حمود المروي
ما نكتب له، بل نكتب عنه…وما دفعنا القلم إلا فرادة هذا الرجل، وأُنس ملامحه في زمن التجافي، ونقاء خطاه في دروب طالما حجبتها المتاريس والظنون.
رفيق لم يكن اسماً بين الأسماء، بل كان معنى يجسر على السائد، ويشق جدار الصمت.
هو الرفيق الذي في لحظة فارقة، لحظة كأنها اقتطعت من سفر الخوارق، تخطت قدماه عتبة مقر الإصلاح في المحويت، كاسراً حاجزاً كان في عيون الناس أشبه بالأسطورة – جدار من الجليد العقائدي، ترسانة من الشك والتوجس، وتاريخ من التباعد.
ما أن دخل برفقتي حتى انتفضت الأسئلة في الصدور، وسمع همس الدهشة في كل كيان، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى أولئك الذين لا ينتمون إلا للمسافة بين الضفتين.
كان دخوله حينها حدثاً ليس كمثله حدث؛ كان غيثاً في أرض ظمأى، ونوراً في نفق حسبه البعض أنه بلا نهاية.
دخل لا مستسلماً ولا متلوناً، بل محاوراً بامتياز، مناقشاً بثقة، متجرداً من أثقال الاصطفاف الأعمى، حاملاً فكره لا كالسيف المسلول، بل كالمفتاح في كف أمين.
ولم يكن دخوله تنازلاً، بل إعلان ميلاد جديد لفكرة، لطريقة، لأسلوب لا يعرف الاغلاق بل الفتح.
رفيق كان أكثر من رجل – كان الجسر حين كانت القطيعة، وكان الندى حين كانت الصحارى تعوي.
رفيق هو من أدرك أن المبادئ لا تُحاصر، بل تتحاور وأن الجدران مهما علت، يفتتها صدق النوايا، وتفتك بها حرارة القلوب الصافية..
فبكته المحويت.
بكته مساجدها ونواديها، شوارعها ومدارسها، بكاه الإصلاحي والاشتراكي، المثقف والعامي، الصديق والخصم.
بكته الأيدي التي صافحها، والعقول التي أنعشها، والقلوب التي لمست نبض إنسانيته.
رفيق – لم يكن رجلاً في زمن الانقسام، بل كان استثناء يعبر بين الضفتين، يكتب اسمه بالحبر والموقف، بالحكمة والابتسامة، بالتسامح والعقل.
هو رفيق – لكن في حضرته، كأن كل واحد فينا أصبح الرفيق.