كتب .. د. عارف محمد ناجي الحوشبي
مدير عام المركز الوطني للتثقيف
والإعلام الصحي والسكاني
يعد الخناق (الدفتيريا) من الأمراض المعدية الخطيرة التي كادت أن تختفي من بلادنا بفضل برامج التحصين الصحي الشامل واليوم اصبح هذا المرض يشكل تهديدا خطيرا نظرا لعزوف عدد غير قليل من اولياء الامور عن تحصين اطفالهم باللقاحات الروتينية على الرغم من توفر اللقاحات في المرافق الصحية الحكومية وبصورة مجانية ودائمة.
تنجم الإصابة بهذا المرض عن بكتيريا Corynebacterium diphtheriae التي تنتج سمًّا خطيرا يهاجم الجهاز التنفسي وقد يؤثر أيضا على القلب والأعصاب مما يجعل الاصابة بهذا المرض من الحالات الطبية الطارئة التي تتطلب علاجًا سريعا، فهو مرض بكتيري حاد يصيب غالبًا الحلق والأنف وتظهر أعراضه عادة من خلال التهاب شديد في الحلق وصعوبة في التنفس مع ظهور غشاء سميك رمادي اللون على اللوزتين والحلق مصحوب بارتفاع درجة الحرارة وتورم الغدد اللمفاوية، ويعد من الامراض الخطيرة بسبب السموم التي تنتجها البكتيريا والتي قد تؤدي إلى التهاب عضلة القلب أو شلل الأعصاب وفي بعض الحالات قد تفضي إلى الوفاة إن لم يُعالج المريض سريعًا. وينتقل المرض بسهولة شديدة خاصة بين الأشخاص غير المطعّمين وذلك من خلال الرذاذ المتطاير عند السعال أو العطاس اوالاحتكاك المباشر مع إفرازات المصاب او ملامسة الأغراض الملوّثة بالبكتيريا ، كما أن سهولة الانتقال تجعل من الدفتيريا مرضًا سريع التفشي إذا لم تتوفر الوقاية المجتمعية المناسبة.
تعتبر الوقاية بالقاحات خط الدفاع الأول و لا غنى عنه إذا لا يوجد وسيلة للوقاية من الدفتيريا أكثر فاعلية وأمانا من اللقاحات ويعد لقاح الدفتيريا (الذي يأتي عادة ضمن لقاح الخماسي) الوسيلة الأساسية لحماية الأطفال من هذا المرض القاتل ولذا يتوجب على اولياء الامور الالتزام بجدول التطعيمات الروتينية للأطفال دون تأخير مع النظافة الشخصية وتجنب الاحتكاك بالمصابين ومراجعة الطبيب عند وجود أعراض مشابهة لتشخيص مبكر وتدخل سريع
بالرغم من ان الاصابة بالدفتيريا أصبح نادرا في العديد من الدول إلا أن هناك حالات ظهرت مجددًا في بلادنا بسبب تراجع معدلات التطعيم نظرا لعزوف اباء وامهات عدد من الأطفال عن اعطاءهم اللقاحات الروتينية وهذا يبرز حاجة ملحة لتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية اللقاحات، فكل تراجع في المناعة الجماعية يفتح الباب أمام عودة أمراض خطيرة تم السيطرة عليها سابقا وفي مقدمتها الدفتيريا، كما إن التوعية المستمرة تساعد على حماية الفئات الأكثر عرضة للاصابة ومنع تفشي المرض في المدارس والمجتمعات مع الحفاظ على صحة عامة قوية تحول دون انتشار امراض الطفولة المميتة.
وفي الأخير نؤكد ان الدفتيريا ليست مجرد مرض عابر، إنها حالة يمكن أن تهدد الحياة ما لم يتم التعامل معها بالوقاية اللازمة وهي متاحة وسهلة عبر التحصين باللقاحات وإن نشر الوعي المجتمعي حول أهمية التطعيم هو السبيل الوحيد لضمان القضاء على هذا المرض وحماية الأجيال الحالية والقادمة من خطر يمكن تفاديه بالكامل وبتعاون المجتمع والمؤسسات الصحية يمكن للدفتيريا أن تبقى في صفحات التاريخ بدل أن تعود إلى واقعنا الصحي.















