فاضل المناصفة
في مقابلة له مع صحيفة الغارديان البريطانية يوم السبت الماضي دعا عامي أيالون الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” السلطات الإسرائيلية إلى إطلاق سراح عضو اللجنة المركزية بحركة التحرير الوطني الفلسطيني مروان البرغوثي وهو ما سيفتح الباب لتقديمه كطرف مباشر في المفاوضات المؤدية إلى حل الدولتين بما أن الرجل كان من الداعمين للخيار التفاوضي قبل أن ينقلب ضده مع فشل أوسلو في تحقيق تسوية حقيقية تجلب السلام، ويرى أيالون أيضا أن رصيد البرغوثي الشعبي كفيل بأن يضمن له الفوز في انتخابات مفتوحة أمام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ما يعني أن فتح يجب أن تستمر في مقدمة المشهد السياسي في فلسطين وهو الخيار الأقل سوءا من منظور الإسرائيليين.
في مجمل ما جاء في أفكار أيالون، فإن إسرائيل بإمكانها أن تفكر ببراغماتية وعقلانية في حلول ما بعد حرب غزة من زاوية ما يمنع تكرار حدوث ضربة أمنية مماثلة لكارثة 7 أكتوبر، وأن إطلاق سراح مروان البرغوثي لن يكون فائدة فلسطينية خالصة بل إنه في نفس الوقت فرصة لإسرائيل لتوظيف صورته وشعبيته في ملء الفراغ السياسي الذي ستستغله حماس ما بعد حرب غزة، وفي نفس الوقت لتقديم الحلول السياسية على الحلول العسكرية التي تثبت بالدليل أنها لن تعالج هواجس إسرائيل الأمنية حتى وإن استطاعت تصفية قيادات حركة حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة.
البرغوثي صاحب السجل الحافل بالعمل والنضال السياسي، وبوصفه قائد الانتفاضة الفلسطينية الثانية يملك مواصفات رجل الإجماع الفلسطيني الذي بإمكانه أن يشكل وجه السلطة الفلسطينية الجديد، والقادر على إعادة شرعيتها في نظر العديد من الفلسطينيين وهو ما سيمكنها بأن تحظى بقبول شعبي في حال عادت للإشراف على قطاع غزة ما بعد هذه الحرب، ومن المرجح أن تشكل عودته إلى الساحة السياسية الفلسطينية نهاية الجدل الدائر حول مرحلة ما بعد محمود عباس دون حدوث صراعات داخلية داخل البيت الفتحاوي ولا لحسابات أو تجاذبات سياسية وانتخابية معقدة، أو بالأحرى فإن ثقل البرغوثي كفيل بأن يحدث التوازنات وأن يضع حدا لصراع الأجنحة.
◙ إذا كان صناع القرار في إسرائيل يبحثون عن حلول جذرية لما بعد حرب غزة، ستكون الحاجة إلى دور شخصية تملك الإجماع الوطني طريقا مختصرا للتفاوض مع الفلسطينيين من أجل عملية سلام حقيقية
لا ننسى أيضا أن الرجل كان على رأس من صاغوا وثيقة الأسرى 2006 التي تشدد على تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتضع تصورا لإنهاء حالة الجمود السياسي والانقسام الفلسطيني، وهي الوثيقة التي نالت مباركة الفصائل الفلسطينية مجتمعة – باستثناء تحفظ الجهاد الإسلامي على بند المفاوضات – إضافة إلى وثيقة العهد والشراكة الوطنية التي صاغها سنة 2016 والتي يرسم فيها شكل العلاقة الإستراتيجية مع حماس في شقها السياسي، بمعنى أن البرغوثي يملك في جعبته الكثير ليحرك المياه في المشهد الفلسطيني الراكد منذ حدوث حالة الانقسام.
لكن لصناع القرار في إسرائيل قراءة مغايرة لرؤية الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، ولا شك في أن أقطاب أقصى اليمين المتطرف في إسرائيل يعارضون بشدة فكرة إطلاق سراح البرغوثي من منطلق أنها ستكون تكرارا لخطيئة إطلاق سراح يحيى السنوار ويتحججون بأن البرغوثي دعا مرارا إلى مراجعة السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني مع إسرائيل، ما يعني أن وجوده على رأس سلطة فلسطينية في الضفة سينتهي حتما بإعادة تنظيم عمل كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري الأبرز لحركة فتح، وهو ما يعني إشعال الضفة وجلب المزيد من المتاعب الأمنية إلى جانب ما تعانيه إسرائيل في قطاع غزة، وقد تلقى الفكرة المعارضة أيضا حتى من خارج دوائر القرار في إسرائيل وعلى رأسهم المعارضون لبنيامين نتنياهو من منطلق أن الإفراج عن البرغوثي لن يأتي بجديد، مادام هذا الأخير يؤمن بأن مسار المفاوضات قد أثبت عدم جدواه، وأن العمل السياسي يحتاج إلى كفاح بما فيه العمل المسلح.
مقترح عامي أيالون وإن كان لا يتجاوز مجرد الرأي الذي لا يمثل جهة رسمية في إسرائيل لكنه يستحق النظر والمناقشة، هذا إذا كان صناع القرار في إسرائيل يبحثون بالفعل عن حلول جذرية لما بعد حرب غزة، ستكون الحاجة إلى دور شخصية تملك الإجماع الوطني طريقا مختصرا للتفاوض مع الفلسطينيين من أجل عملية سلام حقيقية، هذا إذا كان نتنياهو ومن معه من المتطرفين مستعدين لأن يراعوا في هذه المفاوضات الحقوق الفلسطينية غير منقوصة وبما ينص عليه القانون الدولي، لكني على يقين بأن نتنياهو لن يتحول إلى صانع سلام في آخر ما تبقى من حياته السياسية.
نقلاً عن العرب اللندنية