كريتر نت – متابعات
تزايدت الترجيحات بأن تنخفض واردات القمح عالميا هذا العام مع تباطؤ النمو الاقتصادي لدى كبار المشترين، وارتفاع إنتاج الحبوب محليا وصعود الدولار، مما يضع ضغوطا على الأسعار، رغم أن المخزونات العالمية تتجه إلى أدنى مستوياتها في تسع سنوات.
ورسم تجار ومحللون صورة مختلفة لتجارة القمح خلال العام 2025 والذي يحكمه الطلب العالمي، وذلك بسبب الإنتاج المحلي الوفير لكبار المشترين الذين يحاولون تجنب التكاليف رغم استمرار تأثيرات تغير المناخ على إنتاج المحاصيل الإستراتيجية.
وتباطؤ عمليات الشراء من كبار المستوردين قد يحد من صعود الأسعار من خلال تبديد تأثير المخاوف من أن الطقس غير المواتي في البحر الأسود، أكبر منطقة مصدرة للقمح في العالم، والهند والولايات المتحدة قد يقلل الإنتاج.
وفي الوقت نفسه، من شأن انخفاض الواردات الصينية أن يؤثر على المزارعين الأستراليين الذين انتهوا في الآونة الأخيرة من حصاد كمية غير مسبوقة تقريبا وأصبحوا يعتمدون على الطلب الصيني في السنوات القليلة الماضية.
وتوقعت مطاحن وتجار أن تشتري الصين، أكبر مستورد للقمح، في الأشهر الستة الأولى من 2025 أقل من نصف الكميات التي اشترتها خلال 2024، في حين من المرجح أن يتباطأ نمو الطلب في إندونيسيا، ثاني أكبر مشتر للقمح، ومصر ثالث أكبر مشتر.
ويرى محللون أن ارتفاع إنتاج القمح في الصين وانتعاش إنتاج الأرز في إندونيسيا من شأنهما أن يحدا من واردات كلا البلدين، في حين أن زيادة المحصول في العراق سيجعل أحد أكبر المشترين في الشرق الأوسط أقل اعتمادا على الواردات
وقال دينيس فوزنيسكي، المحلل في كومونولث بنك ومقره سيدني، لوكالة رويترز إن “من العوامل الهيكلية في السوق والتي قد تضعف الطلب في الأمد البعيد زيادة الإنتاج في أسواق الاستيراد الرئيسية، ومنها الصين.”
ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج القمح في الصين خلال العام المنتهي في يونيو المقبل بنسبة 2.6 في المئة على أساس سنوي، وفقا لتقديرات وزارة الزراعة الأميركية المعلن عنها في الثاني والعشرين من يناير الماضي.
وذكرت وزارة الزراعة الأميركية أيضا أن الواردات خلال الفترة ذاتها قد تنخفض 37 في المئة على أساس سنوي إلى ثمانية ملايين طن، وذلك نقلا عن بيانات مركز معلومات الحبوب والزيوت الوطني الصيني.
وقال فوزنيسكي إن “البيئة الجيوسياسية المتقلبة حاليا، بما في ذلك المواجهات العسكرية والحروب التجارية، تدفع الدول المستوردة إلى زيادة الإنتاج المحلي لتقليل اعتمادها على سلاسل التوريد العالمية.”
ومن المتوقع أن يأتي انخفاض الواردات وسط تراجع المخزونات العالمية، إذ تتوقع وزارة الزراعة الأميركية انخفاض المخزونات إلى أدنى مستوى لها في تسع سنوات بحلول نهاية يونيو المقبل.
وقد ينخفض استهلاك القمح لدى المشترين الرئيسيين بسبب تراجع معدلات النمو، إذ من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين ويدخل الاقتصاد الإندونيسي في حالة ركود خلال العام الجاري، بينما نما الناتج المحلي الإجمالي لمصر في 2023 – 2024 بأقل من العام السابق.
وارتفعت تكاليف استيراد القمح أو ظلت ثابتة رغم تراجع الأسعار العالمية إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات في العام الماضي، وذلك بسبب انخفاض العديد من عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار.
وتراجعت قيمة اليوان بسبب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ووصل الجنيه المصري والروبية الإندونيسية إلى أدنى مستوياتهما على الإطلاق مقابل الدولار.
وأرجأت بكين مؤخرا واردات تصل إلى 600 ألف طن ويتوقع التجار انخفاض المشتريات في الأشهر المقبلة.
ولدى دارين فريدريشس، الشريك المؤسس بشركة سيتونيا ومقرها شنغهاي، نظرة سلبية تجاه الطلب الصيني على القمح خلال الأشهر الستة المقبلة.
وقال لرويترز “حظي محصول 2024 (الصيني) بطقس مثالي تقريبا، وتجاوز الإنتاج معدلات قياسية، وبجودة جيدة جدا. لا توجد حاجة كبيرة إلى الواردات.”
وقال رود بيكر، المحلل في أستراليان كورب فوركاسترز، إن المستوردين الصينيين حجزوا نحو مليون طن للتسليم في مارس المقبل، وهو “أقل من السنوات القليلة الماضية عندما وصلت المبيعات إلى المثلين أو ثلاثة أمثال في الفترة ذاتها.”
ويخفض المستوردون الآسيويون المنافسون أيضا مشترياتهم، إذ من المتوقع أن يرتفع إنتاج الأرز الإندونيسي خلال العام الجاري بعد أن تسببت تداعيات ظاهرة النينيو في خفض محصول العام الماضي.
وترجح الحكومة الإندونيسية أن يزيد الإنتاج إلى 32.8 مليون طن، من 30.62 مليون طن في 2024.
ويساعد ذلك مصنعي الأغذية على العودة إلى دقيق الأرز المنتج محليا بدلا من القمح المستورد.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في جمعية منتجي دقيق القمح الإندونيسيين طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث لوسائل الإعلام، إن “تراجع الروبية يحد أيضا من مشتريات القمح.” وأضاف “انخفضت القوى الشرائية بسبب قوة الدولار.”
ومن المرجح أن تنخفض مشتريات القمح المصرية هذا العام. واشترى جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، المشتري الحكومي للحبوب، نحو 1.267 مليون طن في نهاية ديسمبر، وهو ما يكفي احتياجات البلاد حتى يونيو كما أكد الجهاز في ذلك الوقت.
ومع ذلك اشترى الجهاز ما يقرب من 250 ألف طن إضافية في يناير الماضي. وكانت الهيئة العامة للسلع التموينية المشتري الحكومي السابق في مصر، تشتري عادة من 4 إلى 5 ملايين طن سنويا.
واستوردت الحكومة المصرية والقطاع الخاص نحو 14.7 مليون طن من القمح في 2024، وفقا لبيانات تجارية اطلعت عليها رويترز.
وقال تاجر حبوب ألماني لرويترز إن “مصر المستورد الكبير تواجه مشاكل اقتصادية خطيرة مع انخفاض النمو واحتياج البلاد إلى تمويل من الداعمين العرب لمساعدتها في شراء القمح.”
وكان العراق، وهو من المشترين الرئيسيين في الشرق الأوسط، قد أعلن في أكتوبر الماضي، أنه سيوقف استيراد القمح لبرنامج الدعم بسبب فائض المحصول البالغ 1.5 مليون طن.
ولتلبية احتياجات برنامج الدعم تحتاج الحكومة إلى ما بين 4.5 و5 ملايين طن سنويا. وتاريخيا كان العراق، كجزء من الهلال الخصيب من البحر المتوسط إلى الخليج العربي، هو المكان الذي تطورت فيه الزراعة منذ أكثر من 10 آلاف عام.