احمد عبد اللاه
نفهم، وقد أصبحت صنعاء عاصمة أنصار الله منذ أحد عشر عاماً، أن انفصالها عن نصف قرن ونيف من عمر دولة سبتمبر، لم يكن حدثاً طارئاً أو عابراً. بل إنّ صنعاء مهّدت الطريق بعد أن أفرغت كل شيء من محتواه:
لا جمهورية تجمهرت و انجزت اهدافها ونهضت بشعبها، ولا طبقات حاكمة أسست دولة حقيقية، ولا شيوخ قبائل تخلّوا عن كبريائهم وسطوتهم، ولا أحزاب ضحّت بشيء من أيديولوجيتها لمصلحة الوطن، ولا تجربة ديمقراطية وضعت أساساً صالحاً للبناء، ولا وحدة طوعية امتلكت القدرة على البقاء.
وهكذا مضى البلد في طريق التمهيد التدريجي بانتظار “الشرط الأخير” لقدوم الفاتحين الجدد: فمع ربيع الجماهير المخدوعة، ثم بعد حوارات الموفنبيك، فتحت صنعاء أسوارها، وتبخّرت جيوشها وأحزابها ونخبها، وصمتت الساحات لتتهيأ لدور جديد تُرفع فيه الرايات الخضراء.
وهنا يتضح جوهر الفكرة: الانفصال ليس مجرد حدث سياسي يقاس بالخرائط والحدود، بل هو علامة على عجز الفكرة عن أن تحيا في وعي الحكام والنخب. فحين تتهاوى المعاني الكبرى ولا يبقى للشعارات سوى صداها الإعلامي، يتحول التاريخ إلى فراغ يملؤه القادمون الجدد. فالدول لا تسقط حين تنكسر جيوشها فقط، بل قبل ذلك حين تفقد صلتها بالمعنى الجامع الذي يمنحها شرعية الوجود.
ذلك هو القصد وليس ما يحاول الإعلام الحزبي تسويقه في تسمية سعي الجنوبيين لاستعادة دولتهم على أنه انفصال بينما يتغاضى عن المعنى الحقيقي.














