أحمد حافظ
أعادت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر تسخين الأجواء السياسية بعد فترة من الهدوء بتدشين حملة توقيعات لرفض مشروع قانون إنشاء صندوق خاص لهيئة قناة السويس، وطالبت مجلس النواب بسحبه فورا، فيما أكدت الأحزاب المنضمة إلى الحركة تمسكها بموقفها الرافض للقانون قبل أن تعلن الحكومة رسميا سحبه.
ويظهر مضمون قرار أحزاب المعارضة أن قيادتها قررت الدخول في تحدٍ صريح مع الحكومة التي تُدرك خطورة التداعيات السياسية الناجمة عن استمرارها في مشروع بدأ يحظى بغضب مجتمعي، وتصدير صورة سلبية للشارع عن جدوى المشروع، وتم تسويق فكرة الحكومة على أنها ترغب في “رهن قناة السويس لسداد ديون مصر”.
ورغم نفي الحكومة والبرلمان وهيئة قناة السويس ثم الرئيس عبدالفتاح السيسي كل هذه الادعاءات ووصفها بـ”الباطلة”، لكن أحزاب المعارضة أعادت النبش في القضية بعد هدوء استمر بضعة أيام، حيث ترغب الحركة المدنية المعارضة في عدم دفن الملف ليظل على الساحة السياسية لأطول فترة ممكنة، فقد يجلب للمعارضة مكاسب عدة.
محمد سامي: الوقوف بوجه القانون لا يرتبط بموقف ضد النظام
ودعت الحركة القوى الوطنية والشخصيات السياسية المؤيدة والمعارضة للسلطة إلى المشاركة في تأسيس حملة شعبية والتوقيع على عريضة تحمل اسم “الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس”، مؤكدة أن المشروع ينطوي على مخاطر اقتصادية أو مرتبطة بالسيادة الوطنية والأمن القومي للبلاد.
وقال الرئيس السابق لحزب الكرامة محمد سامي لـ”العرب”، وهو أحد أبرز الأحزاب المشاركة في تجمع الحركة المدنية الديمقراطية، إن الوقوف بوجه قانون صندوق القناة لا يرتبط بموقف ضد النظام المصري نفسه، ويتعلق بدور المعارضة التي يجب أن يكون لها موقف حاسم في القضايا الوطنية التي تشغل بال الشارع، مستبعدا وجود “أهداف سياسية ضيقة للحركة المدنية”.
ويرى مراقبون أن بعض أحزاب المعارضة تحاول تسخين الأرض سياسيا وتسعى نحو استغلال أزمة قناة السويس للعودة إلى المشهد العام من خلال ملف حيوي بشكل يسهل عليها مهمة تجييش الشارع خلفها وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة لسد الثغرات أمام الحكومة والنظام برمّته لتضييق الخيارات عليهما، بحيث لا يكون هناك حل للأزمة سوى سحب مشروع القانون أو تجميده إلى أجل غير مسمى.
ويشير المراقبون إلى أن بعض القوى المدنية تعول على تذمر الشارع من خطط الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية، سواء أكانت مرتبطة بالدولة عموما، أو قطاع حيوي وطني مثل قناة السويس، وهذا يختلف عن أي مشكلة أخرى كانت تخص فئة بعينها في المجتمع، لذلك قد تنجح المعارضة في كسب الجولة لصالحها، ليس رضوخا من النظام للأحزاب، بل خشية الصدام مع شارع ربما يتّحد مع أهدافها.
وقالت أحزاب المعارضة إن شخصيات عامة وسياسية شاركت في التوقيع على الحملة الشعبية لحماية قناة السويس بدافع الحفاظ على السيادة المصرية، وهي رسالة تحمل في ثناياها إشارات سلبية للحكومة بأنها “ليست أمينة ولا حريصة على الأمن القومي، بنفس الاهتمام الذي تتعامل به الحركة المدنية، ما يحرجها سياسيا وأمنيا”.
وترى دوائر سياسية أن النظام المصري لن يرضخ لابتزاز بعض القوى الحزبية المعارضة بإلغاء مشروع قانون إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، لأن صندوق قناة السويس قائم بالفعل، وبه بضعة مليارات من الجنيهات، وما يحدث من جانب الحكومة حاليا يكمن في إضفاء مشروعية قانونية على وجوده، بالتالي سوف يستمر على حاله ولو من دون صدور القانون بشكل نهائي.
ويشير صياح المعارضة وصمت الحكومة إلى أن الأخيرة تتعامل مع تصعيد الأولى بمنطق أنها تبحث عن مكاسب سياسية ليس أكثر، ما يعني أنها لا تنوي منحها فرصة لمزيد من الضغط عليها لسحب مشروع القانون من البرلمان، فقد يتم تجميده لفترة محدودة، لكنه لن يتم دفنه، لأن ذلك يعني أن النظام الحاكم كان يسير في الطريق الخطأ ويعمل ضد مصالح الدولة إلى أن جاءت المعارضة لتصويب تحركاته.
مدحت الزاهد: الحملة الشعبية لحماية قناة السويس مستمرة إلى حين تحقيق أهدافها
ويسمح مشروع القانون المقدم من الحكومة لصندوق هيئة قناة السويس بزيادة قدرتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرافقها بشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها بعيدا عن الموازنة العامة للدولة.
وتستثمر قوى المعارضة في تراجع ثقة الشارع في الحكومة إلى أدنى مستوى لممارسة المزيد من الضغوط عليها بالتلميح إلى وجود نية لخصخصة قناة السويس، وهذا يمثل “خطا أحمر” عند المصريين بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية، ما يسهل استنفار الشارع خلف أي كيان يقدم نفسه للناس على أنه يتصدى لـ”بيع القناة”.
وأكد مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد القوى الحزبية التي تتشكل منها الحركة المدنية، أن هناك نية لتنظيم “أنشطة سلمية” بالتوازي مع تدشين حملة لجمع التوقيعات إلكترونيا ضد مشروع صندوق هيئة قناة السويس، وأن الانضمام إلى الحملة الشعبية مفتوح للجميع “عدا من تلوثت أيديهم بالدماء أو الفساد”، في إشارة مباشرة إلى جماعة الإخوان وأنصارها من تيارات الإسلام السياسي.
وأكد الزاهد لـ”العرب” أن الحملة الشعبية لحماية قناة السويس مستمرة إلى حين تحقيق أهدافها، ولا يوجد سقف زمني لتوقفها، لافتا إلى وجود إقبال كبير على الاشتراك فيها، بحجة أن الناس يعون جيدا أهداف الحركة المدنية بالحفاظ على مقومات الدولة واستقرارها وعدم العمل لصالح كيانات سياسية مشبوهة أو متهمة بارتكاب جرائم.
وأغلق رموز في المعارضة الباب أمام أي هجوم مضاد من شخصيات سياسية وإعلامية مقربة من الحكومة تتهمهم بالعمل لصالح الإخوان، وهي التهمة التي طالما تم لصقها بكل من يعارض أي قرار أو قانون عليه علامات استفهام كنوع من الترهيب السياسي، ما يشي بأن الحركة المدنية ماضية في مناكفة النظام إذا أقنعت الشارع بأنها تعمل بدوافع وطنية حقيقية ولا علاقة لها بالإخوان أو أنها تتحرك لأغراض مشبوهة.
المصدر العرب اللندنية