الحبيب الأسود
تغلبت حسابات المصالح على روح المصالحة وفشل الاتحاد الأفريقي في جمع الفرقاء الليبيين على طاولة الوفاق في أديس أبابا للتوقيع على ميثاق السلم والمصالحة الذي تم التوصل إليه بعد طول انتظار.
وأعرب عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني عن أسفه لغياب القيادات السياسية عن الحدث، واعتبر أن “تقاعس القيادات السياسية شرقا وغربا عن حضور توقيع ميثاق يحملهم مسؤولية تأخر ليبيا عن موعدها مع الصلح ولم الشمل”، معتبرا أن “البعض يبدو وكأنه يتعمد تأخير الصلح” ،مردفا أن “الوطن كان ينتظر عرسا تاريخيا للتصالح، التف حوله قادة أفريقيا والعالم، وذلكم يبقى الهدف والأمانة.”
والجمعة الماضي، شهد مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا حفل التوقيع على ميثاق السلام والمصالحة الوطنية في ليبيا تحت إشراف الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة الرفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، وبحضور متواضع من الفرقاء الأساسيين في المشهد الليبي والدول الأعضاء في اللجنة.
وأكدت أوساط ليبية مطلعة، أن أطرافا عدة اتفقت على عرقلة مشروع الميثاق، والإطاحة بجهود الاتحاد الأفريقي، وأن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وحلفاءها من تيار الإسلام السياسي المحسوب على رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني، وقادة الميلشيات وأمراء الحرب بالمنطقة الغربية، اتفقوا على إفشال المـشروع، ومارسوا ضغوطا على رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حتى لا يحضر التوقيع على الميثاق رغم أنه كان موجودا في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.
وزعم المنفي أن ليبيا تمر بمرحلة غير مسبوقة من التنمية وإعادة الإعمار، في قطاعات البنية التحتية، والطاقة، والتعليم، والصحة، مع عودة الشركات والاستثمارات الأجنبية بوتيرة متسارعة، مشددًا على ضرورة إظهار هذه التطورات الإيجابية أمام المجتمع الدولي.
وفي محاولة منه لتهدئة الموقف، قال المنفي إنه يثمن جهود الرئيس الكونغولي في دعم استقرار ليبيا، مشيدا بدور الاتحاد الأفريقي في المصالحة الوطنية وفق مبادئ العدالة الانتقالية وجبر الضرر لإنهاء الانقسامات وإنجاح الانتخابات.
واعتبر المبعوث الأميركي الخاص لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن المصالحة الوطنية مفتاح النجاح الدائم للعملية السياسية على الرغم من التحديات التي تواجهها، وذلك تعليقًا على ميثاق المصالحة الذي جرى توقيعه في أديس أبابا الجمعة الماضي.
ونقلت السفارة الأميركية عن نورلاند قوله أمس الأحد: “لقد أخذنا علماً بالاجتماع الذي استضافه الاتحاد الأفريقي في 14 فبراير بأديس أبابا بشأن المصالحة الليبية، ونشيد برئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو والاتحاد الأفريقي على اهتمامهما المستمر بالمصالحة الليبية بينما ندرك التحديات التي لا تزال قائمة، فإننا نشيد بجميع الليبيين الذين يعملون على تحقيق المصالحة المحلية والوطنية خدمةً لوطنهم.”
ونص الميثاق على سبعة أهداف رئيسية، أبرزها إعلاء قيم التسامح، وفتح الباب لجبر الضرر وإعادة الحقوق، ورأب الصدع، وإعادة كتابة التاريخ السياسي لليبيا، وتحقيق التنمية، والإعداد للانتخابات، وشدد على ثمانية مبادئ هي عدم الإقصاء، ونبذ العنف، ونبذ الكراهية، والتأكيد على حق الليبيين في ثرواتهم، وإصلاح ذات البين، وربط المصالحة بالوفاق السياسي، ووقف كافة الملاحقات والمحاكمات، والإقرار بطبيعة المصالحة ونفسها الطويل.
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي أحمد إن “الوثيقة عبارة عن مبادئ نابعة عن الثقافة والدين والتاريخ الليبي.”
وأضاف: “مع الأسف تمنينا حضور كل الأطراف للتوقيع على هذه الوثيقة، لكي تكون رسالة للشعب الليبي وأفريقيا والعالم العربي بأنهم منجرّون للمصالحة،” مشيرا إلى أنها “وثيقة توافقية، وتطرح للأطراف الليبية الموجودة لكي يوقعوا عليها، وترفع للآخرين”، معرباً عن أمله بـ”الموافقة عليها مستقبلاً.”
وتضمن الميثاق فصولا أساسية تتعلق بالمصالحة والعدالة الانتقالية، والمصالحة ودولة القانون، والمصالحة والأمن الليبي، والمصالحة والاقتصاد، والمصالحة ودور الثقافة والعلوم، وصولا إلى المصالحة والإعلام، والمصالحة والتضامن الدولي.
ولوحظ غياب حكومة الوحدة الوطنية عن حضور حفل التوقيع، إلى جانب الأحزاب والتيارات السياسية والفعاليات الاجتماعية والكيانات الثقافية والقوى الميدانية الفاعلة في البلاد.
وللقبول بنص الميثاق والتوقيع عليه، اشترط المجلس الرئاسي إجراء تعديلات على النسخة الأولى، تتعلق بالجيش، ودوره، وتوحيده، ومهنيته، وتبعيته للسلطة المدنية، ومفهوم الأمن القومي، فضلا عن حماية الحدود والمنافذ والموارد من الاستهداف كضمان للسيادة، وربط المصالحة بمفهوم العدالة الانتقالية وفقا للقانون الدولي، مع مراعاة الخصوصية الليبية الإسلامية، والأعراف، والتجربة السنوسية، إلى جانب محاربة الفساد، والإصلاح المؤسسي، وجبر الضرر، وحماية حقوق الإنسان كأساس لأي مصالحة حقيقية.
وشدد المجلس الرئاسي على ضرورة خضوع جميع القضايا للقضاء الليبي، لضمان عدم الإفلات من العقاب، وهو ما يتطلب توحيد الجهاز القضائي بكل درجاته وهيئاته، مع فرض سلطته الفعلية على كافة الأراضي الليبية، لمنع أي تدخل قضائي أجنبي أو دولي.
وأكد وزير خارجية الكونغو برازافيل، جان كلود جاكوسو، أن ميثاق المصالحة الوطنية لقاح ضد تقسيم ليبيا”، معتبرا أن الشعب الليبي أدرك، بعد سنوات من الأزمات، أن السلم الداخلي هو القاعدة التي تنطلق منها كل تطلعات التنمية والنهضة.
وأمضى على الميثاق كل من مجلسي النواب والدولة وممثلو القيادة العامة للجيش الوطني والفريق السياسي لممثل النظام السابق سيف الإسلام القذافي الذي أكد في بيان أن الشعب الليبي مترابط ومتصالح رغم كل مؤامرات ومغامرات دعاة الحرب والتقسيم.
وأشار في رسالة إلى الأطراف الإقليمية والدولية الراعية للحوار والأطراف الليبية المشاركة فيه، أن أول نقطة يجب العمل عليها فورا هي إطلاق سراح كل السجناء والمعتقلين، بالإضافة إلى تسليم جثامين من قتلوا خلال أحداث 2011، وإعادة المهجرين في الداخل والخارج إلى ديارهم وضمان عدم التعرض لهم، داعيا إلى البدء في إجراءات التعويض وجبر الضرر والعمل على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن.
ودعا ممثلو القذافي إلى أن تكون ليبيا كلمة سواء بين جميع الفرقاء وأن وحدة الشعب الليبي وحريته وسلمية أهله وسيادته على أرضه مكتسبات غير قابلة للمساومة، لافتين إلى أنه دون تنفيذ هذه النقاط فإن الميثاق لن تكون له أي قيمة مثمنا التضحيات التي قدمها الليبيون خلال سنوات مضت.
المصدر : العرب