هشام النجار
يحذر خبراء أمنيون غربيون من عودة ظهور تنظيم داعش على المستوى البعيد، إذ تساعد عدة عوامل في التقاط أنفاسه. ورغم أنه لم يعد يمسك أرضا، فإنه يستمر باستغلال ظروف صعبة من عدم استقرار سياسي وأمني توفر له بيئة تساعد في عودة ظهوره من جديد.
وعكس تكرار استهداف مُيسرين لداعش في سوريا بالقتل أو الاعتقال أخيرا حرص الولايات المتحدة والتحالف الدولي على تقويض شبكة تنظيم داعش العابرة للحدود، التي تنشط بين سوريا وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية.
وبعد تنفيذ غارة عبر مروحية شمالي سوريا في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي أسفرت عن القبض على القيادي المُوكل بتيسير نقل الأموال والسلاح والعناصر المُدربة بين أفرع داعش حول العالم (وهي مهام المُيَسِر) أبوخليل الفدعاني، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) بعد خمسة أيام فقط إلقاء القبض على مُيَسِر آخر للتنظيم وهو ممدوح إبراهيم الحاج شيخ.
وتسهم عمليات استهداف مُيسري داعش في تعزيز قدرة واشنطن والتحالف الدولي على تحديد أماكن الإرهابيين وإزالتهم من ساحة المعركة، والحيلولة دون تطوير الترابط العملياتي بين أفرع التنظيم النشطة في كل من الشام وآسيا وأفريقيا، لأن القادة الذين أُلقي القبض عليهم يقومون بمهام تسهيل عمليات التنظيم في الكثير من دول العالم، وليس في سوريا وحدها.
وثمة قناعة تزداد رسوخا لدى قيادات غربية عديدة، أفصحت عنها تقارير أممية ووثائق استخباراتية، مفادها امتلاك داعش طموحات لمهاجمة المصالح الأميركية، والغربية عموما، عبر نشاط منسق بين أفرعه الفاعلة وجهود قادة يحملون لقب (المُيسرين) يتمركزون في أكثر من بؤرة مشتعلة، ويمهدون لامتلاك التنظيم المتطرف أدوات للتهديد العالمي.
القادة الميسرون يملكون التأثير الأكبر في تطوير قدرات التنظيم خارج مركزه ويقومون بتطوير الشبكة العالمية
وتتعامل واشنطن والحلفاء الدوليون لها مع تهديد داعش من منطلق قدرته على ربط جهوده وأعماله بين أكثر من فرع نشط، وكل منها يدعم الآخر.
وركز التحالف الدولي على استهداف قادة التنظيم المركزي (الخلفاء) المتمركزين في سوريا في المقام الأول، من زاوية اضطلاعهم بمهمة تحريك العمليات وإطلاقها حول العالم بناءً على مسؤوليتهم المباشرة عن كل الأفرع، ما أسفر عن قتل أربعة من القادة في مناطق متفرقة بسوريا.
وقُتل اثنان من خلفاء داعش خلال فترات زمنية قصيرة لا تتجاوز العام دون أن يتمكنا من الظهور والتواصل مع أتباعهما من خلال الإصدارات الصوتية أو المرئية لشحن الروح المعنوية لأفراد التنظيم كالمعتاد.
وفقد التنظيم العشرات من قادة الصف الأول في مناطق مختلفة من شمال سوريا هذا العام على يد القوات الأميركية والتحالف الدولي، في مقدمتهم أبوسارة العراقي المسؤول الأول عن عمليات داعش في سوريا.
وأعقب استهداف قائد التنظيم المركزي النيل من المُيسرين الموكول لهم مهمة التمكين للشبكة العالمية لداعش وتطوير قدراتها على استهداف المصالح الغربية وتكريس مكانته على رأس تنظيمات الإرهاب العالمي.
ويلوذ مُيسرو داعش بالساحة السورية وبؤر أخرى نشطة في أفغانستان وبعض الدول الأفريقية، فقد شنت القوات الأميركية غارة في الصومال لاستهداف أحد أهم مُيسري التنظيم، وهو بلال السوداني في يناير الماضي.
وتمت تصفية عبدالهادي محمد الحجي علي (إبراهيم الشيخ موسى) مسؤول التخطيط العملياتي في الشرق الأوسط وأوروبا في أبريل الماضي في قرية السويدة قرب جرابلس بالصومال، علاوة على قتل مسؤول التخطيط للهجمات الخارجية في أوروبا خالد عيد الجبوري في ضربة جوية بشمال غربي سوريا في التوقيت نفسه.
إذا ارتخت قبضة القوات الأميركية وحلفائها أو خف ضغطها على سوريا، سوف يجد داعش حرية أكبر في تمكين أفرعه النشطة من القيام بتنفيذ عمليات خارجية
ويربط بين هؤلاء القادة الميدانيين والمُيسرين كونهم يملكون التأثير الأكبر في تطوير قدرات التنظيم خارج مركزه، في أفغانستان أو أفريقيا، وهم من يقومون ببناء وتطوير شبكة داعش العالمية.
وإذا ارتخت قبضة القوات الأميركية وحلفائها أو خف ضغطها على سوريا، سوف يجد داعش حرية أكبر في تمكين أفرعه النشطة، في أفغانستان (داعش خراسان) من القيام بتنفيذ عمليات خارجية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والآسيوية.
وتتصاعد المخاوف مع قيام الولايات المتحدة بنقل أصولها الاستخباراتية بعيدا عن الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ما يعني مواجهة صعوبات جمة في تتبع التهديد الذي يشكله داعش، فالتنظيم يباشر تطوير شبكته العالمية من داخل مناطق يصعب السيطرة عليها في سوريا وغيرها.
وحذر قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال مايكل كوريلا خلال اجتماع لجنة الوضع الأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من التطورات التي شهدتها أفرع داعش، حيث تخطط لتنفيذ عمليات عابرة للحدود، مشددا على أن الوضع بات خطيرا للغاية بالنسبة لواشنطن.
واشنطن تتعامل مع تهديد داعش من منطلق قدرته على ربط جهوده بين أكثر من فرع نشط، وكل منها يدعم الآخر
وكشفت وثائق سرية حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” عن بروز تهديد عالمي من وراء محاولات داعش مرة أخرى العمل على جمع فلوله وتطوير قدراته في سوريا، مدشنا لعودته على مسرح الإرهاب الدولي.
ووصفت وثائق لوزارة الدفاع الأميركية التهديد بأنه مصدر قلق أمني متزايد، حيث اطلع مسؤولو البنتاغون في ديسمبر الماضي على تسع مؤامرات، ومع حلول فبراير الماضي ارتفع عددها إلى خمس عشرة لعمليات إرهابية تستهدف سفارات ومراكز تجارية وكنائس وخطف دبلوماسيين وتحرير مقاتلين مسجونين من مراكز احتجازهم في سوريا.
وكشفت تقارير مستقلة ملحقة بالوثائق ذاتها عن جهود داعش عبر قادة تنظيمه المركزي ومُيسريه في مناطق متفرقة من العالم للحصول على خبرات صناعة أسلحة كيمياوية وتشغيل طائرات بدون طيار.
وإذا تمكن داعش من تطوير قدراته من خلال التنسيق والربط بين نشاطه في سوريا، حيث لا يزال يمتلك الآلاف من العناصر المدربة وقدرة مركزية على تمويل وتحريك الأفرع، وبين نشاطه في أفغانستان حيث بات فرع داعش خراسان من أقوى فروعه، فإن المسؤولية سوف تقع في المقام الأول على صاحب قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
وتحاول إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية تفويت الفرصة على الجمهوريين الذين لا يزالون غاضبين بشأن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس من العام 2021 عبر تفكيك الشبكة العالمية لداعش وإضعاف مركزها في سوريا، لإثبات أن واشنطن قادرة على إخراج الإرهابيين من ساحة المعركة دون وجود دائم لقواتها على الأرض.
وعلى الرغم من التطور الكبير الذي طرأ على بعض أفرع داعش في أفغانستان ومناطق في أفريقيا، فإن التنظيم لا يزال يعول على الساحة السورية، تليها العراقية، لبعث مركزيته وإحياء تهديده العالمي العابر للحدود.
ويراهن تنظيم داعش على استعادة وتحرير حوالي 11 ألف مقاتل موالين له من مختلف الجنسيات، تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، فضلًا عن الآلاف ممن لهم علاقات عائلية بالتنظيم في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، واضعا عينه على قرابة ألف طفل بهدف تجنيدهم ضمن برنامج “أشبال الخلافة”.
ويحاول التنظيم الإرهابي في سوريا إعادة بناء نفسه عبر دمج أفراده مع السكان المحليين، في الوقت الذي يشن هجمات متنوعة على قوات الأمن والعشائر لإضعاف ثقة الناس في السلطات المحلية.
ولم يغب عن داعش في سوريا هدف استعادة السيطرة على الأرض حين تسمح الظروف بذلك، من خلال التركيز على استنزاف قوات الجيش السوري عبر نشر كمائن وإيقاع خسائر كبيرة في صفوفها، ومهاجمة وجهاء القبائل، هادفا إلى إحداث فراغ جغرافي تحتله عناصره فيما بعد.
وتبنى التنظيم، الذي ينشط في وسط وشمال شرق سوريا وتوجد القاعدة الخلفية لعملياته بالبادية السورية، في أغسطس الماضي، تنفيذ عدد من العمليات النوعية ضد قوات الجيش أوقعت العشرات من القتلى والجرحى.
التنظيم الإرهابي في سوريا يحاول إعادة بناء نفسه عبر دمج أفراده مع السكان المحليين في الوقت الذي يشن هجمات متنوعة على قوات الأمن والعشائر
ويستفيد داعش من تضارب المصالح بين القوى الفاعلة على الأرض السورية واستقلال كل منها بمناطق تحت سيطرتها تعتنق هوية وإستراتيجية مختلفة عن الأخرى، ما أوجد معادلات متناقضة تحول دون الوصول إلى حوار داخلي من أجل التمكن من وضع حلول سياسية.
ويجري استثمار عمليات داعش من قبل جميع الأطراف تحت زعم قيام كل منها بمهمة مكافحة الإرهاب، وأصبح اتهام الخصوم بالتعاون مع داعش من العناوين الرئيسية لتبرير مواصلة الحضور بما يخدم خطط وأهداف ومصالح كل طرف.
وصبت الاشتباكات التي جرت بين القوات الكردية والقوات العربية القبلية مؤخرًا في مصلحة داعش، والذي شعر أنصاره بالشماتة على خلفية وقوع مواجهات دامية بين العرب المحليين وقوات سوريا الديمقراطية، إذ قاتلت المجموعتان بشكل مشترك ضد التنظيم في شرق سوريا سابقا.
ويعمل عنصر الوقت لصالح داعش، في ظل وجود خلافات بين الحلفاء مثل تلك التي جرت بين واشنطن والأكراد حول مصير مقاتلي داعش الأجانب، وبين الأكراد وبعض القبائل العربية، فيما تترسخ الانقسامات الحاصلة بطول الجغرافيا السورية وعرضها، ما يبعد أمل الوحدة وتماسك الدولة، وهما الضامن الرئيسي لإبعاد شبح داعش عن الفضاء السوري.
المصدر العرب اللندنية