أحمد حرمل
في الاسبوع الماضي اعدت نشر منشور كنت قد نشرته قبل 15 سنة قلت فيه ان الحراك السلمي الجنوبي كان حالة ثورية ولم يكن ثورة وقد تلقيت العديد من الاتصالات بعض يؤدي ما ذهبت اليه والبعض الاخر معترض وكان الاعتراض أنني أضع حدوداً فاصلة بين المفهومين، بينما يراه البعض مجرد اختلاف في الدرجة لا في النوع.
وها انا اليوم العيد الحديث في هذا الموضوع ولكن ليست عن الحراك الجنوبي هل كان ثورة ام حالة ثورية بل اتحدث عن الحالتين بشكل عام سوى في الحراك الجنوبي او ما سمي بثورات الربيع العربي .
وسابدأ حديث بطرح السؤال التالي :
ما الفرق بين الثورة والحالة الثورية ؟
الثورة ليست لحظة غضب جماعي، بل هي مشروع تاريخي يتأسس على رؤية واضحة وبوصلة تحدد الاتجاه.
ففي حين أن الحالة الثورية تنشأ من تراكم الغضب والاحتقان، فتتفجر بشكل عفوي يفتقر إلى التنظيم والقدرة على الانتقال من الحدث المنفعل إلى الحدث الفاعل، فإن الثورة تتجاوز هذا الانفعال لتصبح حالة تطلع واعٍ نحو المستقبل.
الثورة مخطط لها، يقودها من يعرف ماذا يريد وكيف يصل إليه، بينما الحالة الثورية تظل أسيرة العاطفة اللحظية، بلا قيادة ولا استراتيجية، فتتعثر في تحويل الغضب إلى تغيير فعلي ؛ وما تحققه الثورة من انتصار وما يتليها من انجازات عظيمة ترتقي الى حجم التضحيات التي قدمت في سبيل انتصارها ولذا فان التورة تكون حدث تاريخي لان الاوضاع ما بعدها تكون مختلفة تمام عن الاوضاع ما قبلها بعكس الحالة الثورة فما تحصل عليه يكون اقل بكثير من حجم التضحيات التي قدمت من اجلها وتكون الاوضاع ما بعدها مشابهة للاوضاع التي كانت قبلها ان لم تكن اسوا منها.
ومن هنا يبرز الفرق الجوهري بين بركان الغضب الذي يثور بلا بوصلة، وبين بوصلة التطلع التي ترسم طريق التحول وتفتح أفقًا جديدًا للتاريخ.
الثورة مشروع تحولي متكامل، بينما الحالة الثورية لحظة غضب عابرة وإليكم الفروق الجوهرية:
أولاً: من حيث الإرادة والوعي
• الثورة
إرادة واعية، تنطلق من إدراك عميق للواقع، وتستند إلى رؤية استراتيجية واضحة. هي فعل قصدي يهدف إلى التخلص من الوضع القائم وإعادة صياغة البنية السياسية والاجتماعية.
• الحالة الثورية
إرادة عفوية، تنفجر كرد فعل على حدث أو ظلم، لكنها تفتقر إلى التخطيط المسبق والوعي الجمعي المنظم.
ثانياً: من حيث القيادة والتنظيم
• الثورة
تمتلك أداة سياسية تقودها، تحميها من الاختراق، تصوّب أخطاءها، وتعمل على تنقية جسدها من الشوائب.
القيادة فيها واعية، تتسم بالانسجام بين المستوى السياسي والميداني.
• الحالة الثورية
يغيب عنها العمل المؤسسي، وتفتقر إلى قيادة موحدة.
غالباً ما تتحكم القاعدة الشعبية برأس الهرم، مما يؤدي إلى تخبط وعشوائية في اتخاذ القرارات.
ثالثاً: من حيث التمويل والشرعية
• الثورة
تعتمد على الذات، وتستند إلى “مال ثوري” غير مشروط، قائم على الانتماء للوطن والإيمان بأهداف الثورة ؛ والشرعية فيها تنبع من الداخل.
• الحالة الثورية
عرضة للتخريب عبر المال السياسي المشروط، القائم على الولاء والتبعية. الشرعية فيها هشة، لأنها قد تُستمد من الخارج أو من مصالح آنية.
رابعاً: من حيث البنية الاجتماعية
• الثورة
تهتم بالكيف لا بالكم، وتنتقي عناصرها بعناية وفق معايير محددة.
المنتسبون إليها يُطلق عليهم “ثوار”، ويُكلَّفون بمهام دقيقة ومحددة.
• الحالة الثورية
تهتم بالكم أكثر من الكيف، ولا تضع شروطاً للانخراط فيها. المنخرطون يُطلق عليهم مناضلين او “أنصار” أو “نشطاء”، وغالباً ما يقومون بمهام متشابهة دون تمييز بين المخلص والمندس.
خامساً: من حيث العلاقة بين القيادة والقاعدة
• الثورة
العلاقة محكومة بأسس وضوابط، حيث يثق المنتسبون بقيادتهم ويحاسبونها إذا انحرفت عن خط الثورة.
الاجتهادات الشخصية محدودة وتتم داخل الأطر المؤسسية.
• الحالة الثورية
تغيب الضوابط، وتكثر الاجتهادات الفردية. القاعدة قد تسيء إلى القيادة علناً، وتهتف بسقوطها في الساحات، مما يعكس هشاشة البنية التنظيمية.
سادساً: من حيث الاستمرارية والمصير
• الثورة
مسار طويل يبدأ بالغضب الشعبي لكنه يتطور إلى مشروع وطني متكامل.
تستمر حتى بعد زوال الأسباب المباشرة، لأنها ترتبط بالغايات الكبرى وتحرص على تحقيق كامل اهدافها .
• الحالة الثورية
لحظة عابرة، تنتهي بانتهاء أسبابها أو حتى قبل ذلك بفعل الانقسامات الداخلية أو الاختراق الخارجي. هي صرخة عالية بلا مشروع مستدام.
سابعاً: من حيث الثقافة السياسية
• الثورة
تؤسس لثقافة جديدة، تعيد تعريف العلاقة بين الشعب والدولة، وتخلق وعياً جمعياً يتجاوز اللحظة.
• الحالة الثورية
تبقى أسيرة ردود الفعل، ولا تنتج ثقافة سياسية جديدة، بل قد تعيد إنتاج الانقسامات القائمة.
ثامنا” : من حيث التجانس:
• الثورة
قوى متجانسة تلتقي على رؤية موحدة وأهداف واضحة.
• الحالة الثورية
خليط غير متجانس من القوى تتقاطع لحظياً ثم تتباعد
تاسعا” : من حيث الاستمرارية:
• الثورة
مسار متكامل يبدأ بالغضب وينتهي بتحقيق التطلعات.
• الحالة الثورية
نصف ثورة تتعثر في منتصف الطريق، تبدأ بقوة وتنتهي باختراق أو انقسام
عاشرا” : من حيث المصير:
• الثورة: تستمر حتى بعد زوال الأسباب التي أثارتها، لأنها تمتلك مشروع وطني متكامل
• الحالة الثورية:
تنتهي بانتهاء أسبابها، أو حتى قبل ذلك بسبب الاختراق والتمزق الداخلي
حادي عشر : من حيث البنية التحتية:
• الثورة
تحول الطاقة الثورية إلى مؤسسات قادرة على الصمود والاستمرار.
• الحالة الثورية
تبقى حالة هشة تنقصها المقومات البنيوية للبقاء
الحالة الثورية أشبه بجنين لم يكتمل نموه
يبدأ بنشاط وحيوية، لكنه يتعثر عند أول مواجهة مع الواقع، لأن مصالح مكوناته المتباينة تتعارض وتتصادم.
أما الثورة فهي الجسد الكامل الذي يستطيع أن يمشي وحده، حتى وسط العواصف، لأنها تمتلك قلباً نابضاً وعقلاً منظماً وأطرافاً قادرة على الحركة.
الخلاصة
الحالة الثورية هي “لحظة ناقصة”، تبدأ بقوة لكنها تعجز عن إكمال المسيرة، بينما الثورة هي “المشروع الكامل” الذي يملك القدرة على الاستمرار وتحقيق التطلعات ؛ يمكن تشبيهها بالجنين الذي لم يكتمل نموه؛ يبدأ بنشاط وحيوية لكنه يتعثر عند أول مواجهة مع الواقع.
الثورة ليست مجرد بركان غضب، بل بوصلة تطلع، أما الحالة الثورية فهي ومضة عاطفية قد تضيء الطريق لكنها لا تكفي وحدها لبناء المستقبل ؛ ولذا فهي الجسد الكامل الذي يمتلك مقومات الحياة والاستمرار، إذ يجمع بين الإرادة الواعية، القيادة المنظمة، التمويل المستقل، والبنية المؤسسية.















