كتب .. المحامي/جسار فاروق مكاوي
في ثقافتنا الشعبية، اعتدنا أن نذرّ الحرمل ونبخر به لطرد “العين” و”الشر” و”الطاقة السلبية”. نمارس ذلك وكأننا نحاول استعادة التوازن في بيت مختل، أو دفع أذى خفي لا نراه ولكننا نشعر بثقله.
أما في مفاهيم الدولة والمجتمع، فإن ما يوازي “الحرمل” ليس سوى المواطنة. المواطنة ليست مجرد حمل بطاقة تعريف أو جواز سفر، بل هي حالة وعي وحق وواجب. هي الاعتراف المتبادل بين الفرد والدولة: أنا أنتمي إليك، وأنتِ تحمينني وتمنحيني حقوقي كاملة، دون منّة أو تمييز.
لكن في كثير من الدول، تُمارس المواطنة كما لو أنها طقس “الحرمل”: لا يضمن الحماية، ولا يمنع الأذى، بل يُستخدم لتجميل مشهد هش، وكأن الشعوب تطرد الخيبة بالبخور.
في الولايات المتحدة، مثلًا، الجنوبي الذي نال جنسيتها لا يُعتبر “وافدًا” أو “جالية” بقدر ما هو مواطن أصيل، له صوته في الانتخابات، وحقه في الحياة الكريمة، ومسؤوليته في صنع القرار. أما في أوطانٍ أخرى، فالمواطن قد يُختزل إلى مجرد رقم في السجلات، تُستدعى وطنيته عند الحرب، وتُنسى حقوقه عند السلم.
فهل نكتفي بالحرمل؟ أم نعيد بناء العلاقة على أساس المواطنة الحقة، التي تُفعل الحقوق ولا تذرّها كالدخان في الريح؟