محمد علي محسن
كان الفقيد ، الفريف ركن / علي قائد صالح مشرح – رحمه الله – نموذجًا فريدًا للإنسان المهذب والروح الودودة ، فلم تعرف الخصومات طريقًا إلى قلبه ؛ فعاش حياته نبعًا فيّاضًا للحب والسمو ، محبًا للخير ومنفتحًا على النَّاس، تميّز بين أقرانه من القادة العسكريين بتواضعه الجم ، ودماثة خلقه الفريدة ، وسماحة نفسه .
كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ قلبه نقيّ من كل ضغينة وشر ، وروحه أخّاذة بالفرح والبهجة، ولطفه سمةً ثابتة مع الصغير قبل الكبير ، والمرؤوس كما الرئيس .
نعم ، لم يحمل في قلبه ضغينةً ولا خبثًا، كان مرحًا، بشوشًا، لطيفًا، أينما حلّ كان يحمل معه دفء الحياة، ويزرع الابتسامة في شفاه ووجوه من حوله، حتى في أحلك الظروف
التقيت به في مناسبات قليلة ، فلم تتح لي صحبته طويلًا ، إلا أنني لمست عن قرب كم هو عزيزٌ على رفاقه ومجايليه . شعرت بعظمة المكانة التي تتربع قلوب محبيه .
رأيت في عيون من عرفوه صدق محبته واحترامه، وكان لي شرف سماع شهادات رفاقه وأصدقائه وأهله في قرية ” الرباط ” ، فكانوا جميعًا يجمعون على أن قلب هذا الرجل نادر ، ويستحق أن يُحب .
تمنيت اغتنام فرصة الحديث معه أكثر وأكثر ، ولكن ومثلما قال الشاعر المتنبي : ما كل ما يتمناه المرء يدركه .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ” .
وهذه الأمنية لم تأتِ من فراغ، بل نابعة مما سمعته عن محبته واحترامه من رفاقه وأصدقائه ومرؤوسيه الذين عايشوه، عرفوه، وأحبوه بصدق .
وشهد الجنوب تحولات تاريخية عميقة ، سياسية وفكرية ووجدانية ، وسط هذه التقلبات ظل الفقيد محافظًا على سيرته الطيبة مع الجميع .
تجنب الخصومات ، ترك وراءه سجلًا مشرفًا نقيًا من أي إساءة أو عداء. كانت شخصيته براغماتيةً مجدة للعمل ، خالية من التعقيدات، أقرب إلى روح المهني التكنوقراطي، وأبعد ما يكون عن التعصب والتنطع الذي يقتل الموهبة ، ويقضي على روح التميز .
حدثني عديد من أصدقائه ورفاق دربه قصصًا عن أيامه إبان إدارته لتموين جيش الجنوب، أو خلال فترة وجوده في صنعاء.
ومن كل ما سمعته، استخلصت صورة رجلٍ فريد: “تاجر” رأسمالي داهية وحكيم في إدارة المال والاقتصاد، لكن بقلبٍ اشتراكي حنون، يخشى على الناس من تقلبات الزمن ويحرص على راحتهم.
ومهما يكن من أمر، فإن محبة الناس تتجلى بعد الرحيل، وتتضح معالمها في لحظة الوداع. وهذا ما لمسته بعمق في مراسم التشييع، إذ كان الوفاء حاضرًا بصدق لا تشوبه شائبة.
كما وهذا ما شهدته بعيني في مشاهد تشييعه المهيبة ، فالوفاء لا يُشترى بالمال ، بل يُكسب بالخصال الكريمة .
لقد استشعرت بإحساسٍ حيٍ وناصع مدى حُب النَّاس ووفائهم لقائد ترك أثرًا طيبًا في قلوب من عايشوه، يذكرونه بابتساماته الخيرة ، وتعاملاته الإنسانية الكريمة، بعيدًا عن كل الحسابات الضيقة أو التصنيفات العامة.
رحم الله الفريق ركن / علي قائد صالح مشرح ، وأسكنه فسيح جناته، ترك فينا مثالًا ناصعًا لروحه الفذة وعطائه الانساني، وليرقد مطمئنًا في سلام وأمان في رحاب الله الواسعة .















