كتب .. احمد عبد اللاه
تمر الشرعية بأزمة متصاعدة تعود جذورها إلى بنيتها الداخلية المتناقضة وارتهان قرارها السياسي لارادة الخارج. وقد تفاقمت بسبب تردي الوضع الاقتصادي وحالة الفراغ السياسي الفعلي خاصة بعد أن تحول دور المملكة السعودية من قائدة عاصفة الحزم لدعم الشرعية إلى وسيط للسلام.
ذلك الانزياح انعكس على الأداء السياسي لقيادات الشرعية الذي اقتصر على فائض الخطاب ودوامات اللقاءات الدبلوماسية المتكررة، من دون تحقيق أي اختراق ملموس ينعكس على أرض الواقع أو يصب في تحريك جهود السلام. ما يكشف بوضوح أن المجتمع الدولي بات يرى في الشرعية طرفًا يستهلك الوقت تحت عناوين عائمة دون أن تثبت من خلال أدائها على الأرض بأنها سلطة إنقاذ فعلي.
وبالرغم من كثافة الضربات الجوية على الحوثي، الذي بات يشكل القوة الفاعلة ميدانياً في ما يعرف بـ”محور المقاومة”، إلا أنه لم يبد أي اشارة لتغيير موقفه الداخلي أو الاستعداد للانخراط في مشروع سلام محتمل. فما يزال يعتبر نفسه الطرف الأجدر بفرض الإملاءات على الآخرين.
وانطلاقاً من هذا الواقع نسجت الشرعية آمالها على فكرة أن دعم قواتها بإسناد جوي خارجي سيمكنها من التقدم على الأرض والضغط على الحوثي لإرغامه على القبول بصفقة سلام. حتى أن رئيس مجلس القيادة أعلن في وقت سابق: أن عام 2025 سيكون عام الحسم والخلاص.
وعلى تلك الخلفية خرجت قيادة “الشرعية” من على منبر أممي لتدعو المجتمع الدولي إلى تشكيل تحالف جديد لتحرير اليمن من قبضة مليشيات الحوثي.
هنا يتعين، عزيزي القارئ، التوقف عند الدعوة الجديدة لتشكيل تحالف دولي (بديل) بعد قرابة 11 سنة من تحالف دعم الشرعية، وما الجديد الذي قد يدفع العالم إلى الإستجابة أو التفاعل مع الدعوة بعد أن عايش الإخفاقات المتلاحقة على كافة الأصعدة، خطوة بخطوة وما يزال.
ومع كل المرارة التي تجرّعها الشعب طوال السنوات، فإن المشهد لم يعد بحاجة إلى تحليلات سياسية أو إلى التذكير من جديد حول أداء الشرعية وتداعيات عاصفة الحزم، أو الذهاب مجدداً إلى إعادة تدوير سرديات ما بعد 2011 أو استنباط الحكمة من البكائية البرلمانية الشهيرة لرئيس وزراء الربيع العربي في جلسة منح الحصانة، أو إلى معالجة فلسفية لارتدادات حوار الشهور العشرة الذي أنتج أقاليم معلقة في الهواء… الخ.
لا يحتاج البتة، لأن كل ذلك أصبح عبئاً ثقيلاً على الذاكرة من فرط التكرار وليس تراثاً ملهماً للراهن السياسي. وإذا كان لابد من التذكير فالأجدر في هذا التوقيت وبعد كل التجارب، أن يكون بمثابة وقفة ساخرة تتأمل المفارقات الكبرى:
كيف أن صنعاء بعد ثورة ،2011 وانتخاب رئيس لمرحلة انتقالية، وأطول حوار تاريخي، و حصانة برلمانية فريدة من نوعها لقيادات سابقة، وانفعالات درامية خالدة في الذاكرة السياسية… بعد كل ذلك سقطت صنعاء بيد جماعة الحوثي.
ثم بعد عاصفة 2015 كيف تحوّلت صنعاء المعزولة المحاصرة والمقصوفة إلى قوة تغلق موانئ تصدير النفط التابعة للشرعية، وتخنق خطوط الملاحة البحرية وتهدد دول الإقليم وتوصّل صواريخها الباليستية حتى البحر المتوسط.
تخيّل، عزيزي المتابع، لو أن العالم قرّر للحظة أن يتخلّى عن لياقته الدبلوماسية ويصرخ في وجه كل القوى الفارة من صنعاء وبالذات قيادة “الشرعية” القديمة والحالية… ماذا سيقول؟