كتب .. عهد الخريسان
تطل علينا بعد ايام قليلة ذكرى حرب السادس من اكتوبر وكالعادة مع كل سنة احرص على تناولها لما فيها من العبر والأثر على الواقع الذي نعيشه الان وخارطته الجيواستراتيجية فالوضع قبل الحرب لم يكن كما بعده ومسار علاقتنا بالكيان الصهيوني لم يكن ولن يكون مسارا طبيعيا فالصراع على الوجود والبقاء والأرض، الأرض التي لا تقبل القسمة على الاثنين فواهم من ظن بإن محاولات التطبيع ستطبع المسار وستصلح علاقة الغاصب بالمغتصب والناهب بالمنهوب وصدق الله حين قال *(إنما ينهاكم الله عن الذي قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم وتقسطوا اليهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون)* الممتحنة 9
كانت حرب اكتوبر هي الحرب الاولى التي يجتمع فيها العرب فمنذ عين جالوت وبعد سقوط العراق والشام على ايدي المغول وسقوط المغول على ايدي المماليك لم يذكر للعرب ان توحدا في صراع ولعل هذه إحدى دورس حرب اكتوبر في قيمة إنتماء للأمة واثرها الإيجابي عليها.
الحديث عن حرب اكتوبر يطول ولن تكفي دراسته مجلدات عدة ولكن سأحاول الاختصار وذكر اهم الدروس والعبر منها بحسب تقديري اسلسلها بنقاط:
1/ كانت نكسة حزيران 67 كما يسميها العرب او حرب الأيام الستة كما يسميها اليهود بداية لنهاية السبات العربي وتعاطي الشعارات الزائفة وبداية لتعاطي الإستراتيجية الواقعية في تنمية القدرات العسكرية وأختيار الكفاءات العسكرية بعد ان كانت الجيوش العريية تقاد من ضباط هواة غير اكفاء اعطتهم الثورات مناصب لا يستحقوها فعلى سبيل مثال تقلد الرائد عبدالحكيم عامر قيادة الجيش المصري ورقي من رتبة صاغ (رائد) الى رتبة مشير قفزة ما كانت لتكون لولا امتيازات الثورة الامر ذاته الذي حصل مع الضابط حافظ الاسد الذي قلد وزارة الدفاع ورقي من ضابط لفريق الامر الذي اثر على بناء وتطوير الجيوش العربية على منهاج حديث وعلمي بعكس جيش الكيان الذي كان يمتلك ابرز الجنرالات المؤهلة ذوي الخبر والذي كان اغلبهم من قادة الحرب العالمية الثانية في الجيوش البريطانية والامريكية ومن هذا نتعلم ان مرحلة الثورة مغايرة لمرحلة الدولة التي تحتاج لذوي الكفاءات والخبرات واصحاب الرؤية وليس بالضرورة ان من يقوم بالثورة يقود الدولة كما نتعلم ان تخدير الناس بالشعارات الوطنية الزائفة والامال الخادعة والوعود الكاذبة هو سبيل المفلسين الذي معه تهاض احلام الشعوب وأمالهم في التقدم والتنمية والقوة تماما كما يحدث الان في بلدنا وكما كانت دعايا الاعلام العربي المصري والسوري تبيع شعوبها هذا الوهم ليفيقوا على مرارة الهزيمة ووهم القاء اسرائيل في البحر كما كمان كان قادتهم يدعي.
2/ في 5 يونيو 1967 حصلت النكسة كما يسميها العرب او حرب الايام الستة كما يطلق عليها اليهود سحقت بها اسرائيل ثلاثة جيوش عربية المصري والسوري والاردني واستولت على سيناء من مصر والجولان من سوريا و الضفة الغربية من الاردن حينها ادركت القيادة في الدول الثلاث والشعوب بان إستراتيجية الواقعية هي المثلى لمحاولة تعويض الخسارة فبعد ان عدل جمال عبدالناصر عن تنحية من رئاسة الجمهورية قام بعزل عبدالحكيم عامر وزير الدفاع وقائد الجيش ومدير الاستخبارات العامة صلاح نصر الذي اخفق في امتلاك معلومة الهجوم الاسرائيلي وقيل ان القيادة المصرية كان عندها خبر الهجوم لكن قام صلاح نصر بتجاهله والتقليل من حجمه بمساعدة صديقه عامر وهنا نستفيد درس اخر المعلومة هي الاهم في السلم والحرب وجهاز الاستخبارات هو الوسيلة لتلك المعلومة بينما جهاز الاستخبارات المصري كان مشغول بمراقبة الشعب المصري وتجنيد الممثلات والراقصات ومراقبة كبار رجال الدولة خوفا من انقلابات اعضاء مجلس الثورة على بعضهم بينما لم تكن الاستخبارات السورية افضل من اختها المصرية فمارست نفس الدور وادت الى الانقلاب الذي جاء بلاسد للسلطة في الوقت الذي كان فيه الكيان يمتلك احد افضل الاجهزة الاستخباراتية في العالم (الموساد) وافضل رجال الاستخبارات في العالم الذين انخرطوا في عدة اجهزة استخباراتية اوربية واميريكية فكان فارق المعلومة احد اسباب هزيمة العرب في 67.
في الحلقة القادمة سنناقش كيفية اعادة بناء الجيوش العربية والمؤسسات الاستخباراتية وصناعة التحالفات الاقليمية والدولية وحرب الاستنزاف قبل الدخول الى حرب اكتوبر المجيدة.
الاربعاء 2ربيع اول 1444هجرية