كريتر نت – العرب – محمد أبوالفضل
اختار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي توقيتا سياسيا مثاليا لزيارة فرنسا، وإطلاق تصريحات شديدة اللهجة ضد جماعة الإخوان، عبر حوار مع صحيفة “لوفيغارو” واسعة الانتشار، نشرته في اليوم نفسه الذي تعد فيه الحكومة الفرنسية مشروع قانون لتجفيف منابع التشدد في البلاد.
واعتبرت تصريحات الرئيس المصري دعما مباشرا للرئيس إيمانويل ماكرون في معركته ضد شبكات التشدد الإسلامي التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون.
وأكد السيسي على أن القاهرة وباريس تواجهان الإرهاب وتحاربان معا على عدة جبهات.
وقال في المقابلة، التي أعادت نشرها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في مصر، “يبدو لي أن فرنسا أصبحت تقيس بصورة أوضح الآن مدى الخطر الذي يمثله الإخوان المسلمون على المجتمع والمواطنين الأوروبيين”.
وحاولت القاهرة على مدار سنوات تحذير الدول الغربية من مغبة التمادي في احتضان جماعة الإخوان، ومِن الخطورة التي تنطوي عليها هذه السياسة التي سوف ترتد إلى صدور مواطنيها، غير أن هذه الدول رفضت الاستماع لهذه النصائح حتى تغولت هذه الجماعة وباتت تمثل تهديدا وجوديّا.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس أن القانون “الذي يعزز مبادئ الجمهورية الفرنسية” والذي قُدّم الأربعاء، ليس “ضد الأديان” بل يستهدف “الفكر الخبيث الذي يحمل اسم الإسلام المتطرف”.
وقال كاستيكس بعد اجتماع مجلس الوزراء إن “هذا القانون ليس نصا ضد الأديان ولا ضد الديانة الإسلامية بشكل خاص”، مؤكدا أنه “على العكس، قانون للحرية وقانون للحماية وقانون للتحرر في مواجهة الأصولية الدينية”.
واللافت أن مشروع القانون يعرض في الذكرى الخامسة عشرة بعد المئة لقانون عام 1905 التاريخي حول العلمانية، وجاء نتاج ثلاث سنوات من المحاولات لمواجهة ما سماه ماكرون “الهيدرا الإسلامية”، والهيدرا هي حية متعددة الرؤوس في الأساطير اليونانية.
وقال ماكرون خلال مقابلة طويلة عبر منصة “بروت” الإلكترونية الموجهة خصوصا للشباب “الشر بيننا. ومن الخطأ القول إننا سنطرده بعصا سحرية”.
وكانت تصريحات السيسي واحدة من المرات النادرة التي يتحدث فيها مباشرة عن الإخوان، حيث درج على تجاهل ذكر اسمهم المعروف، وكان يصفهم دوما بأوصاف تتسم بالتعميم وعدم الاعتراف، من قبيل “جماعة الشر”.
وأشار الرئيس المصري، في ختام زيارة لباريس استمرت ثلاثة أيام، إلى أن “وضع الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية في مصر أو في العديد من بلدان المنطقة لم يأت من فراغ؛ فتغلغل عملهم في المنظمات الخيرية والمنظمات الإرهابية المسلحة التي يسيطرون عليها وتدخلهم في الدوائر السياسية المؤسساتية، يمثلان تهديدا وجوديّا للدول، وهم يختبئون وراء الدين لتبرير شمولية رؤيتهم”.
وشدد على ضرورة معاقبة الدول التي تمول وتسلح هذه المنظمات الإرهابية، وتنتهك قرارات الأمم المتحدة، في إشارة توحي بأن التعامل مع القضية يحتاج إلى سياسة شاملة، ما يتضمّن لوما لدول تدين الإرهاب وتغض الطرف عن داعميه.
وتوقع الباحث المصري في الشؤون الدولية نصر محمد عارف، أن تجد تصريحات السيسي الأخيرة آذانا صاغية أكثر من أي وقت من تاريخ وجود الإخوان في أوروبا، لأنها جاءت في لحظة مهمة في مسيرة العلاقة بين أوروبا -خصوصًا فرنسا- والتنظيم، وامتداداته الخارجية التي تسيطر على منظمات إسلامية في أوروبا.
وأضاف عارف في تصريح لـ”العرب”، أن هذه الدول تدرك خطورة تخفي تنظيم الإخوان وراء الجمعيات الأهلية الخيرية والمساجد، لنشر أفكاره التي سلبت الجيلين الثاني والثالث من المسلمين في أوروبا من واقعهم، وربطتهم بأحلام خرافية وأفكار لم يجن منها المسلمون سوى التخريب والكراهية والعنف.
وطلب الرئيس الفرنسي من قيادات إسلامية في بلاده قبول ميثاق قيم الجمهورية، كجزء من حملة واسعة النطاق على المتشددين، مانحا المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية مهلة أسبوعين لقبول الميثاق، الذي يشدد على أن الإسلام دين وليس حركة سياسية، ويحظر التدخل الأجنبي في شؤون الجماعات الإسلامية.
والتقى ماكرون ووزير الداخلية جيرالد دارمانان، في نوفمبر الماضي، ثمانية من قادة المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية في قصر الإليزيه، حيث وافقوا على إنشاء مجلس وطني للأئمة، يصدر اعتمادا رسميا للأئمة، ويمكنه سحبه إذا حدث أي انتهاك للقيم.
وكان مثقفون وسياسيون وناشطون في فرنسا وجهوا مؤخرا رسالة مفتوحة إلى الرئيس ماكرون، طالبته بحظر تنظيم محسوب على جماعة الإخوان المتطرفة داخل فرنسا، لتطويق خطاب الكراهية الذي تروجه، والمرتبطة بمعاداة الغرب.
ويسود اعتقاد جازم الآن في أن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي يعرف اختصارا بـ”UOIF”، يمثل فرع تنظيم الإخوان، وأعيدت تسميته بـ”مسلمي فرنسا” عام 2017، على خلفية حسابات سياسية.
واكتشفت فرنسا ودول أوروبية عديدة أن الأفكار التي تنشرها جماعة الإخوان هي القاعدة التي انطلق منها تنظيم داعش، والذئاب المنفردة التي نسفت مفهوم الأمن الاجتماعي في أوروبا من خلال العمليات العبثية عبر دهس المشاة في الشوارع، وطعن الآمنين، وتفجير الكنائس.
وأوضح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد، أن فرنسا تعاني من حملات تشويه تقوم بها تركيا وإسلاميون، وتحاول تفكيك عوامل الأزمة التي صاحبت الرسوم المسيئة للرسول.
ونبه أبوالسعد إلى أهمية إيصال رسالة تحذيرية واضحة إلى الغرب يفيد مضمونها بأن جماعة الإخوان لديها مشروع يسعى لإسقاط الدول ومؤسساتها من خلال خطط التفافية.
واستبعد الباحث المصري في تصريح لـ”العرب” أن تتبنى فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية الموقف المصري من الإخوان، لكنه شدد على أهمية أن تتفهم المجتمعات الغربية خطورة جماعة الإخوان على العالم الحر.