كريتر نت – الضالع – ذياب الحسيني .
في لحظةٍ فارقة من تاريخ الجنوب، لحظةٍ لا تُقاس بالزمن بل تُقاس بثقل الفقد، ودّع أبناء الجنوب أحد أعمدتهم الراسخة، ومرجعيتهم السياسية المتفردة، اللواء محمد ناجي سعيد، الذي لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان تجسيدًا حيًا لروح الثورة، وإرثًا نضاليًا متجذرًا في وجدان كل حرٍ جنوبي. لقد ترجل الفارس، وارتقى إلى علياء المجد، تاركًا خلفه سيرةً لا تُطوى، ومواقف لا تُنسى، ومسارًا نضاليًا سيظل منارةً للأجيال.
انطلقت جموع المشيعين من مستشفى النصر العام عند الساعة التاسعة صباحًا، في موكب جنائزي مهيب، امتد كالسيل الجارف من الوفاء، شارك فيه المئات من أبناء الجنوب، وارتصّت فيه القيادات العسكرية والمدنية والأمنية و السياسية و المحلية، ممثلةً بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المسلحة الجنوبية، وقيادات الصف الأول في وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، إلى جانب رفاق النضال وزملاء الدرب الذين حملوا معه راية التحرر، وكتبوا معه فصولًا من التاريخ المقاوم.
لم يكن الحضور مجرد طقس جنائزي، بل كان تجليًا حيًا لرمزية الرجل الذي لم يساوم على قضيته، ولم ينكسر أمام المحن، وظلّ حتى الرمق الأخير حاملًا لوهج الحراك، ومُلهمًا للثوار، وصوتًا لا يلين في وجه الرياح العاتية. لقد كان اللواء محمد ناجي سعيد بمثابة البوصلة التي وجّهت المسار، والنبراس الذي أنار الطريق، والإب الروحي الذي احتضن الثوار، وغذّى فيهم روح الصمود والعزة، فصار اسمه مرادفًا للثبات، وصورته أيقونةً للنقاء الثوري.
في مقبرة المداد بجحاف الضالع، حيث احتضنته الأرض التي أحبها، أُقيمت الصلاة عليه، وأُلقيت نظرات الوداع الأخيرة من رفاقه ومحبيه، في لحظةٍ تجلّت فيها كل معاني الوفاء، وتجلّت فيها عظمة الرجل الذي رحل جسدًا، لكنه بقي أثرًا خالدًا في الوجدان الجنوبي، وفي ذاكرة الحراك، وفي ضمير كل من آمن بالحرية والكرامة.
رحل اللواء محمد ناجي سعيد، لكن إرثه النضالي باقٍ، وصوته سيظلّ يتردد في ساحات النضال، وفي كل هتافٍ يُنادي بالجنوب الحر، وفي كل موقفٍ يُستلهم من شموخه. وداعًا يا من كنت لنا مرجعيةً ومُلهمًا… وداعًا يا إبن الجنوب البار، ويا وهج الثورة الذي لا ينطفئ.