مراد حسن بليم
التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل وان حاجتنا إلى أن نرى الفضيلة أعظم من حاجتنا إلى تعريفها،وعلى ذلك النحو فلا نبالغ حين نقول ان تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في بناء الدولة كانت حدثا استثنائيا لم يرق له حتى اليوم هؤلاء الذين يتغنون ليل نهار بأفضليتهم،او اولئك الذين خرجوا خلسة من دياجير التاريخ وما أكثرهم،على ان تلك التجربة الفريدة التي قاد موكبها الاشتراكي والممتدة حتى العام 90،تظل الأيقونة المشرقة في حياة اليمنيين جنوبا وشمالا والتي جسدت فعلا وقولا ملخص معنى الدولة بكل اركانها وبجميع واجباتها وبكل امتدادتها،في كل شبر،وبكل قرية وشارع ومدينة،بحرا وبرا وعلى شوامخ الجبال ووهاد الأرياف .
دولة لم تكن مجرد شعارات او عصبويات مصالح،ولم تكن مجرد عملة وعلم ونشيد، لكنها رغم عمرها الذي يقارب ربع قرن حققت انجازات لا تزال ماثلة على الارض،مدارس،جامعات مستشفيات،رياض اطفال،مسارح ودور سينما ومصانع،وبنية تحتية،ومخططات مستقبلية، خدمات ومجانية التعليم والصحة والاسكان لكل فئات الشعب وفي مقدمتهم ابناء العمال والفلاحين والمهشمين والفقراء،وفرص العمل والتوظيف، وبناء الانسان فكريا واخلاقيا،ولا أحد يستطيع المزايدة على تلك التجربة الفريدة محليا واقليميا،ولا احد يستطيع انكار تلك المنجزات التي مثلت منعطفا ثوريا هاما رغم كل الدسائس والمؤامرات التي ارادت النيل من تلك الدولة ومن حضورها على كافة المستويات السياسية والثقافيةوالفنيةوالرياضيةوالسيادية.
الحزب الاشتراكي رغم كل التحديات التي مر بها ورغم كل الضربات الموجعة التي ارادت النيل منه لايزال حاضرا وشريكا فاعلا في الحياة السياسية وصاحب مشروع وطني لبناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية،وقد خاض وامتلك خبرة وتجربة سياسية معتبرة في النضال التحرري وفي الحكم والتشارك وفي المعارضة وتحالفاتها وفقا للتوافقات والمشتركات الوطنية،ولم تكن ذاكرة الاشتراكي قابعة في تكوينه الراهن فحسب بل ايضا في روافده الحاضرة في المزاج العام والذاكرة السياسية،وهو الحزب الوحيد الذي انتقد بنفسه تجربته في الحكم ولم يسبق لاي حزب نقد تجربته،لقد استمرّ على مدى سنوات ما بعد حرب 94 الغاشمة لينبعث بروحية متجددة ورؤية ناظرة لمعنى بناء الدولة المؤسسية،وهو فكرة والفكرة لا تموت،ولا يزال وسيظل البوصلة التي تقود الناس نحو بر الأمان.