كريتر نت – متابعات
تجاهل النظام المصري الرد مباشرة على دعوة جماعة الإخوان المواطنين إلى التظاهر مع حلول الحادي عشر من نوفمبر المقبل، غير أن بعض وسائل الإعلام المصرية بدأت تتصدى لهذه الحملة بعد أن استشعرت أن القائمين عليها يوظفون تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وقمة المناخ في مصر لحث الناس على الاحتجاج في الشوارع والميادين بلا مخاوف.
وتدور معركة خفية بين مؤيدي النظام المصري ومعارضيه في وسائل الإعلام حاليا، ففي الوقت الذي تسرّع فيه الحكومة وتيرة الإفراجات عن معتقلين ومحبوسين على ذمة قضايا رأي وحريات، تشحذ جماعة الإخوان أسلحتها لتفريغ الخطوة من معانيها السياسية وتتحدث عن ارتفاع حجم المعاناة بسبب الأزمة الاقتصادية، وبدأت حسابات وبرامج على وسائل التواصل الاجتماعي تابعة لها تبث فيديوهات تشير إلى طبيعة المعاناة.
وربطت جماعة الإخوان توقيت دعوتها إلى التظاهر هذه المرة بمؤتمر المناخ الذي سيعقد في شرم الشيخ على البحر الأحمر خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 18 نوفمبر، في محاولة لتوظيف الزخم السياسي الذي سيصاحبه اهتمام إعلامي دولي، ما يجعل الحكومة المصرية عاجزة عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
◙ جماعة الإخوان ربطت توقيت دعوتها إلى التظاهر بمؤتمر المناخ في محاولة لتوظيف الزخم السياسي الذي سيصاحبه اهتمام إعلامي دولي
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن توقيت التظاهر راعى وجود جزء كبير من القوة الأمنية في شرم الشيخ لتأمين قمة المناخ، حيث تتضمن على هامشها فعاليات متباينة، ويقوم متظاهرون من دول عديدة بتنظيم احتجاجات مختلفة هناك، خصصت لها الحكومة المصرية مكانا محددا ومغلقا.
وأوضحت المصادر ذاتها أن دعوة الإخوان مختلفة هذه المرة، فكل الدعوات السابقة التي تلت عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو 2013 أخفقت في الحصول على تأييد شعبي، حتى أنصار الإخوان أنفسهم فقدوا حماسهم وقوتهم في الشارع ولم يعد لهم صوت مسموع، ولذلك لا تعول الدعوة على أنصار الجماعة بل على عموم المصريين الغاضبين من الأوضاع الاقتصادية.
ويعتقد من وقفوا خلف الدعوة إلى التظاهر أن الأزمة الاقتصادية المحتدمة والحالة الاجتماعية الغائمة تكفيان لتحريك المياه السياسية الراكدة وحث الناس على التذمر من السلطة الحاكمة، مع التركيز على الأقاليم البعيدة عن القاهرة التي تبدو فيها معاناة الناس أشد وطأة، ومنها يمكن أن تنتقل شرارة التظاهر إلى القاهرة ومدن أخرى قريبة منها.
وتريد جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر تكرار سيناريو الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما انطلقت تظاهرات ضده في الخامس والعشرين من يناير 2011 تحولت إلى كرة ثلج في الأيام التالية رفضا للأوضاع الأمنية المتردّية، ثم تضافرت معها عناصر اقتصادية واجتماعية فأدت إلى احتجاجات عارمة شملت الكثير من أقاليم مصر.
وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن ما حدث في يناير 2011 لن يتكرر مرة أخرى، فوقتها كان رئيسا لجهاز المخابرات الحربية، ثم تولى منصب وزير الدفاع في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، وعرف من خلالهما الكثير من تفاصيل ما دار في دهاليز السلطة وقوى المعارضة بأطيافها والشارع بتنويعاته، ما جعل حديثه عن صعوبة تكرار هذه التجربة يحمل الكثير من المعاني الجديدة والشاملة.
وتواجَه دعوة التظاهر الإخوانية بمحاولات حثيثة لتوضيح أن هناك إنجازات تحققت على الأرض خلال عهد الرئيس السيسي يمكنها أن تغير أحوال المواطنين قريبا، وبالتالي لا توجد مبررات للتجاوب مع هذه الدعوة، غير أن المتاعب التي تواجهها شريحة واسعة من المصريين جراء الأزمة الاقتصادية تفقد دعوة الإحجام عن التظاهر مضمونها.
◙ الجماعة المصنفة إرهابية في مصر تريد تكرار سيناريو الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما انطلقت تظاهرات ضده رفضا للأوضاع الأمنية
وعندما وجدت وسائل إعلام تابعة للحكومة أن الإشارة إلى المشاريع القومية الكبرى غير مفيدة لجأت إلى سلاح التخويف من المصير المجهول الذي لاقته دول أخرى تآكلت وتدهورت وتفسخت لحمتها الوطنية بعد أن دخلت في خضم احتجاجات بلا أفق، ناهيك عن أن المستفيد الحقيقي من تظاهرات قد تهدم أركان الدولة هو جماعة الإخوان التي يمكن أن تطل برأسها مرة ثانية.
وبدا حديث كل طرف مؤثرا في شريحة معينة من المصريين، ما جعل هناك غالبية حائرة بين تأييد التظاهر لظروف اقتصادية قاسية والإحجام عن ذلك حفاظا على الدولة وخوفا من ضياعها، خاصة أن الكثير من المواطنين يعرفون الآن عن كثب تفاصيل مآسي مواطنين من دول عربية مختلفة يقيمون في مصر.
ويعلم الناقمون أنفسهم أن التظاهر لن يصلح الأوضاع الاقتصادية، بل يزيدها غموضا، وهو ما أدى إلى وجود مجموعة أكثر تعقلا في الشريحة الأولى لا تميل إلى التظاهر، يقينا منها أن جماعة الإخوان هي أول من سيجني الثمار في وقت خسرت فيه كل أوراقها ولم يعد أمامها سوى الرهان على تظاهرات تستفيد من الأجواء الداخلية السلبية والأجواء الخارجية المراقبة عبر تسليط الأضواء على قمة المناخ والدولة المستضيفة لها.
ويفسر تسليط الأضواء على مصر أسباب زيادة أعداد المفرج عنهم، ومن بينهم عدد كبير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتدشين مؤتمر الحوار الوطني الذي يضم قوى معارضة، ووجود هامش من الحرية في بعض وسائل الإعلام، وكلها عوامل تؤكد قابلية الحكومة المصرية للانفتاح، بما يفقد فكرة التظاهر جزءا كبيرا من بريقها القائم على عدم الرغبة في الإصلاح العام.