اهرامات الجيزة وكنوز المتحف والفرعون الذي اغضب صديقي السلفي
كتب : محمد علي محسن
في هذه الحلقة أكتب عن زيارتي للأهرامات في الجيزة ، وكذا المتحف المصري في التحرير . الوقت الذي قررت فيه زيارة أهرامات الفراعنة صادف انه اليوم الاول للانتخابات الرئاسية المصرية ، شاهدت صور الرئيس الحالي المشير عبد الفتاح السيسي ، منتصبة في واجهات الشوارع والمباني ، وبالطبع سيكون لتلك الانتخابات حديثًا في تناولات قابلة .
المهم أخذنا الرجل الطيب ، عمر المصري ، بسيارته من أول شارع الفيصل إلى بوابة الأهرامات، شارع وحيد ، ومع ذلك يستنزف منك معظم وقت الرحلة ، فقرابة اربعين دقيقة وانت وسط بنيان من الأسمنت المصفوف من الجهتين ، وبشكل عمودي متناسق في تشييده وطلائه .
والجيزة المحافظة ، احدى المحافظات الثلاث المكونة للقاهرة الكبرى ، الى جانب القليوبية والقاهرة ، أمَّا تسميته بالفيصل فنسبة للملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية ، ويقع بموازاة شارع الهرم ، وقد توسع الحي بشكل كبير فأصبح من أكبر الأحياء السكنية وأكثرها كثافة سكانية .
فلم يعد الفيصل بشارع أو حي سكني ، فحسب ، وانما هو مدينة كثيفة السكان والاحياء والبنيان فشارعه الرئيس يمتد من شرق إلى غرب الجيزة . وحدثني المصري ان هذا الازدهار العمراني أقيم على مساحة كانت عبارة عن ترعة متفرعة من النيل ، وظلت زمنًا طويلًا بقعة وحلة تتجمع بها المياه الآسنة الى جانب الأعشاب والمزروعات النامية .
توقفت السيارة على مسافة من أول حاجز اقامه الأمن المصري ، شاهدت ولأول لحظة في حياتي هرم ” خوفو” منتصبًا بزهو وتحدي بجواري ” خفرع ” و ” منقرع ” وفي مكان قفر مُسيَّج بالرمال وعنان الفضاء ، وقفت مذهولًا ازاء عظمة احدى عجائب الدنيا القديمة ، وتساءلت في خالجي : هل الفراعنة ارادوا بلوغ السماء أم أنهم فقط ارادوها اضرحة لحفظ موتاهم ومكنوزاتهم الثمينة ؟ .
أصدقكم ان التعب زال ، والقلب أخذ يخفق وبلهفة وحيوية ايقظت كل ما هجع في ذاكرتي البعيدة ، فبرغم ان ذينك النهار كان مشمسًا وحارًا إلَّا ان رؤية الأهرامات بالعين جعلني اقطع المسافة الفاصلة بروح شاب عشريني . كما ان مشاهدة كهلة أوروبا وامريكا واسيا وهم يجرون بخفة ورشاقة اغاضتني واحرجتني أمام زوجتي ، فما كان من العبد الفقير غير مجاراتهم وبعناد احمق كاد ان يوقف شهيق رئتي المعتلة أصلًا .
تنفست الصعداء حين بلغت بوابة الدخول ، وبينما كنت أقف وسط فوج سياحي اجنبي أشار إلي ضابط أمن مصري قائلًا بلهجته المحببة : أبو يمن ، انت والمدام بتاعك طلعا ” الباسبور ” وأذهبا الشباك المخصص للأخوة العرب ” .
ولكم سررت ان للهوية العربية ميزة واستثناء ؟ فيكفي انني وزوجتي عوملنا كأي مواطن مصري ، سلَّمنا الجوازين وقيمة تذكرتي دخول بسعر اقل ما يدفعه الأجنبي ، وهذه وحدها مدعاة للفخر والبهجة والامتنان للشعب المصري الكريم ، ولدولته العظيمة التي لا تمايزك عن أهلها مهما كانت احوالهم وظروفهم .
دلفنا للساحة بعد اجراءات تفتيش روتينية ، وطبعًا ، لم أغفل تحذيرات اصدقائي المصريين او اليمنيين الذين ركبوا ” الحنطور ” – حصان يجر عربة كتلك المشاهدة في افلام زمان – ليكتشفوا في نهاية الجولة أنهم دفعوا اجرة تزيد ضعفًا عن رحلة طيران بين باريس وبروكسيل ” 50 دولار ” .
ولا اعلم لماذا الأشقاء في السياحة المصرية غافلون عن المسألة ؟ فلابد من ضابط سعري يلتزم بها ملاك الحناطير ، وكذلك ينبغي تنظيم الارشاد السياحي ، وفي صورة معبرة ودالة عن حضارة المصريين . فلم اقبل دفع 400جنيه لجولة بالحنطور ؛ فنزلت ، وعادني حنقت من المرشد وصديقه مالك الحنطور ، فكيف اذا ما قلت لكم ان هناك من دفع 1500-1800جنيه نظير لفة في الرمال ؟.
ويعتبر هرم خوفو واحدًا من عجائب الدنيا السبع ، ويصل ارتفاعه في الوقت الحاضر نحو 138 مترًا ، بينما كان قبل ان تنال منه عوامل الطبيعة نحو 146 مترًا ، فيما طول ضلع قاعدته نحو 230 مترًا ، ما يعني انه ظل طوال حقبة ثلاثة الاف عام أعلى مبنى على ظهر البسيطة ، وإلى أن برزت للوجود كاتدرائية ” لينكولن ” في انجلترا ، خلال القرن الرابع ، ومن ثم برج ” إيفل ” في باريس بفرنسا .
ليشهد العالم بعدئذ سباقًا محمومًا على تشييد الابراج المطاولة للفضاء ، خاصة في القرنين العشرين والحادي والعشرين .وأيًا كان ما حدث في باريس أو دبي او نيويورك أو لندن أو طوكيو أو كولالمبور، فلا مقاربة تاريخية بين أبراج هذه المدن وبين أهرامات الجيزة الموغلة في الأزل ، فيكفي القول هنا ان الهرم الاكبر ” خوفو ” قيل ببنائه بين عامي 2850-2560قبل الميلاد ، وهناك من يشير إلى ان بناء الاهرامات الثلاثة وابو الهول بين عامي 2589-2504ق .م .
والهرم الاكبر يغطي مساحة 13 فدانًا ، وأخذ وقت بنائه تقريبًا عشرة الى عشرين عامًا ، بحيث خصص ليكون مقبرة للملك خوفو ، الملك الفرعوني الثاني ،سليل الاسرة الرابعة ، واستخدم البناه ما يقارب 2.3مليون حجر تراوحت اوزانها بين 2.500-15.000كيلو غرام .
امَّا سبب بناء هرم خوفو فقيل ليكون مقبرة للملك ذاته الذي عُثر بجوار جثمانه على كل الكنوز الثمينة التي دفنت معه اعتقادًا من المصريين القدماء بحياة الخلود .
ومازالت طريقة رفع تلك الكتل الصخرية واحدة من الألغاز المحيرة للعقل البشري ، فبرغم قراءتي لعديد من تفسيرات علماء الانثروبولوجيا والهندسة المعمارية ، إلَّا ان معظم ما قيل لم يصل لحد الاستنتاج القطعي ، اذ عُدِّت نتائجهم مجرد نظريات مختلفة سرعان ما تم دحضها وابطالها .
فليس هنالك وحتى اللحظة الراهنة ثمة بحث علمي نهائي يحسم مسألة الخلاف حول الكيفية التي بنيت به أهرامات الجيزة ، وصولًا إلى رفع الكتل الصخرية الضخمة إلى ذرى الأهرامات ، فكل ما قيل عن سلالم او زلاجات خشبية أو الماء أو الرمال لنقل الكتل الصخرية الضخمة إلى أعلى الأهرامات لا تعدو عن كونها تفسيرات نظرية .
وأول ما لفت نظري هو رؤية السياح يعتلون الجزء الأسفل لهرم خوفو من الجهة المقابلة لبوابة الدخول ، فلم يزول فضولي إلَّا حين اقتربت منهم ،فلقد أدركت أنهم يقفون على عتبة بوابة الهرم بانتظار السماح لهم للدخول في قلب الهرم .
والبوابة ارتفاعها نحو 18 مترًا ،وتصل عبر ممر داخلي منحدر مشقوق من الصخر وتؤدي الى اسفل الارض حيث غرفة الملكة الواقعة في الداخل . ويمكن للزائر استخدام ممرًا صاعدًا مائلًا طوله نحو 46مترًا ، ومن ثم ممر ضيق يؤدي به الى غرفة الملك أو غرفة الدفن المكسوة بالجرانيت ، والغرفة فوقها خمس حجرات يفصلها عن بعضها الواحًا من الجرانيت ، ومنها يوجد منفذان ضيقان لا يعرفان غرضهما ، فرأي يقول انهما للتهوية ، فيما اخر يشير لغرض اخر .
ويوجد داخل الهرم الأكبر ثلاث غرف رئيسية ، هي غرفة الملك ، وغرفة الملكة ، وصالة العرض الكبرى ، بينما الانفاق الصغيرة واسطوانات الهواء تصل ما بين الغرف وخارج الهرم الاكبر . وغرفة الملك هي أعلى نقطة في الهرم من جميع الجهات ، وتحتوي على تابوت واسع من الجرانيت . وصالة العرض الكبرى هي ممر واسع يصل طوله الى 46 مترًا وعرض 2 مترًا وارتفاع ما يقرب من 9 امتار .
والهرم الأكبر محاط بثلاثة اهرامات اصغر منه حجمًا ، وقيل أنها تعود الى زوجات الملك خوفو ، الى جانب معبدين والعديد من المقابر الفرعونية ، فهناك هرما ” خفرع ” و” منقرع ” ، والاول بناه ابن خوفو الملك خفرع ، ويصل ارتفاعه الى حوالي 143 مترًا اي اقصر بحوالي 3 امتار عن الهرم الاكبر – من دون معرفة مقدار ما فقده نتيجة لعامل الطبيعة – ، امَّا منقرع فهو حفيد الملك خوفو ، وكان يصل ارتفاع هرمه عند بنائه حوالي 65 مترًا ، ويعد اصغر الاهرامات الثلاثة .
للأسف حرارة الشمس كانت أشد وطأة وقسوة ،فلم تدم رحلتي لأهرامات الجيزة غير ساعتي زمن ، رأيت فيها اهرامات ” خوفو ” و ” خفرع ” و ” منقرع ” و ” ابو الهول ” المخلوق الاسطوري المتجسد بجسم أسد ورأس إنسان . تمثال عظيم يبلغ ارتفاعه 74 مترًا ، ونُحت من الحجر الكلسي ، ويعود عمره لنحو 3400 عامًا ، وقيل ان كلمة أبو الهول تعني في اليونانية ” خانق ” . وكان نابليون بونابرت اراد النيل منه بقذائف مدفعيته ، لكنه بالكاد جرح أنفه ، إذ ظل ابو الهول صامدًا متحديًا جحافل الغزاة الفرنسيين .
وقدر لي الهبوط في مدفن قيل بانه لأم الفرعون ، وانصح من يعاني ضيف النفس أو الربو لأن يتحاشاه خاصة وانه بات فارغًا من محتواه الذي تم نقله للمتحف المصري .
المتحف المصري ..
صباح اليوم التالي ، زرت المتحف المصري ، ويقع في قلب مدينة القاهرة ، بمحاذاة ميدان التحرير من ناحية الشمال ، ووصلته باستخدام مترو الأنفاق وهي الوسيلة الأسهل والأرخص ، إذ يؤخذك لمحطة السادات ، وعند خروجك منها تجده على يمناك مباشرة ، والمتحف تفتح أبوابه يوميًا من التاسعة صباحًا وحتى السابعة مساءًا ، ويوم الجمعة من التاسعة وحتى الحادية عشرة صباحًا ، ومن الواحدة والنصف ظهرًا إلى السابعة مساءًا .
والناظر في واجهة المتحف المصري من الفناء الخارجي ليس بحاجة لاكتشاف مدى تأثره بفن العمارة الكلاسيكية اليونانية . فلم يحوي أي تأثيرات للفن المصري القديم أو المعابد المصرية القديمة سواء في تصميم حجراته أو في تصميم قاعاته الداخلية .
ومثل كل مرة وجدتني ابتاع تذكرة دخول ب ” 20 ” جنيهًا ،كأي مواطن مصري واقل بضعفين عن السائح الأجنبي ، وقبل دخول البوابة الرئيسة اعتقدت انه سيكون أقل شأنًا من أي متحف في فرنسا أو إيطاليا أو روسيا ، وهذا الاعتقاد الخاطئ مرده الصورة السلبية في ذهني عن العرب واهتماماتهم المحدودة والهامشية ناحية تراثهم وآثارهم ، وليس ببعيد ما حدث لمتحف مدينة الموصل العراقية من تخريب وتدمير ونهب على أيدي عناصر داعشية ضآلة ومنحرفة .
لقد أخذت تلك العناصر تُهلَّل وتُكبَّر مع تكسير وتفجير موروثًا يمتد لخمسة ألف عام أو يزيد ، ودونما يرف لها جفنًا أو يوخزها ضميرًا بكون فعلها الفج والهمجي إنَّما طال كنوزًا وثروة لا صلة له البتة بالإسلام أو المسلمين الذين يُفرِّقون بين هُبل واللات والعزى ومناة التي كانت تُعبد في زمن الجاهلية وبين نظيراتها في الزمن الحاضر وصارت أرثًا وتاريخًا وسياحة واقتصادًا وذهبًا يدر على الدول مليارات الدولارات سنويًا .
لكنَّني وما أن دلفت عتبة الباب الرئيس حتى شردت تلكم النظرة المتشائمة عن حال العرب وتراثهم المستباح قرونًا ، وباختصار ذُهلت ممَّا رأيته في القاعة الكبرى ، من آثار فرعونية ضاق بها المكان ، فبرغم ضيق الحيز تم استغلاله وبشكل بديع ، تنظيمًا وتوصيفًا ،فكل تلك المحتويات تم عرضها للزائر وبترتيب وذوق جمالي يخطف البصر .
وقد صُنِّفت الآثار بالمتحف حسب موضوعاتها ، إلَّا أنه ولأسباب تتعلق بهيكلية المبنى وضعت التماثيل الضخمة في الدور الأرضي ، في حين وضعت الخبايا الجنائزية المكتشفة ذات الاحمال الخفيفة في الدور الأول تبعًا لتسلسلها التاريخي . ومع كثافة الآثار المتكدسة في جنبات ورفوف وزوايا وردهات المكان ، إلَّا أن الزائر لا يشعر بالملل أو التعب ، بل وعلى العكس يجد متعته ويشبع فضوله في هذه الكنوز الكثيفة والقريبة من عيني الزائر .
وما ادهشني حقًا ، هو القاعات الداخلية الفسيحة ، والجدران العالية ، وكيفية ترتيب معروضات المتحف بناءً على تسلسلها في المعابد الفرعونية .علاوة عن ان التصميم روعي فيه دخول الضوء الطبيعي من خلال ألواح الزجاج على السقف ومن النوافذ الموجودة بالدور الأرضي .
وأجزم ان العقلية المصرية لديها ما هو أجمل وافضل لولا ان مساحة المتحف الضيقة حالت دون رؤية تلك الأفكار وهي متجسدة في الواقع المشاهد . ومثلما كان حضور السائح الأجنبي طاغيًا في هضبة الجيزة ، الحال يتكرر في متحف التحرير ، فباستثناء تلاميذ مدرسة مصرية ، كان السائح الأجنبي أكثر حضورًا واهتمامًا وشغفًا منا العرب ، بما فيهم اهل البلد ، ولكم سررت بتلك الأفواج الآتية من اصقاع شتى ؟ .
لغات المرشدين المصريين شنفت لها أذني ، الصينية ، واليابانية ، والايطالية ، والفرنسية والانكليزية ، واليونانية ، والكورية . أخذت التقط صورًا بهاتفي وبنهم وولع شديدين ، فباستثناء قاعة المومياءات الكائنة في زاوية من الدور الثاني ويتم اخذ 40 جنيهًا لدخولها ؛ يمكنك تصوير ما يحلو لك ، وهذه مبادرة جميلة لا يدركها غير من جاؤوا في الحقبة المنصرمة ،فوقتها كان التصوير ممنوعًا ، نظرًا لتسبب اضاءة الكاميرات على ألوان الآثار الصغيرة .
وكان سُمح للمصريين والاجانب التصوير نظير دفع 50 جنيهًا ، باستثناء ما اشرنا إليه أنفًا ، وفي بعض الأحيان يسمح بالتصوير المجاني لعدة أيام محددة مسبقًا ، بهدف تشجيع السياحة ورفع نسبة الإقبال على زيارة المتحف . كما يمكن تأجير جهاز المرشد الإلكتروني من داخل المتحف ، لشرح كل المعلومات عن الآثار المعروضة وذلك مقابل 25 جنيهًا .
واثناء تجوالي في القاعتين الكبيرتين شاهدت ما لم اشاهده في متحف عالمي شهير ك” ارميتاج ” في عاصمة القيصر ” بطرسبورغ ” في روسيا . صحيح ان المتحف الروسي عظيم في ضخامة بنيانه ، وسعة ادواره ، وترف مقتنياته ، وابهة الوانه ؛ لكن هذه الميزات لا تجعله ندًا للمتحف المصري المتواضع في هيكله ونسقه ، فكثافة مقتنيات الأخير ونوعيتها وتواريخها وندرتها وفرادتها كفيلة لأن تمنحه العظمة والفخامة والتمايز .
ومن سوء حظي ان زيارتي تزامنت بعيد نقل عدد من القطع الاثرية المهمة ، فتمثال الملك رمسيس الثاني قيل بنقله في اغسطس 2006م من بهو المتحف المصري إلى مخازن الرماية بمنطقة الجيزة ، تمهيدًا لنقله وعرضه في المتحف الكبير المزمع افتتاحه العام الحالي 2020م .
سيلفي لسلفي من جوار فرعون
ومن الصُدف ان صديقًا سلفيًا هاتفني ليطمئن عن حالي ويسألني عن مكاني ؛ فقلت له ضاحكًا ومشاغبًا : بخير يا صاحب ، واعلمك انني الآن بجوار فرعون مصر ، حسبها مزحة ، فقمت وبعثت له ب ” الواتس ” لسيلفي لي بجوار احد التماثيل الفرعونية الكبيرة ، فرد حانقًا : أعوذ بالله منك ، ومن شيطانك الرجيم ” فرعون ” .
صاحبي ومثله كُثر من السلفيين الطيبين في توادهم لا يختلفون من جهة نظرتهم للآثار عن جماعات القاعدة أو داعش أو طالبان الجماعة التي استولت على افغانستان عام 1994م وأول شيء فعلته هو تفجير منحوتات صخرية بوذية تعد من التراث العالمي .
ورغم صيحات العالم واستهجانه اعتبرتها اصنامًا وثنية وينبغي نسفها ومحوها من الوجود ، ولكأنما افغانستان وبعدها الموصل دخلتا الإسلام على يدي الملأ محمد عمر والخليفة ابو بكر البغدادي ، والجماعتان تنهلان من ذات النبع السلفي الوهابي الذي عانت منه مصر وشقيقاتها ومنها اليمن التي تعرضت لموجة تدمير شامل فلم يسلم منها حتى ضروح ومقامات الموتى .
أهم الآثار والعصور :
ويضم المتحف المقام فوق مساحة 28ألف متر مربع قطعًا أثرية نادرة تقدر بنحو 160 ألفًا – 200 ألفًا قطعة أثرية توثق لعصور مختلفة من الحضارة الفرعونية ، منها مجموعة ” توت عنخ آمون ” التي هي عبارة عن كرسي عرش عصور ما قبل التاريخ ، وتتضمن أنواعًا مختلفة من الفخار ، وادوات الصيد والزينة ، الى جانب مقتنيات الحياة اليومية المصرية ، ومراحل تطورها التاريخي قبيل معرفة المصري الكتابة والاستقرار في مكان واحد .
اما عصر التأسيس فتشمل اثار الأسرتان الاولى والثانية ، مثل صلاية نعرمر ، وتمثال خع سخموي ، اضافة الى اواني وادوات حياتية يومية استخدمها المصري القديم . اما عصر الدولة القديمة فتتضمن مجموعة من القطع الاثرية من اهمها تماثيل ” زوسر ” و ” خفرع ” و ” منكاورع ” و ” شيخ البلد ” و ” القزم سنب ” و ” بيي الأول ” و ” ابنه مري أن رع ” ، ناهيك عن توابيت وتماثيل للأفراد والصور الجدارية ومجموعة الملكة ” حتب حرس ” .
اما عصر الدولة الوسطى فتضم تلك المجموعة العديد من القطع الأثرية من أهمها تمثال الملك ” منتوحب الثاني ” ، ومجموعة تماثيل بعض ملوك الأسرة 12 مثل ” سنوسرت الأول ” و ” أمنمحات الثالث ” وغيرهما ، والعديد من تماثيل الأفراد والتوابيت والحلي وأدوات الحياة اليومية، وهريمات بعض أهرام الفيوم.
عصر الدولة الحديثة : هي المجموعة الأشهر بالمتحف وعلى رأسها مجموعة الفرعون الصغير” توت عنخ آمون ” وتماثيل ” حتشبسوت ” و ” تحتمس الثالث ” و ” رمسيس الثاني ” الذي اشرنا بنقله من المتحف ، بالإضافة إلى العجلات الحربية والبرديات والحلي ومجموعة ” إخناتون ” و ” لوحة إسرائيل ” وتمثالي ” أمنحتب الثالث وزوجته تي ” ومجموعة التمائم وأدوات الكتابة والزراعة ، ثم مجموعة المومياوات الملكية التي تعرض في قاعة خاصة بها والتي افتتحت عام 1994.
العصور المتأخرة : وتضم المجموعة قطع أثرية متنوعة من بينها كنوز ” تانيس ” المصنوعة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة والتي عثر عليها في مقابر بعض ملوك وملكات الأسرتين 21، 22 في صان الحجر، بالإضافة إلى بعض التماثيل الهامة مثل تمثال ” آمون ” و ” منتومحات ” وتمثال للإلهه ” تاورت ” و ” لوحة قرار كانوب (أبو قير)” و ” لوحة ” بعنخي ” ومجموعة من آثار النوبة التي نقل بعضها إلى متحف النوبة بأسوان.
مراحل تطور المتحف المصري :
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن تشييد المتحف يرجع إلى الفاتح من ابريل عام 1897م وهو تاريخ وضع حجر الاساس ، بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني رئيس مجلس النظار ” الوزراء حاليًا ” واعضاء وزارته ، فيما تم الانتهاء من اقامة مشروع المتحف على يد الألماني ” هرمان جرابو “.
وتنافس على تشييده ثلاثة وسبعون مشروع تصميم ، وفي النهاية اختير تصميم المهندس المعماري الفرنسي ” مارسيل دورنون ” الذي تمايز تصميمه بكونه عملًا إبداعيًا ، ليكون أول متحف في العالم شُيِّد ليكون متحفًا ،إذ استعملت أساليب التشييد والبناء ، وطبقت وسائل العرض الحديثة خلال تلك الفترة.
وكانت مصلحة الآثار المصرية ، عيَّنت في نوفمبر 1902م المهندس المعماري الإيطالي” اليساندرو بارازنتي ” الذي تسلم مفاتيح المتحف منذ 9 مارس 1903م ، وقام بنقل المجموعات الأثرية من قصر الخديوي اسماعيل بالجيزة الى المتحف الجديد .
ويتداول المصريين قصة الرجل مع تلك المنقولات التي قيل انه استخدم لنقلها من قصر الخديوي بالجيزة خمسة آلاف عربة خشبية ، بينما المنقولات الثقيلة على قطارين ذهابًا وإيابًا بين الجيزة وقصر النيل ، وقدرت اول شحنة ب48 تابوتًا حجريًا تزن ما يربو على ألف طن جملة ، وان نقل الاثار لم تكن خالية من مظاهر الفوضى احيانًا ، لكنها في المحصلة انتهت يوم 13 يوليو 1902م . امَّا افتتاحه رسميًا ففي عام 1907م .
تسجيل المبنى كإرث معماري وإعادة تأهيله :
وسُجَّل كمبنى أثري عالمي من ناحية قيمته المعمارية الفريدة عام 1983م . وفي أغسطس 2006 م أجريت أكبر عملية تطوير للمتحف ، بهدف جعله مقصداً علميًا وثقافيًا، عن طريق إنشاء مركز ثقافي وملحق إداري تجاري على الجانب الغربي للمتحف مكان العشوائيات التي تم إزالتها .
وأطلقت وزارة الآثار في مايو 2012 م مبادرة لوضع خطة لإعادة تأهيل المتحف بصورة شاملة ساهمت فيها وزارة الخارجية الألمانية بتمويل الدراسات اللازمة والأبحاث العلمية ، كما شاركت جمعية “نوعية البيئة الدولية” في تنفيذ المبادرة لإعادة المتحف لحالته الأصلية ، وتضمنت أعمال ترميم هندسية ومعمارية وأعمال تطوير منطقة التحرير المحيطة بالمتحف .
وقيل أيضًا بمساهمة الاتحاد الاوربي لمشروع التأهيل وبمبلغ قدره 3 مليون دولار ، وتم الانتهاء من اعادة التأهيل بحلول عام 2016م ، بعد ترميم الجناحين الشرقي والشمالي ومعالجة المشكلات الخاصة بالإضاءة ليستقبل الزوار ليلًا ، وكذا لعرض القطع الأثرية القيمة .
وفي نوفمبر 2018 م افتتحت آخر أعمال تطوير المتحف والتي تضمنت إعادة سيناريو العرض المتحفي، وعرض مقتنيات يويا وتويا في الدور العلوي ، بالإضافة لمقتنيات الملك توت عنخ آمون لحين نقل باقي مقتنياته إلى المتحف المصري الكبير.
وتلك الأعمال تمت تحت إشراف لجنة شارك فيها مديري أكبر المتاحف العالمية لوضع وجهة نظر علمية لإعادة توزيع القطع، بعد نقل الآثار المتعلقة بالمتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة، وهم مديري متاحف ” تورينو ” و ” اللوفر ” و ” يونايتد ” و ” برلين ” .
مكتبة المتحف تضم 50 ألف كتاب ومجلد نادر :
وتضم مكتبة المتحف أكثر من 50 ألف كتاب ومجلد من أندر الكتب في تخصص الآثار المصرية القديمة واليونانية والرومانية والشرق الأدنى القديم ، فضلاً عن تخصصات أخرى ، ومن أهم تلك الكتب ” كتاب وصف مصر” و” كتاب آثار مصر والنوبة” و” كتاب ليبسيوس” ، وتحتوي المكتبة ، أيضًا ،على مجموعة نادرة من الخرائط واللوحات والصور .
29 قطعة أثرية مسروقة
وفي أغسطس 2004 أعلن عن اختفاء 38 قطعة أثرية من المتحف ولم يستدل عنها ، وأحيلت الواقعة للنيابة العامة للتحقيق . وخلال حالة الانفلات الأمني التي واكبت ثورة 25 يناير ، تم اقتحام المتحف في يوم 28 يناير 2011 من قبل مجهولين ، وسرقت خلال تلك الواقعة 54 قطعة أثرية ، وعلى إثر ذلك قامت قوات الجيش بتطويق المتحف لحمايته وتأمينه ضد عمليات النهب والسرقة. عقب هدوء الأحداث والأوضاع السياسية، استطاعت الجهات الأمنية ضبط واسترداد جزء من تلك الآثار، ولا زال مفقوداً حتى الآن 29 قطعة أثرية.
أكبر متاحف العالم في الجيزة
وعلمت من صحافي مصري بان هنالك مشروعًا قوميًا يجري العمل به منذ عام 2005م ، ووضعت حجر الاساس له عام 2002م ويعد من اكبر متاحف العالم ، ويعول عليه ضم كافة القطع الاثرية ، ويقع بجوار هضبة اهرام الجيزة . وتبلغ مساحة المتحف الجديد 117فدانًا ، ومن المقرر افتتاحه هذا العام 2020م .
وتزامن انجاز المشروع الضخم مع اعمال ترميم ل100 ألف قطعة أثرية سيتم نقلها للمكان ، علاوة لعرض 50 ألف قطعة ، ناهيك عن عرض مقتنيات الملك الفرعوني ” توت عنخ آمون ” كاملة ولأول مرة والبالغة 5 الاف قطعة .
ونقل القطع المهمة من المتحف المصري إلى متحفي الحضارة والكبير، شملت 249 قطعة أثرية، بينها مقتنيات ” توت عنخ آمون ” ، وخلال الفترة المنصرمة تم نقل عديد من القطع الاثرية المهمة من مقرها القديم بالمتحف المصري إلى متحف الحضارة الكائن في هضبة الهرم .