كريتر نت – متابعات
كثيرة هي الكتب والدراسات التي حاولت دراسة ظاهرة التطرف والإرهاب باسم الدين، خصوصًا منذ ثورة الخميني على الشاه في إيران أواخر سبعينات القرن الماضي. وقد تعددت المقاربات المستخدمة فيها بين مقاربات الدراسات الدينية، والاجتماعية، والسياسية، والنفسية.
وتهدف هذه الدراسة إلى قراءة مكثفة لأربعة من أهم الكتب المختصة بفهم ومكافحة الإرهاب. وسوف نتناول في الجزء الأول منها كتابين وفي الجزء الآخر الذي سينشر منفصلًا في الأيام القادمة كتابين آخرين.
1. “أبجديات تمويل الإرهاب”
الكتاب الأول بعنوان “أبجديات تمويل الإرهاب”، ونشر عام 2022 بدار نشر Cherche Midi الفرنسية وهو لناتالي جوليه، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع، التي شاركت في لجنة تقصّي حقائق حول خطورة التطرف والجماعات المتطرفة 15 يومًا قبل هجمات شارلي إبدو والمتجر اليهودي (“إيبر كاشير”) الإرهابية. وقد انصب عمل تلك اللجنة على كيفية مكافحة تمويل الإرهاب في دول حلف الناتو، وشاركت فيها مؤلفة الكتاب بصفتها نائبة رئيس اللجنة الاقتصادية للحلف.
ويمكننا القول بداية إن هذا المعجم فكرة أكثر من ممتازة إذْ تسهّل على متخذ القرار ومستشاريه الإلمام السريع بكل ما يتعلق بوسائل تمويل الإرهاب، والمنظمات والوسائل التي تكافحه.
وقد استهدف الكتاب عرضًا تحليليًّا لأكبر قدر ممكن من وسائل تمويل الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وكذلك الوسائل والأدوات التي تمتلكها الدول لمكافحته.
ومن أهم ما جاء في الكتاب ما يلي:
بيَّن الكتاب كيف بات الإرهاب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجرائم المالية، وبالجريمة المنظمة مثل الاتجار بالبشر والمخدرات؛ فكل شيء مباح لتمويل الإرهاب.
ساهم المعجم في تحقيق شعار “لا أموالَ للإرهاب”، ونقله من حيز التنظير إلى حيز التطبيق الفعال.
فصل الكتاب الإجراءات الكثيرة التي اتخذتها أوروبا وبعض دول الخليج لمجابهة التطرف والإرهاب.
أوضح الكتاب كيف أن تبادل المعلومات الآلي قد يؤدي دورًا حاسمًا في الحد من تمويل الإرهاب.
المشكلة الكبرى أن الجرائم الإرهابية تتطور بشكل أسرع بكثير من التشريعات الخاصة بها.
تمويل الإرهاب أصبح ممكنًا ببضعة آلاف قليلة من الدولارات؛ فعملية شارلي إبدو لم تتكلف إلا 25000 يورو، وتكلفة الحدث الدامي الذي وقع في 13 نوفمبر 2015 وأودى بحياة 90 شخصًا في مسرح “باتاكلان” في باريس، و39 شخصًا في المقاهي المحيطة، وترك أكثر من 350 جريحًا لم يكلِّف سوى 80000 يورو.
الباحث عن مصادر تلك المبالغ الزهيدة هو كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وهذا ما يحاول هذا القاموس تسهيل فعله من خلال عرضه وسائل قادرة على رصد المبالغ الصغيرة في تمويل الإرهاب.
يشكل المال عنصرًا أساسيًّا بالنسبة لأي جماعة إرهابية تضمنُ من خلاله الموارد المادية التي تساعدها في تمويل التدريبات العسكرية لمقاتليها، وشراء المعدات وضمان الإمدادات اللوجستية لها. كما أن المال بالنسبة لهذه الجماعات ضروري كذلك في المرحلة التشغيلية لضمان سير عمل الخلايا الإرهابية؛ ونظرًا لهذه الأهمية التي يكتسيها المال، فإن الأعمال الإرهابية التي نراها ليست سوى غيضٍ من فيض.
فإذا كانت تكلفة قنبلة محلية الصنع أو سلاح ناري خفيف، منخفضة نسبيًّا، فإن الحفاظ على مجموعة إرهابية له تكلفة عالية؛ ولذا فإن سعر شراء مكونات قنبلةٍ وحده لا يمكن أن يعكس السلسلة المالية بأكملها التي تغطي المراحل من التجنيد إلى ارتكاب العمل الإرهابي.
ويمكن التمييز في هيكلية تمويل الإرهاب بين التمويل الكلي للبنيةِ التحتية والتمويل التشغيلي الذي يُستخدم في العمليات الإرهابية.
ومن منطلق الأهمية التي توليها الجماعات الإرهابية للتمويل، فإن الحد من قدرتها على الحصول على الموارد التمويلية أصبح كذلك أمرًا ضروريًّا في الحرب على الإرهاب، وآثارُ جهود الحد من هذه القدرات لا يمكن إنكاره، ويمكن رؤيته متبلورًا في ثلاثة مستويات على الأقل:
تأثير رادع من خلال قوائم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوائم الوطنية التي تُثبط الجهات المانحة والممولة للأنشطة الإرهابية.
تأثير وقائي من خلال تتبُّع التحويلات المالية وتعقُّب مسارات جمع الأموال وتغدية الأرصدة المصرفية وتحويل الأموال التي تُمكِّنُ رجال الاستخبارات والمحققين من بناء روابط بين الأفراد والمنظمات الإرهابية والخلايا الفردية.
تأثير مدمر حيث إن الجماعات الإرهابية تقر بأن نقص الأموال يمكن أن يحبط جميع خططها. كما يمكن أن يضعف قدراتها العملياتية.
في هذا الإطار حاول كتاب “أبجديات تمويل الإرهاب” رصد مصادر تمويل الجماعات الإرهابية والطرق المختلفة والملتوية والمتنوعة التي تعتمدها هذه الجماعات وتلجأ إليها حتى تتمكن من الحصول على مصادر التمويل اللازمة لها، التي يرصدها الكتاب فيما يلي من فصول تناول كل واحد منها وعالج جانبًا من جوانب هذه البنية التمويلية المعقدة.
من أهم وسائل تمويل الإرهاب: العملات المشفرة أو الرقمية، شركات العقارات، “المحصِّلون” أو “الميسِّرون الماليون” (الذين يمررون الأموال بغير طرقها المتعارف عليها)، تهريب البشر والحيوانات، تجارة وتأجير السيارات، تجارة الأسلحة، تجارة الأعمال الفنية والأثرية، غسْل الأموال وتجارة السلع المقلدة والبطاقات مسبقة الدفع، تجارة الذهب والمخدرات، المال النقدي، الاختطاف وطلب الفدية.
يمكن استخدام القطاع غير المالي في تمويل الإرهاب، وينطبق هذا خاصة على المهن المتصلة بـ ” المالية والقانون”، فضلًا عن المهن التي تقدم خدمات للأفراد أو الشركات.
لن يتوقف تمويل الإرهاب عن المفاجأة؛ ففي 30 نوفمبر 2001، نشر مجلس الهجرة واللاجئين الكندي دراسة حول تورُّط منتجي العسل في جمع أو غسل الأموال لصالح الجماعات الإرهابية، كما تم استخدام القمار والألعاب على الإنترنت في تمويل الإرهاب.
إن التركيز على الإرهاب منخفض التكلفة هو المفتاح لفهم هجمات باريس سنة 2015. حيث إن الأنشطة الإرهابية في أوروبا لا تتطلب نفقات كبيرة. وفي هذا السياق تمكَّن مرتكبو هجمات نوفمبر2015 في باريس من الاستفادة من الدعم المالي المقدم من تنظيم الدولة الإسلامية. أما إرهابيو (شارلي إبدو) فقد موَّلوا أنفسهم بالكامل.
إن الأنشطة الإرهابية في أوروبا لا تتطلب الكثير من الإنفاق. فثلاثة أرباع العبوات المتفجرة التي استخدمها الإرهابيون بين عامي 1994و 2013 كلَّفت أقل من 000 9 يورو.
ومن القضايا الخطيرة المرتبطة بتمويل الإرهاب التي طرحها الكتاب قضية صانع الإسمنت الفرنسي المشهور لافارج، الذي وُجِّهت له اتهامات بتهمة تمويل الإرهاب. ويشتبه في أن المجموعة قد تفاوضت على عمولة مع داعش في سوريا والعراق لتأمين نشاطها الصناعي.
قضية لافارج ليست فريدة فقد اعترف رئيس مجموعة إريكسون في مقابلة مع وسائل الإعلام السويدية أن شركته ربما دفعت رشاوى إلى داعش لتأمين طرق نقل في العراق.
من أبرز المؤسسات المكافحة لتمويل الإرهاب التي ذكرها الكتاب بالتفصيل: Wolfsberg Group، مجموعة العمل المالي FATF أو GAFI، وكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي Europol، المركز الأوروبي لمكافحة الإرهابECTC، مؤسسة TRACFIN لمعالجة المعلومات الاستخباراتية والعمل ضد الدوائر المالية السرية، وحدات الاستخبارات المالية The Egmont Group of Financial Intelligence Units، ومجموعة إيغمونت Egmont.
2. “علم نفس التطرف.. رؤية في الدوافع”
الكتاب الثاني الذي سنستعرضه في هذا الجزء من الدراسة عنوانه ” علم نفس التطرف.. رؤية في الدوافع” الذي صدر عام 2022 عن دار نشر روتليدج، وهو لكلّ من آري دبليو كروجلانسكي، أستاذ علم النفس في جامعة ماريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، والمشارك في تأسيس المركز الوطني للتميز لدراسة الإرهاب والتصدي له، وكاتالينا كوبيتز، الأستاذة المساعدة لعلم النفس في جامعة واين ستيت بالولايات المتحدة الأمريكية، وإيوا زوموفسكا، الباحثة في وحدة علم النفس الاجتماعي في معهد علم النفس في جامعة جاجيلونيان في كراكوف ببولندا.
ومن أهم ما جاء في الكتاب ما يلي:
يتناول الكتابُ موضوعَ التطرف من جهة الدوافع التي تُؤثِّر في الإنسان وتُؤدِّي إلى تطرفه. فللتطرف مجالاتٌ شتَّى تتضمَّن: الانحياز السياسي، والتوجُّه الديني، والاستقطاب الرياضي، وتبنِّي العنف، وغير ذلك.
ويتميَّز الكتاب بأنه حصيلة مُشاركة واحد وثلاثين باحثًا في التخصصات المـختلفة لموضوعه.
يفصل الكتاب دوافع التطرف وأسبابه الناتجة عن خلل التوازن في أمور الحياة، وذلك عبر مستويات مُختلفة من التحليل، كما يعرض أمثلةً لهذه الدوافع ولما يبدو خللًا في التوازن في شؤون الحياة، مثل:
«مُدمني العمل» الذين يهتمُّون بأعمالهم على حساب الحياة العائلية ولقاءات الأصدقاء والتفاعل مع المجتمع المحيط بهم.
ومنهم أصحابُ التوجُّه «الإدراكي» الذين يتبنَّون توجُّهات فكرية مّا على حساب توجُّهات فكرية أخرى.
يلقي الكتاب الضوء بشكل بانورامي على الأفكار والرُّؤى الأساسية المتعلِّقة بعلم نفس التطرُّف.
يوضح الكتابُ أنَّ نظرة المتطرف إلى الحياة تفتقر إلى التوازن، وأنَّ ثمَّة دوافعَ مختلفة وراء عدم التوازن ينبغي ذكرُها، واستيعاب مضامينها؛
للتعامل بذكاء مع قضايا التطرُّف في المستقبل.
تخضع ظاهرة التطرف، كأي ظاهرة سلوكية، إلى مستويات مختلفة من التحليل، تشمل جانبين رئيسَين: الجانب النفسي العصبي للظاهرة، والجانب الثقافي، فضلًا عن جوانب أخرى تدمجُ بين الاثنين.
يوضح الكتاب أربعَ خصائص رئيسة للمواقف المتطرفة على النحو الآتي:
الاستقطاب: ويعني أن يكونَ الشخص فريسة لانحيازات، على حساب جوانبَ أخرى.
اليقين المفرط: ويعني التمسُّك الراسخ للشخص بموقفه.
الخروج عن المألوف: ويعني غرابةَ الموقف المـُتَّخذ، وابتعاده عن المألوف.
رفض المجتمع له.
وهكذا فإنَّ خصائص التطرف، تتضمَّن الاستقطاب، واليقين المرتبط بالالتزام بهذا الاستقطاب، والخروج عن المألوف، ورفض قَبوله في المجتمع.
السلوك المتطرف بحسَب مفهوم الكتاب، هو ظاهرة ترتبط بقضايا تتسم بالنّدرة، وقوة الدوافع التي تؤدِّي إلى حدوثها. وهناك ثلاثة جوانبَ ترتبط بهذا السلوك، أولها أن السلوك المتطرف قد يكون عنيفًا.
وثانيها أن هذا السلوك يُمكن أن يؤدِّي إلى نتائجَ سلبية أو إيجابية، تبعًا للموضوع المطروح والرؤية. وثالثها أن الدافع لهذا السلوك عادةً يكون قويًّا ومؤثِّرًا.
السلوك المتطرف يرتبط بتوجُّه عاطفي غير أن التوجُّهات العاطفية لا تقود بالضرورة إلى سلوك متطرف.
ويميز الكتاب بين الجانب العاطفي في سلوك التطرف على مستوى العَلاقة مع الآخرين، وبين هذا الجانب على مستوى عَلاقة الإنسان بذاته، ويرى أن عاطفة الهوس تقودُ إلى سلوك مُتطرف في مجالات كثيرة مع الآخرين، مثل العنف الديني، والعنف السياسي.
أما في إطار العَلاقة الشخصية مع الذات، فإن عاطفة الهوس أيضًا تؤدِّي إلى سلوك مُتطرف، مثل الإدمان، والإفلاس، والمشكلات الصحِّية، والجسدية، والنفسية.
المجموعة المتطرفة هي مجموعة لها سلوكٌ جمعي مُتعمَّد، يُخالف القواعد المعتادة.
ويُقصَد بالسلوك الجمعي: السلوك الناتج عن الأهداف المشتركة للمجموعة، والقيود المحيطة بها، وتأثيرات أعضائها في الآخرين، وتكامل نشاطاتهم وتفاعلهم.
ويُقصَد بمُخالفة القواعد المعتادة: مدى انحراف سلوك المجموعة المتطرفة عن القواعد الراسخة التي يفترض اتباعها.
ويهدف الكتاب إلى تحليل نفسي واجتماعي للجماعات المتطرفة. ويستند إلى النموذج الذي ينظر إلى التطرف على أنه خللٌ في التوازن:
يرتبط بالرغبة في تحقيق نجاح شخصي على أرض الواقع.
يهتمُّ بالحاجة إلى مرجعية عقدية وفكرية (أيديولوجية)؛ تسوِّغ أساليبَ التطرف التي تتبنَّاها المجموعة.
يتعلَّق بالشبكة الاجتماعية، التي تهتمُّ بمحاولة إيجاد شرعية ومسوِّغات لهذا السلوك المتطرف.
يقسِّم الكتاب المجموعات المتطرفة إلى جماعات: مجموعات متطرفة سياسيًّا، ومجموعات مُتطرفة عقائديًّا ذات طابع عسكري؛ ثم مجموعات مُتطرفة في نظرتها الدينية ورؤيتها الطائفية، ومجموعات مُتطرفة في اتِّباع تعليمات أحد القدِّيسين لدى أتباع الديانة المسيحية، ثُم مجموعات مُتطرفة في التوجُّه نحو موضوع واحد فقط تهتمُّ به دون غيره، وأخيرًا مجموعات مُتطرفة في موقفها في موضوعات في المجال الصحِّي.
يعرف الكتاب التطرفُ العنيف على أنه تجاوز كلِّ ما هو طبيعي أو مُعتاد أو مُتوقَّع. والتطرُّف السياسي قد يرافقه هجومٌ على الآخرين، وعنفٌ تجاه البشر والممتلكات؛ وذلك لتحقيق أهداف سياسية أو فكرية أو دينية. ويمكن أن يؤيد الشخص التطرفَ العنيف، أو يمارسه ويشارك فيه، إذا ما تبنَّى مثل هذه الأهداف. ومع أن الشخص الذي يمارس العنفَ قد يؤذي نفسه أثناء تنفيذ جريمته، وقد يصل هذا الإيذاءُ إلى الانتحار. لذا يسعى الكتاب إلى إيجاد تفسيرات علمية لهذا النوع من التطرف، وذلك بالنظر إلى العنف بشمولية أوسعَ وعُمق أكبر.
تحتاج التنظيمات الإرهابية إلى ضمِّ العناصر الجديدة إلى صفوفها باستمرار؛ حتى تضمنَ بقاءها وممارستها لأعمالها المتطرفة والعنيفة. وقد وجدت هذه التنظيماتُ في «الإنترنت» وسيلةً جيِّدة للقيام بعمليات التجنيد.. وقد اهتمَّ الباحثون بهذه الظاهرة، وقدَّموا دراسات في هذا الموضوع، لكنَّ كثيرًا من هذه الدراساتِ لم تقدِّم تصوُّرًا واضحًا وتامًّا للعوامل النفسية التي تدفع للانضمام لهذه التنظيمات. وهو ما حاول الكتاب فعله.
أن نجاح التنظيمات الإرهابية في تجنيد العناصر الجديدة بتوظيف الإنترنت، يرجع للدوافع المرتبطة بخلل التوازن التي تقود الشخص للاهتمام بمطلَب واحد وإهمال المتطلَّبات الأخرى، وهو ما يؤدِّي إلى التطرف.
وفي حال الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، والجماعات الإرهابية الأخرى، فإن المطلب الذي يسعى إليه الشخص، ويهتمُّ به على حساب بقيَّة المطالب الأخرى عادة ما يتمحور حول الإحساس بالأهمية، والانتقام من الآخرين، والقدرة على التأثير، والمكانة المتميِّزة التي يحظى بها داخل التنظيم.
كما يتناول الكتاب بالتفصيل الجوانب الفكرية التي يتبنَّاها تنظيم داعش الإرهابي، والأساليب التي يتَّبعها في تجنيد العناصر الجديدة، والدفع بهم إلى الصفوف الأمامية في العمليات القتالية والانتحارية، بفتاوى مضللة تعدهم بالشهادة والفوز بالجنة؛ بدعوي أنهم يدافعون عن الدِّين ودولة الخلافة المزعومة.
يبرز الكتاب ثلاثة أسباب رئيسة تتعلَّق بأهمية الإنترنت في عمليات التجنيد، على النحو الآتي:
أولًا: سهولةُ الحصول على المعلومات عن الأشخاص والأماكن.
ثانيًا: سهولة نشر المعلومات عن التنظيم وأفكاره ونشاطاته، ووصولها إلى المستهدَفين في أنحاء العالم، بعيدًا عن أعين الرقابة.
ثالثًا: سهولة التواصُل المباشر بين أعضاء التنظيم والعناصر المستهدَفة، وتبادل الآراء، وفتح مجالاتٍ للحوار والمناقشة، ولا سيَّما في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكِّد الكتاب أنَّ البشرية شهدت على مدار تاريخها أنواعًا مختلفة من التطرف، ولا سيَّما التطرف في حال وجود صراع بين مجموعات يكون التطرفُ فيها أداةً لخدمة أهداف أو خطط استراتيجية محدَّدة، وهو ما يتضح مع المجموعات المتطرفة أحادية التفكير والتوجُّه مثل الجماعات الإسلاموية.
الخاتمة
أهم ما نستطيع استخلاصه من توصيات من الكتابين:
حتمية استجابة دولية أقوى وأكثر فاعلية من أي وقت مضى (التنفيذ الشامل والفعال للأدوات الدولية القائمة والامتثال المتزايد للمعايير المعمول بها – تفعيل استخدام قوائم العقوبات وقوائم تجميد الأصول – توسيع وتقوية الشبكة الدولية لخلايا الاستخبارات المالية). – تطوير الأدوات التشغيلية التي أثبتت كفاءتها (دعم التعاون الدولي مع البلدان المتضررة من النزاعات المسلحة – دعم مكافحة الاتجار عبر الوطني الذي يتم حشده في تمويل الإرهاب).
تعزيز المساعدة الدولية للدول الأكثر ضعفًا (المساعدة الفنية للدول الأكثر ضعفًا لتتمكّن من إعطاء أولوية لمكافحة تمويل الإرهاب الدولي – جعل المساعدة الفنية والتشغيلية ركنًا من أركان عمل فرقة العمل المالية GAFI).
دعم التنسيق بين الدول في سنّ القوانين والعمل على الأرض لمكافحة تمويل الإرهاب (تعزيز تجانس إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب القائم – دعم الوسائل العملياتية للاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة تمويل الإرهاب – تفعيل أنظمة تجميد الأصول على المستوى الأوروبي – إنشاء وكالة رقابة أوروبية موحدة مختصة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).
التطرف لا يظهر فجأة؛ بل هو مسار مُتدرِّج يصل في النهاية إلى تغيُّر في العقلية ونمط التفكير، ومن ثَمَّ تغيُّر السلوك، والاتجاه نحو التطرف. ومن ثم تجب الإجابة عن أسئلة أساسية، تقدِّم إجاباتها رؤية مُتكاملة للتطرف، وهذه الأسئلة هي: ما الكيفيَّة التي أدَّت إلى تطور التطرف؟ ومن المستفيدُ من التطرف؟ وما أثرُ الأخلاق في منع التطرُّف؟
المراجع:
Nathalie Goulet, Abécédaire du financement du terrorisme, Cherche Midi, 2022, 434 pages.
Arie Kruglanski, Catalina Kopetz, Ewa Szumowska, The Psychology of Extremism A Motivational Perspective, Routledge, 2021, 328 Pages.
المصدر : تريندز للبحوث والاستشارات