محمد زريعي
في حدثٍ استثنائيٍ يحمل دلالةً تاريخيّةً، شهدت العاصمة النمساوية فيينا في الفترة من 13 إلى 15 يونيو/حزيران الحالي، أوّل مؤتمرٍ يهوديٍ دوليٍ مناهضٍ للصهيونية، أي في المدينة ذاتها التي شهدت أول مؤتمرٍ صهيونيٍ بحضور تيودور هرتزل عام 1897. حمل المؤتمر اسم “المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية”، واستضاف شخصياتٍ يهوديةً وفلسطينيةً بارزةً، سنستعرض في هذا المقال كلّ ما يخص المؤتمر وأهمّيته في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ النضال الفلسطيني ضدّ الصهيونية.
الجهة المنظمة
نظّم المؤتمر اليهودي منظّمة “من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في فلسطين”، وهي منظّمةٌ نمساويةٌ معروفةٌ بمواقفها المناهضة للصهيونية والإمبريالية، وتعتبر نفسها جزءًا من حركات التحرر العالمية، وقاده نشطاءٌ يهود، ونمساويون بالتنسيق مع شخصياتٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ.
إلى جانب المنظمة الرئيسية، شاركت شبكاتٌ يهوديةٌ مناصرة لفلسطين، مثل “يهود أوروبا من أجل فلسطين”، و”يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”. كما دعمته منظماتٌ يهوديةٌ أخرى، مثل “صوت يهودي من أجل السلام”، و”يهود أوروبيون من أجل السلام”، و”الشبكة الدولية اليهودية المناهضة للصهيونية”.
الأهداف
جاءت أهداف المؤتمر واضحة وجذرية، مؤكّدةً على رفض الصهيونية رفضًا جذريًا، باعتبارها حركةً عنصريةً استعماريةً، أيضًا؛ اعتبرت مقاومة القوانين والتشريعات التي تربط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية هدفًا يهوديًا. كما سعت إلى بناء جبهةٍ يهوديةٍ عالميةٍ لمقاومة الاستعمار، والفصل العنصري، والاعتراف بالنكبة الفلسطينية، والعمل على إنهائها من خلال دعم حقّ العودة، وتفكيك النظام الصهيوني.
البيان الختامي
صيغ البيان الختامي بلغةٍ ثوريةٍ قويةٍ، تلخص رؤية المؤتمر وأهدافه وخطابه السياسي، فقد نص على رفضٍ قاطعٍ للصهيونية بقوله: “ليست الصهيونية أيدولوجيا استعمارية فقط، بل نظامٌ عنصريٌ يجب تفكيكه بالكامل”. كما رفض التمييز بين “صهيونية جيدة” و”صهيونية سيئة”، مؤكّدًا أنّ المشروع كلّه قائمٌ على العنصرية والتفريق، لذا يجب تفكيكه، كذلك؛ انتقد المنظمات التي تدعو إلى السلام من دون عدالة انتقاداتٍ حادّةً، ودعا إلى الانحياز للعدالة، وتجاوز الخطابات الرمادية إلى لغة التحرير والتفكيك.
أيضًا؛ ناشد المؤتمر في بيانه الختامي كلّ الحركات المناهضة للعنصرية والاستعمار حول العالم للانضمام لهذا التيار الجديد، ودعا إلى بناء شبكةٍ دوليةٍ يهوديةٍ مناهضةٍ
أهمّية المؤتمر
تتجاوز أهمّية المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية في فيينا كونه مجرد فعاليةٍ سياسيةٍ، أو ملتقىً فكريٍّ، بل يمكن اعتباره منعطفًا تاريخيًا في نضال الشعب الفلسطيني ضدّ الصهيونية. أهمّ ما في المؤتمر هو تفكيك احتكار الصهيونية لتمثّيل اليهود، ويعلن من قلب أوروبا، وبصوتٍ يهوديٍ أنّ الصهيونية لا تمثّلهم. كما يقدم لغةً جذريةً لا مساومة فيها، في فترةٍ يهيمن عليها خطاب “السلام” و”دولتين لشعبين”، ويشرعن النضال الفلسطيني أمام الأوروبيين بصوتٍ يهوديٍ، ما قد يضع حدًّا للابتزاز الصهيوني لما يسمى الغرب.
أيضًا؛ يؤسس المؤتمر لتحالف فلسطيني يهودي ضدّ الصهيونية، متجاوزًا خطاب “صراع بين شعبين”، لحقيقة طرحه النضال الفلسطيني على اعتباره حركةً تحرريةً بوجه استعمارٍ استيطانيٍ، لذا يعتبر هذا التحالف وزنًا استراتيجيًا في المعركة السياسية ضدّ الصهيونية.
مثّل المؤتمر تحديًا مباشرًا للسردية الصهيونية، التي طالما احتكرت الحديث باسم اليهود، وطرح بديلًا جذريًا يربط بين مناهضة الاستعمار ومناهضة العنصرية، كما أعاد بناء التحالفات على أسس العدالة والتحرر، لا على أساس التسوية والتطبيع. ومن خلال خطابه الصريح، وشبكة العلاقات التي بدأ في نسجها، لا يكتفي بكسر الصمت، بل يسعى إلى إنتاج فعلٍ سياسيٍ مقاومٍ ومنظمٍ، تتقاطع فيه نضالات الشعوب، وتتعرى فيه مشاريع التجميل الغربي للصهيونية.
المصدر : العربي الجديد