كريتر نت – العرب
شككت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون الأربعاء في تعهدات روسية بالانسحاب من مناطق قرب العاصمة كييف في إطار إجراءات لبناء الثقة، بعد مفاوضات سلام في تركيا وصفتها موسكو بالإيجابية. وتقول أجهزة استخبارات غربية إن موسكو تنفذ مجرد انسحاب تكتيكي لتعديل خططها العسكرية لا أكثر.
ووصفت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون الأربعاء الانسحاب العسكري الروسي من مناطق قرب العاصمة الأوكرانية كييف بأنه حيلة لإعادة تجهيز القوات الروسية، بعد أن منيت بخسائر فادحة حتى مع قصف القوات الغازية لمدن أخرى والمضي قدما في تدمير ماريوبول المحاصرة.
وبعد نحو خمسة أسابيع على الغزو الذي لم يتمكن حتى الآن من السيطرة على أي مدينة كبيرة، قالت روسيا إنها ستقلص العمليات بالقرب من مدينة كييف ومدينة تشيرنيهيف الشمالية “لزيادة الثقة المتبادلة” من أجل محادثات السلام.
لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أوضح أنه لا يعتد بما تقوله موسكو ظاهريا. وقال “الأوكرانيون ليسوا ساذجين.. لقد تعلم الأوكرانيون بالفعل خلال 34 يوما من الغزو وخلال السنوات الثماني الماضية من الحرب في دونباس، أن الشيء الوحيد الذي يمكنهم الوثوق به هو النتيجة الملموسة”.
وقال أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئاسة الأوكرانية، إن موسكو تنقل بعض القوات من شمال أوكرانيا إلى الشرق، حيث تحاول تطويق القوة الأوكرانية الرئيسية هناك. وأوضح أن بعض الروس سيظلون بالقرب من كييف لتقييد تحركات القوات الأوكرانية.
وتمكنت القوات الأوكرانية على مدى الأسبوع المنقضي من تحقيق مكاسب على الأرض، حيث استعادت بلدات وقرى على مشارف كييف ونجحت في كسر الحصار المفروض على مدينة سومي الشرقية وتصدت للقوات الروسية في الجنوب الغربي.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” إن روسيا بدأت في نقل أعداد صغيرة جدا من القوات بعيدا عن مواقعها حول كييف، واصفة الخطوة بأنها إعادة تمركز أكثر من كونها انسحابا.
وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي في إفادة صحافية “يجب علينا جميعا أن نكون مستعدين لمراقبة هجوم كبير على مناطق أخرى في أوكرانيا.. هذا لا يعني أن التهديد لكييف قد انتهى”.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن موسكو اضطرت إلى سحب قواتها من محيط كييف إلى روسيا وروسيا البيضاء، لإعادة الإمداد والتنظيم بعد أن منيت بخسائر فادحة. وأضافت أن من المرجح أن تعوض روسيا قدراتها المحدودة على المناورة على الأرض، من خلال تكثيف الهجمات بالمدفعية والضربات الصاروخية.
وتقول روسيا إنها تنفذ “عملية خاصة” لنزع سلاح جارتها وتطهيرها من “النازيين الجدد”. وتقول الدول الغربية إن موسكو شنت غزوا غير مبرر شمل هجوما واسع النطاق على العاصمة، تصدت له الدفاعات الأوكرانية بقوة.
وتقول موسكو في الأيام الأخيرة إن تركيزها الأساسي حاليا ينصب على جنوب شرق أوكرانيا، في منطقة دونباس، إذ تحاول الاستيلاء على المزيد من الأراضي لتسليمها إلى الانفصاليين الذين تدعمهم منذ عام 2014.
وتضم المنطقة ماريوبول، وهي مدينة ساحلية يقطنها 400 ألف شخص تعرضت لدمار جسيم بعد شهر من الحصار الروسي، وترى الأمم المتحدة أن الآلاف ربما لقوا حتفهم فيها.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، في إفادة من المخابرات، إن الإعلان عن تركيز موسكو الآن على جنوب شرق أوكرانيا بمثابة “اعتراف ضمني على الأرجح بأنها تكافح من أجل الحفاظ على أكثر من محور تقدم مهم”.
وشُرد زهاء ربع الأوكرانيين من بيوتهم جراء أكبر هجوم في دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت الأمم المتحدة الأربعاء إن عدد الفارين من البلاد ارتفع إلى أكثر من أربعة ملايين نسمة. ويمثل الأطفال أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين، ومعظم الباقين من النساء.
وتعزل العقوبات الغربية روسيا عن التجارة العالمية إلى درجة غير مسبوقة مع اقتصاد ضخم كهذا، غير أن روسيا لا تزال موردا رئيسيا للنفط والغاز لأوروبا، وتحاول موسكو الضغط للاستفادة من ذلك.
وفي الأسبوع الماضي أبلغت موسكو المشترين الغربيين لصادراتها من الغاز بأنه سيتعين عليهم حاليا الدفع بالروبل، وهو طلب رفضته مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى.
وأعلنت ألمانيا، أكبر مشتر لغاز روسيا، الأربعاء “إنذارا مبكرا” لحالة طوارئ محتملة لو أقدمت روسيا على قطع الإمدادات. وحث وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك المستهلكين والشركات على خفض الاستهلاك، قائلا “يجب علينا… زيادة الإجراءات الاحترازية تحسبا للتصعيد من جانب روسيا”.
وقال فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس النواب الروسي، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي “على السياسيين الأوروبيين وقف الحديث، ووقف محاولة إيجاد مبرر لعدم استطاعتهم الدفع بالروبل”.
وأضاف “لو كنتم تريدون الغاز ابحثوا عن الروبل”. واقترح كذلك توسيع سياسة الدفع بالروبل لتشمل صادرات أخرى بينها النفط والحبوب والأسمدة والمعادن.
وتعهدت روسيا في محادثات سلام استضافتها تركيا الثلاثاء بتقليص عملياتها العسكرية بشكل كبير حول كييف ومدينة تشيرنيهيف بشمال أوكرانيا. وقال ألكسندر فومين نائب وزير الدفاع الروسي إن موسكو قررت تقليص الأعمال القتالية قرب كييف وتشيرنيهيف لتهيئة الظروف للحوار.
والمحادثات التي عقدت في إسطنبول هي أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ العاشر من مارس. وبدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، وأخفقت في السيطرة على أي مدن أوكرانية كبيرة بعد أن واجهت مقاومة شرسة.
وأمام إخفاق الروس في تحقيق نصر سريع واشتداد المقاومة الأوكرانية خاصة في المدن، بدأ الجيش الروسي باستعراض قوته عبر استخدام أسلحة أكثر فتكا على غرار الصواريخ فرط صوتية “كينغال” أو “الخنجر”، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعشر مرات، والتي يصعب على المضادات الجوية إسقاطها.
كما لا يستبعد أن تلجأ موسكو إلى إخراج أقوى مقاتلاتها من الجيل الخامس “سوخوي 57″، لتجريبها في حرب حقيقية، وفرض سيادتها الجوية، بينما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بتزويد أوكرانيا بـ100 طائرة مسيّرة من نوع “الشفرات القاتلة”، وهي مسيّرات انتحارية تصطدم بالهدف وتفجره.
ويثير وضع المحطات النووية الأوكرانية القلق أيضا، إذ أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مديرها العام موجود في أوكرانيا، “لإجراء محادثات مع مسؤولين حكوميين” بهدف تقديم “مساعدة تقنية” تضمن سلامة هذه المنشآت.
وفي مجلس الأمن الدولي اتُّهمت روسيا الثلاثاء بالتسبب في “أزمة غذاء عالمية” وتعريض الناس لخطر “المجاعة”، عبر شن حرب في أوكرانيا التي تعد “سلة الخبز” لأوروبا.