سمير داود حنوش
من الواضح الذي لا يقبل التأويل والتفسير أن العلاقة بين الديمقراطية والإسلام السياسي علاقة مُعقّدة ومتوترة تتجلّى إلى فقدان الثقة بين الطرفين.
ومن المؤكد أن الذي زاد في شرخ هذه العلاقة هو الدستور العراقي الذي ألزم بعدم جواز تعارض أي قانون مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفي ذات الوقت كفل هذا الدستور مبادئ الحرية والتعبير عن الرأي في تناقض لايُمكن تفسيره بأي منطق.
سَرَديّة تجعل من الديمقراطية المزعومة مُجرد إكذوبة كبيرة تمارسها السلطة التي تمتلك مفاتيح الدين والسياسة كلٌ تدعم الأخرى، حين يُكتشف أنهما وجهان لعملة واحدة هي السلطة.
بعد مايُقارب العقدين من إحتلال العراق إكتشف العراقيون أن الديمقراطية ماهي إلا قناع يخفي هؤلاء الساسة وجوهاً غامضة ومخيفة، أفلحت إنتفاضة تشرين عندما عَرّت تلك الوجوه وفضحتها بالرغم من ذلك الثمن الغالي الذي دفعه الشعب فيما يُقارب 800 قتيل وأكثر من 30 ألف جريح ومعوّق.
حُكّام العراق الجُدد الذين حكموا بعد عام 2003 يبدو أنهم قرأؤا التاريخ جيداً وتعلموا من دروس مُستبديه وإستنبطوا تجارب الآخرين في شهوة السلطة والديكتاتورية وعدم ضبط إيقاعها بدليل انهم إستنسخوا تجارب من سبقهم في التنكيل والتجويع والإضطهاد.
الرأي العام في العراق بدأ يستوعب أن الديمقراطية ذلك الثوب الفضفاض الذي ألبسته أمريكا لهم يختبئ مُهرجون وفاسدون تحتها وأوغاد إعتادوا التزحلق على جبال التزييف وقلب الحقائق.
مشكلة السياسي في العراق أنه لا يأخذ العبرة من خواتيم الماضي، ولايُقيم وزناً لأخطائه، ولا يستفيد من أخطاء الآخرين وهفواتهم، على إعتبار أن السلطة تُتيح له ما لايُتاح لغيره.
في كل موعد إنتخابي تُثبت النتائج كراهية الديمقراطية والحقد الدفين من التداول السلمي للسلطة، المتربصون بالمشهد السياسي لا تقنعهم الديمقراطية مالم تكن متلائمة مع رغباتهم السلطوية وتلك الإعتراضات التي تطلقها القوائم الخاسرة في عدم إعترافهم بالنتائج في توثيق رسمي بإنقلابهم على شعارات الديمقراطية التي يتبجحون بها.
لقد أصبحت الديمقراطية ساحة لتصفية الحسابات ولنعترف أن مفهوم الديمقراطية تحوّل إلى بلاء في أنظمة الإسلام السياسي مع إزدياد الإفتقار إلى العمل المؤسساتي الذي زاد من فجوة التناقض، المصيبة أن الناس إستسلمت للواقع الذي تفرضه جدلية السلطة أو الإنجراف بعيداً حيث الهاوية.
لم يستوعب ساسة العراق الحكمة التي تقول “نشأت سلطة تحكم، ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد إجتماعي يفرض بأن يقوم كلٌ منهما بواجبه، فإذا أخلّ فريق بواجبه، حقَ للآخر فك العقد والثورة عليه” كما يقول جان جاك روسو، وكثيراً ما أوحى إلى تلك الأكثرية الحاكمة كيف يُديرون صناديق الإنتخابات ويتفوقون بها دون أن يُقدموا أي نجاح ملموس لمواطنهم الذي أغرقته بحور الفقر والحرمان.
ورطة الديمقراطية التي خدعوا أنفسهم وأوهموا الناس أنهم من دعاتها حين خلطوا لهم خلطة غريبة إمتزجت الحرية بالإستبداد فأنتجت مُركباً لاطعم ولا لون ولا رائحة له، وَلَدت مسوخاً مُشوهاً سموه الديمقراطية في العراق، كانت سنواتها العِجاف طويلة أفظع من أن تُذكر.
هبة الديمقراطية التي منحها الجلّاد أو المحتل للعراقيين جعلتهم يستقرون في قعور الفوضى والفساد والضياع، هي الديمقراطية المزيفة التي جاء بها الإسلام السياسي في أي صورة أرادها، في تناقض غريب بين العالمين يدفع ثمنه هذا الشعب المغلوب على أمره.
نقلا عن “ميدل إيست أونلاين”