كريتر نت – متابعات
أحدث إعلان كلية ضباط الاحتياط التابعة للجيش المصري تخريج أول دفعة من الأئمة المرشحين للعمل بوزارة الأوقاف جدلا واسعا، فهذه أول سابقة أن يكون تأهيل المكلفين للعمل في النواحي الدينية والدعوية من المؤهلين عسكريا.
وتنسجم الخطوة مع توجهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي أعرب مرارا عن يأسه من بطء الإجراءات المتخذة من جانب المؤسسات الدينية لتجديد الفكر والخطاب الدينيين وتكليف شخصيات وسطية لديها فهم وإدراك لخطورة التراخي في مواجهة المتشددين، ما يفسر الاعتماد على المؤسسة العسكرية.
وتستهدف هذه الدورات بناء الوعي المجتمعي وتحصين الأجيال القادمة ضد الفكر المتطرف والهدام وتحقيقا لرؤية الدولة المصرية، وهي رسالة توحي بأن الجيش من ضمن مهامه تدريب رجال الدين على مواجهة التشدد وفق متطلبات العصر.
وقوبلت الخطوة بتعليقات متحفظة وأخرى معارضة، باعتبار أن إلزام المرشحين من الوعاظ للعمل في الحقل الديني بالتدريب في جهة عسكرية لا يخلو من رؤية للمجال الدعوي بحجة مقاومة الفكر المتطرف، وليس منطقيا أن يكون بديل الخطاب الديني التقليدي خطاب آخر تقدمه عناصر لديها دوافع أمنية.
فاروق المقرحي: تدريب الأئمة عسكريا ضرورة ملحة لتجديد الخطاب الديني
وعدّد مؤيدو الخطوة مزاياها بأن المؤسسة العسكرية تملك من الوعي ما يكفي لتأهيل الأئمة على مواجهة التطرف الفكري بأحدث أساليب التدريب، لأنها ظلت على مقربة من مخططات الجماعات الإرهابية سنوات طويلة، ولديها من القدرة ما يكفي لتأهيل الدعاة الجدد وفق طبيعة المعركة الفكرية الحديثة.
كما أن تدريب وتأهيل الأئمة داخل مؤسسة عسكرية بعيدان عن وجود توجه لعسكرة المؤسسة الدينية، ويرتبطان بحاجة الدولة إلى رجال دعوة يمكنهم فهم طبيعة التغير الذي حدث على الوظيفة، وإذا لم يؤهل الدعاة بشكل جيد سوف يصابون بخمول.
وخضع الأئمة داخل كلية ضباط الاحتياط لمرحلة إعداد وتوعية بأساسيات الحياة العسكرية والانضباط العسكري ورفع الكفاءة البدنية، وفي المرحلة النهائية خضعوا لدورات تأهيلية حول المهارات الأساسية للوظيفة ولغة الخطاب العصري وثقافة الإقناع والقدرة على التحمل وضبط النفس والتفسير، وارتباط الوظيفة بالأمن القومي.
وقال السيسي في مؤتمر عقده الأزهر منذ ثلاث سنوات إن أي تقاعس في الاهتمام بملف تجديد الخطاب الديني من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين ليخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة.
ولم تقتنع المؤسسات الدينية بعد بأن إحدى مهام رجل الدعوة مواجهة التشدد كجزء من معركة أمنية وليس دعوية فقط، لأن استمرار الثغرات التي ينفذ منها أصحاب العقليات المتطرفة يهدد الأمن والاستقرار ويغذي الاستقطاب السياسي والديني، ويكرس التمييز والاحتقان الطائفي، وهي منغصات تحتاج إلى دعاة لديهم فهم ووعي بخطورة الموقف.
وكان نجاح أجهزة الأمن في القضاء على الإرهاب وتثبيت أركان الدولة أمنيا وسياسيا، نقطة تحول في علاقتها بالجماعات المتطرفة، إذ تحولت المعركة معها إلى فكرية أكثر منها أمنية، في حين لا يزال غالبية الدعاة يتعاملون بفكر نمطي قديم يعتمد على قراءة التراث ومحاولة تنقيحه للرد على حجج المتشددين.
وأكد اللواء فاروق المقرحي عضو لجنة الأمن القومي بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) أن خضوع الأئمة للتدريب على متطلبات مواجهة التطرف بصورة عصرية ولو في كيان أمني ضرورة ملحة لتسريع خطوات الدولة لتجديد الخطاب الديني كأحد مسارات القضاء على الإرهاب الفكري، لأن المعركة مع المتشددين بحاجة إلى خطاب دعوي منضبط تحكمه عوامل وسمات شخصية يصعب تكوينها بسهولة.
وأضاف لـ”العرب” أن التراخي في تكوين جيل من الدعاة يتناسب مع أبجديات المعركة الفكرية خطر على الأمن، والرئيس السيسي لم يجد استجابة واضحة في ملف تجديد الخطاب الدعوي، لذلك كانت هناك حاجة إلى صناعة جيل ثانِ من الأئمة لديهم فهم لمتطلبات المرحلة ومقتضيات الأمن القومي داخل أكبر مؤسسة أمنية.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يؤكد على أن أي تقاعس في الاهتمام بملف تجديد الخطاب الديني من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين
وتسبب التباطؤ في تخريج أئمة ودعاة ووعاظ بمهارات خاصة يخدمون متطلبات تجديد الخطاب الديني في هيمنة العناصر المتطرفة على الفضاء الإلكتروني بعد نجاحهم في هزيمة الخطاب التقليدي الذي تتبناه المؤسسة الدينية، بالتالي فإن النظام أدرك صعوبة تحقيق التجديد المنشود في الخطاب الديني من دون عناصر تدربت وتأهلت داخل منظومة منضبطة فكريا.
ويخضع المنتمون إلى الجيش وعناصر الشرطة المدنية لدورات تدريبية دائمة لتوعيتهم ضد الفكر المتطرف والتفرقة بين التدين والتشدد، باعتبار أنهم في معركة مستمرة مع التيارات التي تزعم أن حربها عقائدية، لذلك تعمل المؤسسة الأمنية على تحصين أفرادها طوال الوقت بخطاب توعوي يحصنهم من التعاطف مع أي فكر متطرف.
ويرى متابعون أن توزيع غالبية الأئمة الذين تم تدريبهم وتأهيلهم داخل الكلية العسكرية للعمل في سيناء وغيرها من المناطق المعروف عنها نشاط الفكر المتطرف، يوحي بأن السلطة صارت مقتنعة بصعوبة القضاء على الإرهاب عبر القوة الأمنية الغاشمة، ولا بديل عن الاعتماد على سلاح الوعي من خلال خطاب عصري تقدمه عناصر مؤهلة دعويا تحت مظلة أمنية.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن الخطوة وإن كانت في ظاهرها معبرة عن عسكرة المجال الدعوي، لكنها مهمة لتغيير أسلوب ونمط المواجهة مع المتطرفين، لأن الأئمة في وزارة الأوقاف اعتادوا مواجهة التشدد وهم محاصرون بقائمة محظورات خشية التطرق إلى موضوعات تمس الأمن القومي، لكنهم صاروا أكثر قدرة على التمييز بين ما يخدم التطرف وما يساعد على تثبيت الأمن والاستقرار.
وتقوم وزارة الأوقاف بتدريب الآلاف من الأئمة على التقنيات الحديثة في مواجهة المتطرفين، لتكون لديهم القدرة على مبارزتهم بنفس الأسلوب، لكن المعضلة ليست في رجل الدعوة بل في حديثه وأفكاره وشجاعته، وهو ما أدركته الحكومة وقررت أن يبدأ المرشحون للعمل الدعوي المهمة بالتأهيل داخل المؤسسة العسكرية.