كريتر نت – العرب
مع نهاية زيارة الرئيس السنغالي ماكي سال إلى القاهرة فُتح الباب أمام عدة تساؤلات خاصة أن الزيارة تطرقت إلى بعدين هامين هما أزمة سد النهضة الإثيوبي وكذلك خطر الجهاديين المتصاعد في منطقة الساحل، ما أوحى بأن هناك رغبة في أن تلعب مصر دورا أكبر في محاربة الجماعات المتطرفة خاصة أن لها خبرة في ذلك بعد سنوات من مكافحة المتطرفين داخليا.
وحملت زيارة رئيس السنغال ماكي سال إلى القاهرة أخيرا ومحادثاته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعدين مهمين، أحدهما يتعلق بدوره المنتظر في تسوية أزمة سد النهضة الإثيوبي عقب تولي بلاده لرئاسة الاتحاد الأفريقي ابتداء من الأول من فبراير الجاري، والآخر يخص التعاون المشترك بين القاهرة ودكار في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي التي تعج بتطورات في هذا الإطار.
ويبدو الملفان متباعدين عن بعضهما ولا علاقة بينهما، غير أن هناك قواسم مشتركة. وتشير تقديرات سياسية إلى وجود علاقة خفية بينهما، حيث تسعى القاهرة لحل أزمة سد النهضة بكل الطرق الفنية والسياسية والدبلوماسية، وتملك خبرة كبيرة في ملف مكافحة الإرهاب اكتسبتها من الحرب الطويلة التي تخوضها منذ سنوات ضد تنظيمات في الداخل والخارج وحققت فيها تقدما لافتا.
وهناك قوى كبرى لم تستبعد إمكانية مساعدة مصر في الملف الأول شريطة الحصول منها على مساعدات محددة في الملف الثاني تتجاوز عملية تبادل المعلومات التقليدية بعد أن أصبحت قضية الإرهاب في أفريقيا ظاهرة مرشحة للمزيد من التصاعد، وبعض الدول تريد الاستفادة من الخبرات المصرية المتراكمة في هذه القضية.
ووصلت القاهرة إلى طريق شبه مسدود في المفاوضات مع أديس أبابا وتيقنت أن جميع الحسابات الإقليمية والدولية محكومة بتوازنات قد لا تصب في صالحها على المدى المنظور ولن تجني علاقاتها نتائج إيجابية ما لم تكن قادرة على تقديم مساعدات ملموسة في ملف الإرهاب تتناسب مع تعاظم تحدياته لبعض القوى للحصول على مقابل في ملف سد النهضة.
تحديات دولية في أفريقيا
نصر سالم: التنسيق المعلوماتي جعل دولا أفريقية تطلب مساعدة مصر
أخفقت بعض القوى الدولية في الحفاظ على مصالحها جيدا في أفريقيا وجاءت الحرب على الإرهاب لتضاعف المأزق، ففرنسا تواجه تحديات كبيرة وقررت سحب قواتها من مالي، والولايات المتحدة بدأت تظهر أمامها عقبات تتمثل في تضخم تنظيمي داعش والقاعدة في القارة السمراء وزيادة مقاربات كل من روسيا وتركيا في كثير من الدول الأفريقية، وتكاد تتحول منطقة الساحل والصحراء إلى بؤرة جديدة للإرهاب.
وظلت مصر تطالب المجتمع الدولي بالتعامل مع مكافحة الإرهاب كوحدة واحدة بدلا من التعامل معه بالقطعة وفضلت الحرب الشاملة، وانتقدت الانتقائية التي تتعامل بها بعض القوى الكبرى وأدت في النهاية إلى تضخم الجماعات المتطرفة وتوظيفها بما يخدم مصالح هؤلاء، إلى أن بدأ السحر ينقلب على الساحر وتصبح بؤرة أفريقيا مرشحة للتوسع بما يهدد مصالح قوى كبرى.
ولم تفلح الخبرات المحدودة للدول الأفريقية في الصمود أمام تغول بعض التنظيمات المتشددة، ولم تمكن الأدوات العسكرية الانتقائية واستخدام الطائرات المسيرة من تقويض الكثير من ممارسات الإرهابيين وروافدهم في العديد من الدول الأفريقية، وباتت بعض العيون الغربية تتحول ناحية مصر للحصول منها على مساهمة مادية في حرب لا أحد يعلم أين تتقاطع وتتشابك خيوطها ومتى تتباعد وتتناغم.
وتمكنت الأجهزة الأمنية المصرية من تقليص التهديدات الإرهابية في الداخل لأنها امتلكت الكثير من المفاتيح في المناطق التي يجري فيها طبخ تصوراتها في الخارج من خلال أذرعها التي تمددت في أوساطهم، وأدى العثور على كثير من الخرائط التي تكشف تحركات التنظيمات المتطرفة وتضم مصريين وعربا إلى تسهيل مهمة الأجهزة الأمنية في التتبع والملاحقة في منطقة الساحل والصحراء.
ويقول خبراء أمنيون في مصر إن المعلومات التي تملكها القاهرة جعلت يدها طولى على جزء معتبر من هذه التنظيمات وساعدها ذلك في زيادة وتيرة التعاون مع أجهزة استخبارات عربية وأفريقية ظهرت في اللقاءات شبه الدورية التي تعقد مع قيادات أمنية في هذين الفضاءين مؤخرا وتوسيع نطاق التنسيق معهما بصورة ثنائية.
وقامت مصر ببدء تفعيل مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء بالقاهرة في إطار جهودها لدعم قدرات الدول الأفريقية، وعلى هذا المنوال تطورت علاقاتها الأمنية مع دول مختلفة في القارة الأفريقية وتوثقت مع كثير من الدول الغربية التي لها مصالح في القارة أو معنية بمكافحة الإرهاب.
استعدادات مصرية
قال رئيس جهاز الاستطلاعات الأسبق بالجيش المصري اللواء نصر سالم إن وجود مركز قيادة لمكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء على الأراضي المصرية يعزز أدوار التعاون العسكري مع دول القارة، وهو ما ترتب عليه مضاعفة عمليات تدريب القوات وتقديم الدعم الفني والتقني للجيوش الأفريقية، وأضح أن هناك خارطة معلوماتية تتضمن خط سير التنظيمات الإرهابية وكيفية التعامل معها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر تركز على التنسيق المعلوماتي الذي يغيب عن بعض الدول وتقدم خبراتها في كيفية تطوير العمل الاستخباراتي باعتباره مقدمة للتعامل مع الأخطار الإرهابية، ما دفع العديد من دول القارة إلى طلب المساعدة والتعاون معها.
وأشار سالم إلى أن عدم التدخل العسكري المباشر يرجع إلى عدم وجود اتفاقيات مباشرة بين القاهرة وتلك الدول تُمكنها من التدخل في الوقت الحالي، حيث تنظر مصر إلى التعاون العسكري باعتباره أهم أشكال التنسيق بين الدول وأن الوصول إليه يعني إمكانية إبرام اتفاقيات تعاون مشتركة في كافة المجالات الأخرى، إلى جانب أنه يشكل أهمية قصوى بالنسبة إلى الدول التي تسعى لإنقاذ حياة مواطنيها، وبالتالي فإن هناك ضمانة لوجود مصالح مشتركة تدعم الحضور المصري في القارة الأفريقية.
ويظل التعاون حتى الآن في حدود تبادل المعلومات لأن مصر غير مستعدة لإرسال قوات كبيرة خارج حدودها في الحرب الشائكة على الإرهاب اتساقا مع قناعات استراتيجية ثابتة ترفض المطاردة العسكرية في الخارج، خاصة أن الولايات المتحدة طلبت من القاهرة في أواخر عهد الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك تغيير عقيدة الجيش المصري وانخراطه في مكافحة الإرهاب بشكل نظامي خارج الحدود.
وتم رفض الطلب الأميركي في ذلك الوقت وتعزز الرفض بتطوير آليات الجيش المصري وفقا لأدبيات الحروب النظامية المعروفة وليست الخاطفة التي تتسم بها عمليات مكافحة الإرهاب في مناطق متباينة، وأحرزت القاهرة انتصارات كبيرة بطريقتها، وقوضت الكثير من الأدوات التي كانت تستهدفها من الخارج بالمواجهة الاستخباراتية تارة، وتلطيف الأجواء من دول ضالعة في رعاية المتطرفين مثل قطر وتركيا، حيث فرض التقارب السياسي معهما مؤخرا تحجيم الدعم المادي المقدم لإرهابيين يستهدفون المصالح المصرية.
وعاد الطلب القديم ملحّا على الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس جو بايدن، ومارست ضغوطا عدة كي تقبل مصر بالمشاركة العملية في هذه الحرب المفتوحة، ولا يزال الجدل مستمرا حول هذه القضية والتي يتردد في بعض الدوائر أن واشنطن وحلفاءها ربطوا مساعدة القاهرة وإيجاد تسوية لأزمة سد النهضة بما يمكن أن تقدمه من مساعدات عسكرية مباشرة في الحرب على الإرهاب.
حسابات متغيرة
يشير متابعون إلى وجود تغير نسبي في الموقف المصري لأن التحديات التي تواجه القاهرة على مستوى سد النهضة عميقة، والأزمة في ليبيا وتداعيات الأزمة في السودان كلها يمكن أن تتفكك الكثير من معالم عقدها بمشاركة مباشرة في الحرب على الإرهاب مقابل الحصول على دعم واضح من الولايات المتحدة.
ويقول المتابعون إن الصفقة العسكرية التي وافقت عليها واشنطن لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار قبل أيام وجرى تفسيرها بأنها تخدم الأمن القومي الأميركي تصب في هذا الاتجاه لدفع القاهرة إلى التخلي عن رؤيتها السابقة، والقبول بإرسال قوات عسكرية إلى مناطق الأزمات التي تعج بالجماعات الإرهابية، والاستفادة من الكفاءة التي أظهرها الجيش المصري في معاركه الداخلية ضد المتطرفين.
ويبدو هذا الاحتمال ممكنا في ظل تنامي القوة العسكرية والاستخباراتية المصرية والجاهزية العالية التي يتسم بها الجيش، وهو ما يعني عدم التخلي عن عقيدته المركزية كجيش نظامي، وما يمكن أن يضيفه هذا الدور من حيوية إقليمية إلى مصر، حيث تستطيع أن توسع أنشطتها في أفريقيا بما يخدم مصالحها من واقع قدرتها الفائقة على المساهمة بعناصر فاعلة في الحرب لمكافحة الإرهاب والمرجح أن تتسع أطرها في القارة.
ويضمن انخراط القاهرة مباشرة في هذه الحرب توثيق أطر العلاقات مع قوى كبرى، ويمنحها فرصة للضغط ومساعدتها في تسوية أزمة محتدمة مثل سد النهضة، الأمر الذي يشير إلى أن العلاقة بين الجانبين لن تكون بعيدة في الفترة المقبلة إذا تمكنت مصر من نسج السيناريو الذي تريده ولا تفرض عليها أجندة لا تريدها.