في لحظةٍ دقيقة من تاريخ اليمن، تبرز الحاجة الملحّة إلى تجاوز جراح الماضي السياسية والفكرية، وإلى الخروج من دوّامة الانقسام التي أنهكت الوطن ومزّقت نسيجه.
إنّ نجاح مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين المنعقد في إسطنبول (11-12 أكتوبر 2025)، مرهونٌ بقدرة النخب اليمنية على التحرّر من أثقال الصراعات القديمة، وتهيئة مناخٍ جديد لحوارٍ وطنيٍّ جامع، يلتقي فيه الجميع على أرضية واحدة هي حب الوطن وبناء مستقبله.
لقد آن الأوان لطيّ صفحة الخلاف مع النظام السابق، لا عن نسيانٍ أو تهاون، بل عن وعيٍ نقديٍّ عميقٍ يُعيد قراءة الأخطاء التي فتحت الطريق أمام قوى التخلف والتطرف لتستمد سلطتها الزائفة من السماء، وتنشر الكراهية والعنصرية باسم الدين.
إن تجاوز تلك المرحلة بعدلٍ وحكمة هو العنصر الحاسم في نجاح أي مشروع وطني، لأن الأوطان لا تُبنى على أصداء الثأر، بل على صوت العلم والعقل والحكمة.
منبر العلم والعقل
يُعدّ هذا المؤتمر، الذي تنظّمه مؤسسة توكل كرمان، مبادرة علمية نوعية تجمع نخبة من الأكاديميين والخبراء اليمنيين من داخل الوطن وخارجه، لمناقشة قضايا جوهرية تمس حياة الناس: الصحة، التعليم، الهوية، البيئة، الغذاء، والاقتصاد.
وانعقاده في هذا التوقيت العسير يرمز إلى إيمانٍ عميق بأن العلم والمعرفة هما السبيل لاستعادة اليمن من الفوضى، وأن الحلول لا تُستولد من الشعارات، بل من الفكر الرصين والبحث العلمي المسؤول.
أسس اليمن الجديد والدولة المدنية
يرى المجلس الوطني للأقليات في اليمن أنّ من أهم أهداف المؤتمر ترسيخ أسس الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية، وتُدار بالمؤسسات لا بالأفراد، وبالعقل لا بالعصبية.
فالدولة المدنية ليست نقيض الدين، بل تجسيدٌ لمقاصده العليا في العدل والكرامة والحرية، والإطار الذي يحتضن كل أبناء الوطن دون تمييز.
إنّ بناء هذه الدولة يتطلب ثورة وعي تُوحّد الصف الوطني في مواجهة الراديكالية المدمّرة التي تقتل باسم الله وتعتدي على الإنسان والحياة معًا.
الحرية الدينية وحقوق الأقليات
إن حرية الفكر والمعتقد هي روح البناء الوطني، إذ لا يزدهر الإبداع في مناخ القمع ولا تنمو التنمية في ظل اضطهاد الضمير.
ومن هنا، يدعو المجلس إلى جعل هذا المؤتمر منبرًا لترسيخ أن التنوّع مصدر قوّة لا تهديد، وأن حقوق الأقليات الدينية والفكرية هي معيار العدالة وشرعية الدولة.
فالأقليات ليست هامشًا بل ضميرًا أخلاقيًا يذكّر الأكثرية بمسؤوليتها الإنسانية، ولا يمكن بناء وطنٍ عادل ما لم تُردّ الكرامة لكل إنسانٍ في إيمانه واختياره.
دعوة المجلس الوطني للأقليات
يُحيّي المجلس الجهود التي تجمع العقول اليمنية في فضاء واحد للحوار والبناء، ويدعو إلى أن تكون نتائج المؤتمر نقطة تحوّل وطنية نحو مشروع جامع يستند إلى العلم والمعرفة، ويتجاوز الانتماءات الضيقة.
كما يدعو إلى تبنّي ميثاق وطني للتعايش يعترف بالاختلاف ويجرّم الكراهية، ويعيد الاعتبار لقيم المحبة والسلام التي هي جوهر الرسالات الإلهية.
العلم طريق الخلاص
إنّ اليمن الجديد لن يولد من رحم الكراهية، بل من رحم الحكمة والعلم.
ومؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في إسطنبول خطوةٌ واعدة في هذا الاتجاه، تذكّرنا بأن خلاص اليمن لن يأتي من الخارج ولا من القوة، بل من ضميرٍ علميٍّ حرٍّ يؤمن بالإنسان ويخدم الحياة.
الاستاذ / وليد صالح عياش
الأمين العام للمجلس الوطني للأقليات في اليمن