كريتر نت – متابعات
من المنظور الغربي تعتبر الحرب في أوكرانيا تكملة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة ضد الشيوعية. ويعتمد الغرب على تحقيق ميزات تكتيكية وحتى إستراتيجية، لكن باحثين يرون أن النظام على النمط الغربي لا ينتصر دائما.
ويرى باحثون أن الحرب في أوكرانيا ليست معركة بين موسكو وكييف فقط بل هي معركة أنظمة بين الغرب والشرق، إذ ستشكل نتائجها التي لا تزال غير واضحة إلى حد الآن النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقد المقبل.
ويغوص كتاب “لماذا لا يمكن للغرب أن يربح دائما: من بريتون وودز إلى عالم متعدد الأقطاب” في الكيفية التي هزت بها الأحداث المتسلسلة خلال العقود الثلاثة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991 توازن القوى في العالم، بما يشير إلى نهاية ألفية توسع أوروبا الغربية.
ويعدّ الصدام الجيوسياسي العالمي الذي نشهده اليوم في الحقيقة صراعا بين القوى الاستعمارية الراغبة في الحفاظ على نظام بريتون وودز الذي يسمح باستنزاف ثروات الأمم، والدول ذات السيادة التي تسعى للاستقلال وإنهاء ألفية القمع.
ويقارن هذا الكتاب بين القوى الجيوسياسية التي برزت منذ مطلع الألفية لتحديد نقاط قوتها النسبية ونتيجة هذا الصراع المحتملة.
الصدام الجيوسياسي الذي نشهده يعدّ صراعا بين القوى الاستعمارية والدول ذات السيادة التي تسعى للاستقلال
وسارت الأحداث بوتيرة مذهلة خلال الحرب في أوكرانيا نحو تغيير النظام في روسيا، لكن الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) يخسران الحرب بالوكالة في أوكرانيا وباتت وسائل الإعلام الغربي الرئيسية تلمح إلى أن أوكرانيا قد تخسر هذه الحرب.
وفشلت عقوبات الصدمة والرعب التي فرضها الغرب على روسيا، وبدلا من تقويض الاقتصاد الروسي قوّضت العقوبات الاقتصادات الغربية، فيما بات التخلص من الدولرة يلوح في الأفق.
وأصبحت الصين وروسيا والبرازيل والهند ودول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وكينيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعتمد العملات المحلية في التجارة.
وتبيع السعودية والإمارات النفط باليوان. وتبيع غانا (وغيرها من البلدان المنتجة للنفط) الآن النفط بالذهب بدلا من الدولار. وتتاجر فرنسا (التي تعتبر أقدم حليف للولايات المتحدة) الآن مع الصين باليوان.
وتتداول الصين والبرازيل الآن بعملات بعضهما البعض. وتعتمد الهند وماليزيا حاليا الروبية الهندية في المعاملات التجارية. كما تعمل مجموعة البريكس (التحالف الاقتصادي الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) على تطوير عملتها الخاصة.
وكان التحول الجيوسياسي هائلا، حيث تضع دول مجموعة البريكس نفسها بديلا للمنتديات المالية والسياسية الدولية القائمة. وستنضم إليها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين.
ويشمل التحليل الجيوسياسي الذي يوفّره هذا الكتاب نظرة عامة تاريخية، وفهما للأنظمة المالية التي ولّدها مؤتمر بريتون وودز والتي لا تزال تهيمن على الاقتصاد العالمي، وكيف تحولت إلى أداة جيوسياسية قوية، ويطرح تحليلا اقتصاديا يعتمد على إنتاج السلع، وديناميكيات الطاقة العالمية، والتحالفات، وإستراتيجيات اللاعبين العالميين الرئيسيين.
وألّف هذا العملَ الدكتور فادي لاما، المستشار الدولي في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وهو أيضا شريك في دي.أن.أل للاستشارات الإستراتيجية، حيث يقدم خدمات استشارية في مجالات الجغرافيا الاقتصادية والصناعة والشركات الصغيرة والمتوسطة والأوساط الأكاديمية. وأسس شركة تصنيع معدات الاختبار وأنظمة الأتمتة الصناعية وهو مديرها العام. وحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من معهد جورجيا التقني، والماجستير في تكنولوجيا التصنيع من جامعة سيتي في لندن، والبكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من الجامعة الأميركية في بيروت.
ويقول روبرت إنغراهام، مؤلف كتاب الإمبراطورية الأنغلو هولندية الحديثة والمحرر السابق في مجلة أكزكيوتيف إنتليجنس ريفيو الأميركية، “إن فادي لاما قدّم رؤية غير عادية في تاريخ الأوليغارشية المالية وطبيعتها الحالية، وفسّر ما يسميه بدقة ‘قوة المال’. وتخلّص من الواجهة المعتادة التي يقبلها البعض ولا يتجاوزونها في التحليلات السياسية ويقدم للقارئ الطبيعة الفعلية التي تجعل الدول والحكومات خادمة للنظام المالي الإمبراطوري. ويعدّ هذا عملا شاملا وموثقا. وهو مثير للقلق وللتفكير”.
وأما ريتشارد سي. كوك، محلل سابق لوزارة الخزانة ومبلغ عن مخالفات تشالنجر، ومؤلف كتاب “نحن نحمل هذه الحقائق: الأمل في الإصلاح النقدي” فاعتبر أن فادي لاما فسر صعود قوة المال الغربية في السيطرة على الحكومات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم وكيفية ضمانها لهيمنة الدولار من خلال السياسات الاستعمارية الجديدة التي وضعها مؤتمر بريتون وودز في 1944.
ويعتمد العالم غير الغربي اليوم، بقيادة صينية، البنوك المركزية التي تسيطر عليها الدولة لتجاوز الغرب في الإنتاجية الصناعية. وقدّم الدكتور تحليلا مفصلا للقوى التاريخية التي تملي التحول الهائل الذي تشهده القوة الجيوسياسية العالمية اليوم.
ويعلق أندريه مارتيانوف، مؤلف “فقدان التفوق العسكري: قصر النظر في التخطيط الإستراتيجي الأميركي والتفكك: مؤشرات الانهيار الأميركي القادم” بالقول إن “هذا العمل هو من أفضل الكتب التمهيدية عن القوى الاقتصادية التي تشكّل المشهد الجيوسياسي الحديث. وهو تحليل مباشر وشرس يتناول الحقائق والأرقام التي تكشف الأسباب الرئيسية لانحدار الغرب وتردي مستواه اقتصاديا وعسكريّا وثقافيا في آخر المطاف، إن لم يكن فقدانه لأي جدوى”.
ومن الواضح أن حرب أوكرانيا وردود الفعل العالمية التي تستفزها ستكون عاملا حاسما في تشكيل النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقد المقبل. على وجه الخصوص، ستشير تصرفات الحلفاء الغربيين ورواياتهم وتخطيطهم في ما يتصل بالدور الذي سيضطلع به الجنوب العالمي في إعادة بناء أوكرانيا بعد الحرب إلى أهدافهم الإستراتيجية في الأمد البعيد. هل يريد الغرب ببساطة أن يرى روسيا مهزومة وحلف شمال الأطلسي أوسع وأكثر قوة، أو أنه قد يتصور “انتصارا” في أوكرانيا يُـرسي الأسس لعالم حيث تكون الديمقراطية أكثر أمانا والحكم العالمي أكثر شمولا وفعالية؟
وفي حين لا تزال نتيجة القتال الدائر في أوكرانيا غير مؤكدة، فإن أهداف الغرب الإستراتيجية، وخاصة كيف يعتزم التعامل مع روسيا في حالة انتصار أوكرانيا، سيكون لها عظيم الأثر. السؤال الأكثر أهمية هو عما إذا كان الحلفاء سيسعون إلى معاقبة روسيا ككل من خلال فرض عقوبات قاسية أو بدلا من ذلك استهداف نظام الرئيس فلاديمير بوتن الاستبدادي بطريقة تحد من الأعباء المفروضة على الشعب الروسي.
وفي حين أن أي تسوية شاملة للصراع في أوكرانيا يجب أن تُـلزِم روسيا بتحمل جزء من عبء إعادة البناء الناتج عن الحرب التي بدأتها، فإن مدى شِـدّة الشروط المفروضة على الشعب الروسي ستترتب عليه تداعيات سياسية. كلما كانت الشروط أشد قسوة، زادت احتمالات احتضان روسيا للصين على نحو أوثق، حتى يتسنى لكتلة صينية – روسية مُـحـكَـمة أن تصبح جزءا من النظام الجيوسياسي بعد الحرب.