كريتر نت – متابعات
يبدو السودان بعد أربع سنوات من الثورة على حكم الرئيس السابق عمر البشير، بعيدا عن الاستقرار في ظل استمرار الانقسامات وتعمق الخلافات بين الجيش والمدنيين.
تتجدد الأزمات في السودان بشكل مستمر منذ اندلاع الثورة السودانية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير دون أن تجد حلا أو مسارا يوقف تكرارها إلى الدرجة التي أضحت مألوفة ومتوقعة للجميع، في ظل حالة من الارتباك تهيمن على المشهد العام، مع ضيق الأفق لتدشين أسس بناء الدولة المدنية الحديثة.
ويعاد إنتاج الخلافات بين المدنيين والعسكريين، وتحولت إلى ما يشبه لعبة “القط والفأر” بين الطرفين، ويهيمن التشرذم على القوى السياسية التي بدت متوحدة لفترة قصيرة عند إزاحة البشير قبل أن تتفتت مع توالي الانسحابات والاستقالات من تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يضم طيفا واسعا من الحركات السياسية.
ولم تتمكن حكومتا عبدالله حمدوك من الصمود، وخلال تشكيلهما جابه الرجل المشكلات نفسها، والتي تتعلق بانقسام القوى السياسية حول برنامج عملها وعدم قدرتها على توفير الغطاء الذي يدعم استمرارها.
كما أن الوثائق الدستورية التي تم التوقيع عليها منذ قيام الجيش بالانقلاب عليها نقضت من قبل القوى التي وقعت عليها، وتبحث الأطراف المتصدرة للمشهد في الوقت الراهن عن وسيلة جديدة للتوافق حول نفس البنود تقريبا التي جرى نقضها.
منتصر الطيب: السياسيون يتجاهلون توحيد الشعب خلف مشروع وطني
وبعد مرور الذكرى الرابعة للثورة على البشير في التاسع عشر من ديسمبر يتذكر الناس ما وصلوا إليه بمرارة، حيث يتم التوقيع على اتفاقيات وتحالفات ثنائية وجماعية بين قوى سياسية وحركات مسلحة ثم سرعان ما يتم التخلي عنها.
وتحولت بعض فنادق الخرطوم إلى عرض مستمر لتدشين تحالفات لا تأتي غالبا بجديد ولم تستطع إحداث الفارق على مستوى تحريك الجمود، وبدت كأنها حرث في الماء، بل إن الكثير منها تشرذم ويواجه تجميدا متعمدا أحيانا.
وأعلنت مجموعة من الثوار ولجان المقاومة الثلاثاء عن شروعهم في تشكيل جسم سياسي تحت شعار “حراك ديسمبر السياسي”، يستهدف التصعيد بما يتوافق مع متطلبات الشارع، وهي مبادئ عامة تتكرر في كثير من الكيانات الشبيهة ما يضع البلاد أمام عملية لافتة من إعادة تدوير التحالفات في تنظيمات مختلفة.
ومثلما يعاد تدوير أزمات المركز، لا يختلف الهامش كثيرا، فالاقتتال القبلي وتجدد الصراعات بين القوى الموجودة هناك لا يتوقفان، ولم يحقق اتفاق جوبا للسلام اختراقا لحلحلة الأزمات المزمنة.
كما أن مناطق لم تكن منخرطة بشكل كبير في الصراع المسلح والقبلي دخلت على الخط، وأخذت تدور في الدائرة المفرغة ذاتها من النزاعات، ويبرهن ما يحدث في شرق السودان على أن أزمات الهامش تفوق ما يحدث في المركز.
وقال رئيس مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم للتحول الديمقراطي منتصر الطيب إن السودانيين يُعيدون أزماتهم السياسية منذ الحصول على الاستقلال، في خمسينات القرن الماضي، ولم يتمكنوا من الوصول إلى صيغة سياسية تسمح لهم بالتفرغ لحل قضايا الوطن الرئيسية، ويغرقون دائما في السياسة وخلافاتها دون أن يمتلك أي طرف القدرة على إخراجهم من الدائرة الجهنمية التي أضرت كثيرا بالبلاد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القائمين على السلطة يتجاهلون توحيد الشعب خلف مشروع وطني به خلافات لكن ليست صفرية كتلك الموجودة حاليا وتعرقل محاولات التقدم، ما وضع البلاد في حالة متردية في الخدمات العامة، كالتعليم والصحة والبنية التحتية وطغى السجال السياسي على تقديم حلول نهائية للمشكلات.
وشدد على أن تعدد المشاريع في البلاد بين “مشروع إسلامي” وآخر “وطني” وثالث يدعم “الوحدة القومية” جعل السودان متشرذما طيلة فترة حكم البشير، ولا تزال هذه الحالة مستمرة حتى الآن في غياب المشروع الجامع، مع أن الوصول إلى حالة التوافق ليس مستحيلا، لكنه بحاجة إلى بلورة رؤية شاملة.
ويعتبر الطيب أنه لا مخرج من الأزمة الراهنة سوى بوضع أسس تمهد لتنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة، وأن الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه مؤخرا بين قادة الجيش وعدد من القوى السياسية يشكل منفذا مهما لإنهاء الفترة الانتقالية التي برهنت على أنه ليس هناك طرف يستطيع فرض قوته على الأرض.
الحراك متواصل في السودان
ووقع قادة الجيش في الخامس من ديسمبر الحالي اتفاقا إطاريا مع عدد من القوى السياسية ينص على نقل السلطة للمدنيين والنأي بالقوات المسلحة عن الحياة السياسية، على أن يكون رئيس الوزراء المدني الجديد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لكنّ عددا من لجان المقاومة التي تقود الحراك في الشارع السوداني، وقوى سياسية وتجمعات مهنية أعلنت رفضها للاتفاق.
وتحيط بالعملية السياسية ضبابية، جاءت على خلفية الاحتجاجات المتواصلة الرافضة للإجراءات التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في أكتوبر من العام الماضي، أنهت الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
وتزايدت الشكوك حول مستقبل الاتفاق بعد تصريحات أدلى بها البرهان في إحدى الحاميات العسكرية، أشار فيها إلى أن الجيش لن يعمل تحت إمرة حكومة مدنية ما لم تكن منتخبة، رابطا موافقة الجيش على الاتفاق النهائي الذي يجري التشاور عليه لحل الأزمة السياسية بعدم إقصاء أي جهة وعدم المساس بما أسماه “ثوابت الوطن”.
بعض فنادق الخرطوم تحولت إلى عرض مستمر لتدشين تحالفات لا تأتي غالبا بجديد ولم تستطع إحداث الفارق على مستوى تحريك الجمود،
وأكد الكاتب السوداني مرتضى الغالي أن نظام البشير تعمد ترك دولة غير صالحة للحكم حال غاب عن المشهد، ما أسهم في خروج جماعات ليس لها حضور ظاهر في فترة حكمه، كانت سببا في عرقلة المرحلة الانتقالية وإفشال تأسيس دولة مدنية حديثة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التخريب المتعمد في الجيش السوداني عبر تسييسه وإيجاد صلات بين الرتب العليا بدءا من منصب عميد ونظام الإخوان يجعل الحل مستعصيا، فغالبية الرتب الكبيرة والصغيرة لديها توجهات تابعة للنظام السابق، ما فتح الباب أمام عودة فلول البشير إلى الساحة السياسية مرة أخرى، بجانب جماعات أخرى لديها مصلحة في أن يقف السودان في مكانه دون أن يتحرك للأمام.
ولفت إلى أن السودان يعاني من هشاشة إدارية نتيجة كثرة المحليات وتفريعاتها في الأقاليم، وللنظام السابق جماعات تابعة له في كل محلية تقريبا، في الغرب أو الشمال أو الجنوب أو الخرطوم، ما يخلق صعوبات عديدة في التعاطي مع المشكلات التي حاولت لجان المقاومة أن تكون بديلا لها، غير أنها اصطدمت بصعوبات عدة.
ولدى الغالي قناعة بأن دور الشارع مهم، والذي لا يزال يحافظ على قوته رغم انفصال بعض القوى التي وقعت على الاتفاق الإطاري، خاصة أن كثرة التدخلات الخارجية لن تتمكن من حل الأزمة، وتوالي المبعوثين من جهات متباينة وتعدد الوساطات التي يملك أصحابها مصالح معينة سوف يفاقمان الأزمة ولا يساعدان على حلها.