كريتر نت – متابعات
تعددت زيارات المسؤولين الأميركيين إلى الجزائر في الفترة الأخيرة بهدف الضغط على النظام من أجل النأي بنفسه عن روسيا بصفة جدية، في وقت تقول فيه تقارير مختلفة إن وعود الجزائر بشأن “الحياد” لا تعدو أن تكون نوعا من التضليل ومجاراة للضغوط الغربية المتزايدة.
وتقوم وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون التسلح والأمن الدولي بوني جنكيز بزيارة إلى الجزائر تدوم عدة أيام، تلتقي خلالها بمسؤولين كبار في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس عبدالمجيد تبون، وينتظر أن يكون الموقف الجزائري من روسيا ومن الوجود الإيراني في شمال أفريقيا محور هذه اللقاءات.
وبحسب بيان لوزارة الخارجية الأميركية، ستلتقي جنكيز بعدد من السفراء المعتمدين في الجزائر لبحث مسائل التسليح والأمن الدولي.
ومنذ الزيارة التي أداها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الجزائر نهاية شهر مارس الماضي، في إطار جولة قادته إلى المنطقة، توافد العديد من المسؤولين الأميركيين على العاصمة الجزائرية، وكان آخر ذلك زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية بأفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانجلي. كما سجل نشاط لافت للسفيرة الأميركية بالجزائر، التي التقت في وقت سابق قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة.
ورغم كثرة الزيارات، فإن إدارة الرئيس جو بايدن لم تتمكن من الحصول على موقف جزائري واضح بشأن التعامل مع روسيا، ما قد يقود واشنطن إلى تغيير أسلوبها من الحوار والترغيب إلى أسلوب الترهيب، والمرور إلى إقرار عقوبات ضد الجزائر كما طالب بذلك مشرعون أميركيون.
وتسعى واشنطن، إلى جانب دول أوروبية، لممارسة ضغوط ناعمة على الجزائر من أجل إبعادها عن المعسكر الروسي، ومطالبتها بضخ المزيد من الغاز إلى الأسواق الأوروبية لتعويض النقص المسجل لديها نتيجة العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية.
وسعت الجزائر للإيحاء بأنها تنأى بنفسها عن روسيا، بإلغاء المناورات المشتركة التي كانت مقررة في نوفمبر الماضي، وتأجيل زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لموسكو إلى مايو القادم بعد أن كانت مقررة في نهاية العام الماضي. لكن تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف واعترف فيها بإجراء المناورات زادت من شكوك واشنطن تجاه جدية النظام الجزائري في الالتزام بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وضمن سياسة “الحياد” تجاه روسيا انتقد الرئيس الجزائري وجود عناصر فاغنر في مالي، وذلك في حوار أجراه مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حيث اعتبر أن الأموال التي تصرف على العناصر الروسية كان الأجدى استغلالها في التنمية.
وعادت وتيرة الاتصالات خلال الأسابيع الأخيرة بين المسؤولين الجزائريين ونظرائهم الروس، لاسيما فيما يتعلق بترتيبات الزيارة المؤجلة منذ شهر ديسمبر الماضي والتي من المزمع أن يقوم بها الرئيس تبون، الأمر الذي أعاد الشكوك الأميركية والأوروبية حول حقيقة الموقف الجزائري من المسألة.
ويشكل ملف التسليح والأمن الدولي في المنطقة هاجسا كبيرا للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الليبية، والوضع في دول الساحل والصحراء، لاسيما في ظل التغلغل المتزايد للنفوذ الروسي عبر بوابة مجموعة فاغنر التي تضطلع بتأمين بعض المصالح والمؤسسات الحكومية، مقابل صعود تيار سياسي وشعبي مناهض للوجود التقليدي الفرنسي في القارة السمراء.
ولا تفوت الجزائر فرصة تقديم نفسها كرأس حربة في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، لكن انتماءها إلى المدرسة الروسية في التسليح والإمداد يبقى مصدر قلق لواشنطن، خاصة في ظل الحديث عن صفقات تسليح يجري الإعداد لها مع موسكو، إلى جانب “اتفاقية شراكة إستراتيجية معمقة”، الأمر الذي أثار مخاوف دوائر ونخب أميركية وأوروبية، دعت حكوماتها إلى إنزال عقوبات على الجزائر بسبب تقاربها الوثيق مع روسيا.
وشدد الرئيس الجزائري في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن بلاده “صديقة لأميركا ولأوروبا وتحترم مصالح الجميع”، في رسالة لطمأنة هؤلاء على المواقف الجزائرية، إلا أن فك الارتباط مع روسيا يبقى الهدف الذي يبحث عنه الغرب لدى الجزائر.