كريتر نت – متابعات
يتجه طلب الصين، الزبون الخاص لشركة أرامكو، على النفط نحو الاستقرار في المستقبل القريب، وهذا إن لم يكن قد استقر بالفعل.
لكن محللين يستبعدون أن يسد الزبائن الآخرون الفجوة التي ستنتج، بل ذلك سيخلف آثارا كبيرة على تدفق إيرادات السعودية حتى قبل انقضاء العقد الحالي.
وترسخ المعطيات والمؤشرات الرسمية الترجيحات بأن الصين ما عادت زبون النفط السعودي الأهم، في ظل مجموعة من العوامل أهمها عدم قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيق أهداف النمو وسط المتغيرات العالمية المتسارعة.
وسبق أن أشار المحلل والدبلوماسي البريطاني السابق أليستر نيوتن في مقالات عديدة، آخرها في 10 يناير الجاري، إلى أن صعود شركة النفط السعودية أرامكو بشأن الطلب المستقبلي على الخام يبقى متجذرا في البتروكيماويات عامة، والطلب الصيني خاصة.
ودقق نيوتن الرئيس التنفيذي لشركة ألفان للاستشارات التجارية المحدودة على أساس هذا في تحليل نشره الصحافي مالكولم مور في صحيفة فاينانشيال تايمز يوم 16 يناير بعنوان “هل بلغت الصين بالفعل إلى ذروة النفط؟”.
وكتب مور في مقدمته أن أمين الناصر، رئيس أرامكو، طالما حظي بعميل خاص واحد، وهو الصين، ثم قدم النقاط البيانية الرئيسية لذلك الوضع.
ومن أبرز الأسباب هو استحواذ الصين خلال العقود الثلاثة الماضية على نصف إجمالي النمو في الطلب العالمي على النفط، حيث اشترت خلال 2022 حوالي برميل واحد من كل ستة براميل تنتجها أرامكو، بقيمة 56 مليار دولار.
والأمر الآخر هو تفوق روسيا على السعودية كأكبر مصدر للصين في عام 2023، وهو تطور من المتوقع أن تعززه الأوضاع الجيوسياسية. ولكن للحفاظ على زبونهم رقم واحد قرر السعوديون إدخال خصم، مرة أخرى، على السعر الذي تدفعه بكين خلال هذا الشهر، سعيا منهم لدعم حصتهم في السوق.
ومع ذلك، شهدت سنة 2024 انخفاض الواردات الصينية النفطية بنسبة اثنين في المئة، أو ما يزيد قليلا عن 240 ألف برميل يوميا ؛ ووصلت إلى 11 مليون برميل يوميا.
وذكرت مؤسسة البترول الوطنية الصينية أن مبيعات وقود (البنزين والديزل) بلغت ذروتها في 2023، وأنها ستتراجع بنسبة بين 25 و40 في المئة خلال العقد المقبل.
وعلاوة على ذلك، استحوذ قطاع البتروكيماويات في الصين على نمو استهلاك النفط على مستوى العالم بين 2019 و2023.
وتعادل واردات الدولة الآسيوية السنوية من البوليمرات استهلاك ألمانيا الكامل للنفط.
وطرحت سينوبك، أكبر شركة تكرير في الصين، الشهر المنقضي توقعاتها لذروة استهلاك الخام حتى عام 2027.
واستنادا إلى ذلك، فإن جميع هذه البيانات تتوافق مع توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تؤكد أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته في موعد لا يتجاوز 2030.
ويقول نيوتن في تقرير نشرته منصة دايجست مؤخرا إنه من العادل أن “نذكّر بأن أمين الناصر لم يكن الوحيد الذي يرى أن الاقتصاد الصيني لا يتباطأ.”
وذكرت بيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي الرسمية لسنة 2024 الصادرة الأسبوع الماضي أن اقتصاد الصين حقق هدف النمو البالغ 5 في المئة.
لكن المحلل جو ليهي كتب في تقرير نشرته فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي أن “الاقتصاديين وحتى كبار المسؤولين، يشككون كثيرا في دقة بيانات الناتج المحلي الإجمالي الصينية التي تحقق دائما، وبدقة بالغة، الأهداف الحكومية السنوية.”
وارتفعت هذه الشكوك مؤخرا مع تواصل التضخم الضعيف والمتواصل لأسعار الاستهلاك والنمو السلبي للإنتاج تزامنا مع الركود العقاري الذي استمر ثلاث سنوات والذي قد ينخفض هذا العام.
وتبدو مجموعة روديوم البحثية المستقلة على الجانب المحق بتوقعها أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة تتراوح من 2.4 إلى 2.8 في المئة خلال 2024.
وقد يصل النمو إلى 3 في المئة أو حتى 4.5 في المئة.
ويستبعد نيوتن أن تبلغ الصين النسبة القصوى المذكورة إلا إذا “سار كل شيء لصالح بكين.”
ويتطابق هذا مع توقعات البنك الدولي التي حفزت الارتفاع الأول في سعر خام برنت في نهاية السنة الماضية.
وقال إنه “من غير الواقعي أن يصب كل شيء في مصلحة بكين، حتى لو لم نحتسب تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعريفات الجمركية ضمن المشاكل المحتملة.”
ونشرت محطة بي.بي.سي في 17 يناير تقريرا لسورانجانا تيواري، مراسلة شؤون الأعمال في آسيا، حددت فيه ثلاثة أسباب قوية لتوخي الحذر.
وأشارت إلى أنه على نموذج النمو الصيني القائم على التصدير أن يواجه بالفعل التعريفات الجمركية المتصاعدة من مجموعة من البلدان من ضمنها الأسواق الناشئة التي تتجه إليها بكين بدلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وذكرت أن الإنفاق الاستهلاكي لا يزال محبطا، حيث يمثل 29 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الثلاثية الرابعة من سنة 2024 مقارنة بنحو 59 في المئة قبل الجائحة.
ولا توجد أيّ دلالة على الانتعاش رغم إدخال برامج إضافية للتجارة.
عوامل مؤثرة في خارطة الاستهلاك والطلب والإنتاج
• روسيا تفوقت على السعودية كأكبر مصدر للصين في عام 2023
• الخصومات السعودية لسعر خامها كانت محاولة لدعم حصتها
• أنخفضت في 2024 الواردات الصينية النفطية باثنين في المئة
• أحتمال تراجع مبيعات الوقود في الصين بنسبة 25 و40 في المئة
والسبب الثالث الذي ساقته تيواري في تقريرها هو مسألة ابتعاد المستثمرين الأجانب، المباشرين وغيرهم، عن الصين بشكل متزايد.
وأكدت أن المصنعين سيتعرضون “لضربة” إضافية خلال 2025 بسبب رفعهم نسق الصادرات في نهاية السنة الماضية في محاولة منهم لاستباق تطبيق تعريفات ترامب، مما رفع الفائض التجاري الصيني مع العالم إلى حوالي تريليون دولار في 2024.
أما بالنسبة إلى البتروكيماويات، فإن توقعات الناصر تتفق مع ما تذهب إليه وكالة الطاقة الدولية في ما يتعلق بتواصل تنامي طلب الصين على النفط الذي سيثقله، في رأيها، انخفاض استخدام النقل البري للنفط.
ويقول نيوتن إن المركبات الكهربائية والهجينة المدعومة بمخططات الاستبدال قد تشكل أكثر من 50 في المئة من سوق السيارات الجديدة هذا العام، حيث يستمر انكماش الطلب على تلك التي تعمل بالبنزين والديزل بحوالي 20 في المئة سنويا.
وفي خضم ذلك، تدرك أوبك بالتأكيد كل العوامل التي تحدثنا عنها.
ويبدو أنها تواصل تعليق آمالها السابقة على نطاق أوسع بشكل متزايد.
لكن، وكما كتب مور، “لن يقترب الطلب المتزايد في الأسواق الناشئة من ذلك الذي شهدته الصين خلال العقود الماضية.”
وبينما يبقى من المرجّح رؤية نمو في أماكن أخرى في جنوب شرق آسيا، تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن أداء هذه الاقتصادات سيتأثر إذا استمر التباطؤ الاقتصادي في الصين.
كما ينمو استهلاك النفط في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط.
لكنه لا يزال جزءا من نمو الصين من حيث القيمة المطلقة.
ويبقى استخدام النفط في أميركا اللاتينية في الأساس (…) مستقرا.
وقال نيوتن “باختصار، ستسبب نهاية الطفرة النفطية في الصين تحولا تكتونيا من المستبعد إمكانية عكسه.”
وأضاف يبدو في الحقيقة أننا في نقطة انعطاف تشهدها السعودية وغيرها من الاقتصادات المعتمدة على النفط وتتمحور حول الصين.”
ولخص كيران هيلي من وكالة الطاقة الدولية ذلك بإشارته إلى أنه ربما لا يزال استخراج الوقود الأحفوري مربحا للسعوديين، لكنهم سيشهدون انخفاضا كبيرا في دخلهم الإجمالي. وسيخلّف ذلك تداعيات هائلة بسبب درجة اعتمادهم على صادرات النفط والغاز.