كتبَ : منيف خالد الرُبيح
كان أحمد شيخًا قد أثقلته السنون يسير متكئًا على صبرٍ طويلٍك وذكرياتٍ أنهكها الحنين يعيش أيامه بين حيطانٍ صامتة لا يسمع فيها سوى أنفاس ابنه سامي،الرجل الذي جاوز الخامسة والأربعين بعمرٍ جسدي، ووقف عند الطفولة بعمرٍ نفسي كان سامي جنديًّا في الأوراق فقط، يتقاضى راتبه دون مهمة، يعيش في ظلّ أبيه كطفلٍ ضاع طريق العودة لم يكن أحمد يرى في ابنه عجزًا، بل كان يرى فيه قلبًا طيّبًا أصابه الزمانُ بوَهنٍ في الروح يهيئ له طعامه يحدّثه كأنه زميله في الخدمة ويزرع في يومه دفءَ الأمل حتى جاء ذلك الاتصال المفاجئ من الوحدة العسكري يستدعي سامي للحضور العاجل أمام لجنةٍ مهمّة ارتجف صوت أحمد وهو يسمع، فابنه لا يستطيع الذهاب وحده، ولا يملك من أمره سوى الارتباك جمع الشيخ أنفاسه، وقال في نفسه: “لن أتركه، ولو حملتُ ضعفي على كتفي خرجا معًا،
والسماء تراقبهما كأنها تعرف القصة قبل أن تُروى عند بوابة الوحدة، اعترضهم العسكري وقال: “لا يُسمح بالدخول إلا بالهندام الرسمي نظر أحمد إلى ابنه، فارتسم على وجه سامي اضطراب الطفل الذي أضاع لعبته حاول أحمد أن يشرح، أن يستعطف، لكنّ الإجراءات كانت أعتى من قلب الأب تنحّى جانبًا، وبدأ يبحث في ذاكرته عن مخرجٍ يُنقذ الموقف تذكّر أحد زملاء سامي القدامى فاتصل به بصوتٍ متعبٍ وطلب استعارته لبدلةٍ عسكرية لم تمضِ ساعة حتى كانت البدلة بين يديه، يضمّها إلى صدره كمن يحمل نجاة ابنه
لبس سامي الزيّ العسكري، ووقف أمام المرآة، فإذا به يرى نفسه كما كان يتمنّى رجلًا في خدمة وطنه ابتسم، وارتفعت أنفاسه في صدره كأنها نغمة حياةٍ عادت بعد صمتٍ طويل دمعت عينا أحمد، وقال
ما أجملك يا بنيّ حين ترى نفسك كما يراك قلب أبيك التقط هاتفه القديم، وصوّر ابنه في وقفته تلك، بزيّه ونظراته المضيئة قال له مبتسمًا سأري أمك هذه الصورة، لتعلم أن بطلها ما زال واقفًا كان سامي يضحك بهدوء والابتسامة على وجهه أنقى من كل الأوسمة لم يكن يدرك أنّ تلك اللحظة وحدها هي المعركة التي انتصر فيها أما أحمد، فقد شعر بأن جسده ينهار، لكن قلبه كان شامخًا كعلمٍ لا يسقط عاد إلى بيته وهو يستند على فرحٍ قصيرٍ لكنه خالد في روحه قال في نفسه قبل أن يغمض عينيه: “كفى بي سعادة أن أراه اليوم كما تمنّيتُه عمرًا.”















