كريتر نت – متابعات
الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروف بدعمه لإسرائيل يعتقد أن الوقت مناسب للسلام وتوسيع دائرة التطبيع، وهو وضع يؤمّن مصالح واشنطن، لكن نتنياهو سيجد نفسه في موقف صعب في حال قرر تعطيل اتفاق غزة والعودة إلى الحرب للحفاظ على تحالفه الحكومي.
وفي اليوم الأول لبدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان الملايين من الإسرائيليين يحبسون أنفاسهم انتظارا لبدء إطلاق سراح المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية مقابل تحرير الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، في حين كانت الحسابات السياسية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتزايد تعقيدا.
فمع الساعات الأولى من ذلك اليوم استقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير احتجاجا على الاتفاق، وهدد وزير المالية المتطرف بتسائيل سموتريتش بالاستقالة إذا مضى نتنياهو في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق التي تحل بعد 42 يوما من بدء تنفيذ المرحلة الأولى، في حين أن التراجع عن الاتفاق قد يضعه في مواجهة مباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو ما يعني أن رئيس وزراء إسرائيل سيجد نفسه أمام خيارين كلاهما مر.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني قالت كسينيا سفيتلوفا الباحثة الزميلة لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد إن الوضع الراهن في إسرائيل هو نتيجة لتحول مثير للسخرية لم يكن بوسع الكثيرين توقعه. فقد برز الرئيس الأميركي دونالد ترامب كمدافع قوي عن السلام في غزة. ومن خلال مبعوثه ستيف ويتكوف، ضغط ترامب بقوة على نتنياهو لقبول الصفقة الحالية.
وأضافت أن هذا الموقف خلق وضعا سياسيا سرياليا تقريبا حيث بدأت وسائل الإعلام المؤيدة لنتنياهو، وخاصة القناة 14 الإسرائيلية تعبر عن الحنين إلى عهد الرئيس السابق جو بايدن، حيث اعتبرت أن نهج ترامب الحازم يمثل تهديدا محتملا لبقاء نتنياهو السياسي نفسه.
وترى كسينيا سفيتلوفا السياسية والأستاذ المساعد في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة إن دوافع ترامب واضحة وعملية بشكل حاسم، حيث تتركز رؤيته للشرق الأوسط على هدفين إستراتيجيين رئيسيين، هما تأمين صفقة شاملة مع المملكة العربية السعودية، على أساس ما يعرف باتفاقات السلام الإبراهيمي التي وقعتها عدة دول عربية منها الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل في ولايته الأولى، وإنشاء خط أنابيب للنقل الغاز الطبيعي القطري إلى أوروبا عبر سوريا.
وستشمل الصفقة السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى اتفاقية دفاع بين الرياض وواشنطن من شأنها ضخ أموال كثيرة في الاقتصاد الأميركي، في حين تعهدت المملكة بالفعل خلال الأيام الماضية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى أربع سنوات.
وفي الوقت نفسه يمكن لمشروع خط الغاز القطري توفير مصدر بديل للغاز الطبيعي لأوروبا بعيدا عن الغاز الروسي، مع خلق فرص اقتصادية تساعد في ربط دول الخليج ومنطقة الشام معا.
ويعتبر الهدفان نوعا من الإنجازات الاقتصادية الكبرى التي يأمل ترامب في عرضها في إدارته الجديدة، ولكنهما يتطلبان الاستقرار الإقليمي ولا يمكن أن يتحققا مع استمرار الحرب في قطاع غزة، وهو ما يعني صداما مباشرا بين رؤية ترامب ورؤية نتنياهو التي تستند إلى ضرورة المحافظة على ائتلافه اليميني الحاكم وتجنب الانتخابات المبكرة مهما كان الثمن.
في الوقت نفسه تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية ساحقة من الإسرائيليين تؤيد اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يؤيده 72 في المئة منهم في حين يؤيد 69 في المئة منهم إجراء انتخابات مكبرة في اليوم التالي لانتهاء الحرب، وهو ما يخشاه نتنياهو، في ظل تدهور شعبية حزبه الليكود وتحالفه الحاكم ككل. وإذا كان انسحاب بن غفير قد أضعف الحكومة الائتلافية، فإن انسحاب سموتريتش منها سيؤدي إلى انهيارها والدعوة لانتخابات مبكرة.
معنى هذا أن رغبة ترامب في السلام والاستقرار لتحقيق أهدافه الإقليمية تضع نتنياهو في موقف متزايد الصعوبة. فهو يحتاج إلى استمرار التوتر حتى يبرر بقاء حكومته الائتلافية ويؤخر الانتخابات.
وعلى نتنياهو إما أن يغامر ببقاء ائتلافه الحاكم بالمضي قدما في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ليضع مصيره في يد الناخب الإسرائيلي، أو يرفض تطبيق المرحلة الثانية ويتحدى آمال ترامب فيخاطر بالدعم الأميركي لإسرائيل في هذا التوقيت الحرج.
وربما يأمل نتنياهو في إيجاد طريق ثالث يجنبه هذين الخيارين شديدي الصعوبة. وهذا يعني محاولة عرقلة إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق وخلق عقبات جديدة مرتبطة بالجوانب الأمنية.
لكن ورغم أن هذا التكتيك يمكن أن يمنحه بعض الوقت، فإنه سيضطر في النهاية إلى مواجهة القرار الصعب، إما المضي في المرحلة الثانية من الاتفاق وإرضاء ترامب أو إحباط العملية لصالح رضا حلفائه اليمينيين المتطرفين.
ومن المحتمل انهيار اتفاق وقف إطلاق النار لأسباب أخرى، وما يمكن أن يفيد نتنياهو باستمرار هو حالة الطوارئ التي تعيشها إسرائيل.
على سبيل المثال لا يمكن استبعاد وقوع هجوم مسلح فلسطيني كبير داخل إسرائيل. وكذلك تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة حيث يعيث فيها المستوطنون المتطرفون فسادا، ويحرقون القرى الفلسطينية، على حد قول الكاتبة والسياسية الإسرائيلية كسينيا سفيتلوفا، في الوقت الذي ينفذ فيه الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية كبيرة باسم السور الحديدي في مخيم ومدينة جنين شمال الضفة الغربية. كما يمكن أن تتصرف حركة حماس بطريقة تمنح نتنياهو الوقت، من خلال التحرك مثلا لإسقاط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإشعال انتفاضة جديدة هناك.
ومع تقدم المرحلة الأولى، ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة. فبالنسبة إلى نتنياهو شخصيا، قد يبدو أن تمديد الحرب أفضل من مواجهة الناخبين. لكن هذه الإستراتيجية تواجه الآن عقبة كبيرة تتمثل في ترامب. فمنذ بدء الحرب، تجاهل نتنياهو بثقة نصائح وتوجيهات بايدن، مما عزز مكانته بين قاعدته الانتخابية المتطرفة دون عواقب كبيرة من واشنطن.
لكن نهجه في التعامل مع ترامب سيكون أكثر حذرا. فشعبية ترامب في إسرائيل، وأسلوبه المباشر والقوي في العلاقات الدولية تفرض ديناميكية صعبة في التعامل معه. لذلك فالدخول في تحد صريح للرئيس الأميركي الجديد يمكن أن ينطوي على مخاطر أكبر بالنسبة إلى نتنياهو.
كما لا يمكن تجاهل أن الشركاء الإقليميين لإسرائيل والولايات المتحدة يعملون بجد لضمان التطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار. لكن استئناف الحرب والتراجع عن الاتفاق لن يكونا مقبولين لدى العواصم العربية التي قد تواجه اضطرابات داخلية في حال تجدد العدوان على غزة.
لذلك فإن نتنياهو وتحالفه بمفردهما في معسكر الحرب، في حين أن ترامب والسلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة والكثيرين من المواطنين الإسرائيليين يقفون في المعسكر المقابل.
ولضمان التطبيق الناجح للاتفاق يحتاج الرئيس ترامب إلى مواصلة انخراطه المباشر في العملية. فنهجه الصارم مطلوب لدفع الاتفاق نحو الأمام.
كما أنه يمكن للدول العربية استغلال علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل ضمان نهج أكثر توازنا يحقق مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين. ويمكن أن يتضمن تحرك الدول العربية إطلاق مبادرات لدعم التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي على نطاق واسع، مع تبني حل عادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
هذا المزيج من التحركات والضغوط يمكن أن يجعل من الصعب على نتنياهو تجنب تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق والعودة إلى حرب بلا نهاية.