إن قدامى المحاربين يلتجئون إليه في الكثير من الأحيان بحثا عن المساعدة.
سنة 2022 شهدت تجنيس أكثر من 10600 جندي ضمن عمل الحكومة الفيدرالية لحلّ الأزمة
وتابع وهو يقف أمام البوابة المعدنية “إنهم مثل سمكة خارج الماء. لا يتحدث البعض الإسبانية حتى، لم يسبق لهم أن زاروا هذه البلاد”.
ويجتمع الكثير من المحاربين القدامى في دار ضيافة مؤقتة تُعرف باسم ذي بانكر. واحتضن المكان أحد المحاربين القدامى وهو هيكتور باراخاس قبل سنوات.
وقال باراخاس، الذي أصبح مواطنا أميركيا في 2018، إن أعدادا كبيرة من قدامى المحاربين المرحلين يعودون إلى الولايات المتحدة بموجب البرنامج الذي أطلقته إدارة بايدن في 2021.
ويعمل الآن لدعم قدامى المحاربين على جانبي الحدود. وقال “لم أر قط هذا العدد الكبير منهم يعودون إلى ديارهم”. حيث سمح البرنامج الحكومي، الذي أطلق عليه اسم مبادرة الأعضاء العسكريين والمحاربين القدامى، لأكثر من 65 شخصا بالعودة إلى الولايات المتحدة حتى ولو مؤقتا من خلال آليات الأسباب الإنسانية.
وشهدت سنة 2022 تجنيس أكثر من 10600 جندي ضمن عمل الحكومة الفيدرالية لحلّ هذه الأزمة. وجنّست خدمات الجنسية والهجرة الأميركية منذ 2002 أكثر من 158 ألف فرد من الجيش الأميركي. لكن العديد من المرحّلين يواجهون مستقبلا غامضا وتحديات شخصية حتى لو تمكنوا من العودة.
وقال سيغوفيا بينيتيز إنه كان يفكر في الانتحار في فترة ما، لكنه مصمّم على أن يظل متفائلا من أجل عائلته في الولايات المتحدة.
وله حفيدة تبلغ من العمر أربع سنوات ووُلد ابنه في 2003 عندما كان يخدم في العراق .كما أن له أقارب آخرين في الولايات المتحدة أيضا. وقال “لديّ ما أعود من أجله. لا يمكنني الاستسلام. هناك أناس أعيش من أجلهم”.