كريتر نت – متابعات
تعكس تصريحات أدلى بها الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي الأولى منذ إجراء الانتخابات التشريعية، توجها نحو مقابلة تصعيد الأحزاب المعارضة والاتحاد العام التونسي للشغل بالتصعيد والمواجهة.
وتضغط المعارضة واتحاد الشغل لإجراء حوار وطني، مستخدمَيْن ورقة ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات الأخيرة للتشكيك في شرعية الرئيس والبرلمان الجديد معًا.
ودعت جبهة الخلاص الوطني والحزب الدستوري الحر قيس سعيد إلى الاستقالة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، في حين أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الخميس استعداد الاتحاد لإطلاق مبادرة “لإنقاذ البلاد”.
نبيل الرابحي: مضمون الرسائل الذي أراد قيس سعيد إبلاغه هو لا رجوع إلى الوراء
وقال الطبوبي الخميس “لن نقبل الفوضى وانهيار البلاد، لسنا ضد الأحزاب التي تبني الحياة السياسية وتتسابق حول برامج وخيارات”.
وأشار إلى أن البلاد “تعاني من أربع مشاكل بالأساس وهي قانونية ودستورية واقتصادية واجتماعية. وفي المقابل تجد المعارضة تسب والسلطة كذلك دون التقاء أو حوار”، في محاولة لإظهار الحياد ولعب دور الوسيط وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل مسار 25 يوليو، حيث كان الاتحاد يلعب دورا سياسيا أنهاه قيس سعيد.
وقلّل الرئيس التونسي من أهمية الإقبال الضعيف على المشاركة في الانتخابات، معتبرا أن 12 في المئة أفضل من 99 في المئة السابقة.
ومساء الأربعاء، خلال اجتماع وزاري في قصر قرطاج، قال قيس سعيد إن هذه الانتخابات “جرت في كنف احترام القانون”، بحسب وكالة الأنباء التونسية الرسمية. وبلغت نسبة المشاركة خلال الدور الأول 11.22 في المئة، وهي النسبة الأدنى منذ ثورة 2011.
وفي حين تصر المعارضة على أن العزوف الانتخابي دليل على عدم شعبية الرئيس ويسحب الشرعية منه ومن البرلمان الجديد، يقول محللون إن للأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، بالإضافة إلى ضعف الحملات الانتخابية، دورا في ذلك العزوف.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع مستوى التضخم إلى 10 في المئة، كما أسهمت تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية في غلاء أسعار المواد الأساسية مثل القمح والمحروقات.
وقال قيس سعيد إن “الدولة قوية بمؤسساتها وليست غنيمة كما يدعي البعض”، مشددا على أن “هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر”، وأنه “لا يمكن للمتطاولين على الدولة ورموزها أن يبقوا دون جزاء في إطار القانون”.
جاء ذلك ضمن كلمة ألقاها الرئيس التونسي في مستهل اجتماع حضرته رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء العدل ليلى جفال والداخلية توفيق شرف الدين والدفاع الوطني عماد مميش، إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية.
◙ الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن إضرابا عاما في قطاع النقل نهاية يناير المقبل، وهي الخطوة التي قد تعقبها إضربات واحتجاجات أخرى
وصرح رئيس الدولة، في كلمته التي بثها التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء، بأنه “لا مجال لأن يحل أحد محل الدولة ومؤسساتها”، وأن “السيادة خط أحمر ولن يتم التفريط في أي جزء منها مهما كانت الأهوال”.
وشدد قيس سعيد على ضرورة تطبيق القانون للحفاظ على الوطن والدولة والمؤسسات والشعب، وقال إن “من يسعى إلى ضرب الدولة من الداخل والسلم الأهلي سيتحمل مسؤوليته كاملة”.
ووصف الرئيس المعنيين بكلامه بـ”الفاسدين والخونة الذين يتعمدون كل يوم ضرب مؤسسات الدولة وخلق الأزمة تلو الأخرى”، مؤكدا أن “التطاول على الدولة ورموزها ومؤسساتها يرتقي إلى جريمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، وأنه لن يترك الشعب والدولة والوطن “لقمة سائغة على موائد اللئام”.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “خطاب الرئيس لم يتغير منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية، وخطابه الأخير فيه ردّ على حادث جرجيس (جنوب) وعلى القضاء الذي لم يتخلّص بعد من الدولة العميقة التي تحكمه”.
وذكر قيس سعيد الأربعاء خلال اجتماع مجلس الأمن القومي أن القارب الذي غرق في سواحل جرجيس وعلى متنه 18 ضحية لفظه البحر وكان مثقوبا ولا يتسع إلا لسبعة أشخاص.
وأضاف أنه تم دفن عدد من الضحايا وإعادة إخراج رفاتهم بهدف تأجيج الأوضاع في المنطقة، متهما أطرافا بتلقي أموال من الخارج تتراوح بين 100 ألف دينار (حوالي 30 ألف دولار) و400 ألف دينار تم تحويلها إليهم من فرنسا.
المنذر ثابت: نقطة اللاعودة إلى ما قبل مسار 25 يوليو لا تسمح لقيس سعيد بالتراجع
وكانت المدينة شهدت اضطرابات واحتجاجات على خلفية غرق قارب للهجرة غير الشرعية كان على متنه عدد من شباب المدينة.
وقال الرابحي لـ”العرب”، “يبدو أن الرئيس سعيّد ينوي تطهير البلاد بالكامل، وهو يقصد بالخطاب كل الأشخاص الذين ساهموا في تشويه المشهد خلال السنوات العشر الأخيرة، ويدعو إلى محاسبتهم”. واستطرد قائلا “مضمون الرسائل الذي أراد قيس سعيّد إبلاغه هو لا رجوع إلى الوراء”.
في المقابل اعتبر الناشط السياسي المنذر ثابت أن “خطاب الرئيس متشنّج بكل المقاييس، بقطع النظر عن تصعيد المعارضة واتحاد الشغل، ويؤكد أن منهجية الفعل السياسي كانت منذ 25 يوليو 2021 مؤسسة على فكر انعزالي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “نقطة اللاعودة إلى ما قبل مسار 25 يوليو لا تسمح لقيس سعيد بالتراجع، وكل خطوة إلى الوراء أو تراجع يعتبران انتحارا سياسيا للرئيس، والموقف المؤسس هو موقف يشيطن الماضي ويتعالى على الواقع ويدّعي أنه الأسمى”.
وتابع ثابت “هذا التصعيد سيوصلنا إلى الصدام والمواجهة، والأحداث تتجه نحو سيناريو حسم عنيف، وكل جبهات المشهد السياسي تتّبع ذلك”.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن إضرابا عاما في قطاع النقل نهاية يناير المقبل، وهي الخطوة التي قد تعقبها إضربات واحتجاجات أخرى، إذ تلوّح أحزاب المعارضة بالاحتجاج والتظاهر وسط شكوك في قدرتها على حشد الشارع.