محمد حماد
تدخل مصر جولة جديدة من المفاوضات حول طرح المزيد من الشركات التي يسيطر عليها الجيش، في انفتاح لجزء آخر من الاقتصاد أمام الاستثمار الخاص. وتستهدف القاهرة من وراء هذه الخطوة فتح شهية المستثمرين الأجانب على السوق المصرية، فيما تعمل الشركات المرشحة للخصخصة في قطاعات رابحة وسريعة في دورة رأس المال.
وتواصل مصر انفتاحها عبر صندوقها السيادي وتستعد لطرح ثلاث شركات جديدة للبيع مملوكة بالكامل لجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية، في ثاني تحرك يمكّن القطاع الخاص المصري والأجنبي لأول مرة من الاستثمار في شركات تابعة للجيش، والذي كان ممنوعا في السابق.
ويستهدف الصندوق السيادي خصخصة نحو عشر شركات تابعة للجيش، وقام خلال الفترة الماضية بطرح شركتي “صافي” التي تعمل في تعبئة المياه وشركة “وطنية” للبترول المملوكتين للجيش، وتجري منافسة حاليا من قبل شرائح مختلفة من المستثمرين.
وتشهد الساحة الاقتصادية سباقا محموما بين شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” وشركة “طاقة عربية” التابعة لمجموعة القلعة المصرية لقنص صفقة “الوطنية”، فيما تتسابق نحو خمس شركات كبرى من بينها شركات متعددة الجنسيات عاملة في السوق المصري لشراء شركة “صافي”.
وشجّع هذا الإقبال الصندوق السيادي على إعداد خطة ثانية لطرح الشركات الثلاث الجديدة المرتقبة قريبا، والتي لم تتم تسميتها حتى الآن أو الإعلان عن تفاصيلها، غير أن مصادر مطلعة أكدت لـ”العرب” أن هذه الشركات تعمل في قطاعات الغذاء، والسلع الاستهلاكية غير الغذائية، والبتروكيماويات.
عادل عبدالفتاح: خصخصة الشركات تتسق مع برنامج الإصلاحات
وتجري عملية هيكلة لهذه الشركات في الوقت الراهن بما يسمح بطرح أسهمها في البورصة المصرية كأحد البدائل أمام تنفيذ صفقات الاستحواذ، كما أن الصندوق السيادي يحتفظ بحصص غير حاكمة في رأس مال الشركات المنتظر خصخصتها.
ويعد احتفاظ الصندوق الذي يعد المالك الأصلي بحصص أقلية في رأس مال الشركات التي ستطرح للخصخصة، محفزا للمستثمرين وليس طاردا لهم على الإطلاق، وهي رسالة تضمن لهم الاستفادة من القوة السيادية للصندوق وحرصه على تعزيز المراكز المالية للشركات.
وقال الخبير الاقتصادي ياسر عمارة، إن تنوّع الشركات التابعة للجيش المرتقب طرحها للبيع عبر البورصة المصرية يعزز جذب المستثمرين الأجانب، ويؤكد أن مشاركة الصندوق في إعداد دراسات عمليات البيع تمثل ضمانة وعامل ثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب.
وأضاف لـ”العرب” أن خروج تلك الشركات من عباءة الجيش وتحولها إلى الاستثمار المدني لن يفقدانها قوتها، لأن عملية الطرح والإدارة تتم عبر الصندوق السيادي الذي يمكنه التدخل وإنقاذ أي شركة حال تعثرها.
وتعد أفضل آلية لنجاح بيع الشركات هي استحواذ الصندوق السيادي على حصص حاكمة فيها، ثم طرحها بسوق المال، ثم التخارج منها تدريجيا، فالصندوق لا يستثمر في الشركات مباشرة، لكن عبر أذرعه الاستثمارية أو بالشراكة مع بنوك الاستثمار.
وأسس السيادي المصري صناديق فرعية في مجالات المرافق والبنية الأساسية والخدمات المالية والتحول الرقمي والخدمات الصحية والصندوق الفرعي للسياحة والآثار والاستثمار العقاري، وقام بالدخول في شراكات فرعية مع شركات أخرى مثل الاستثمار في التعليم مع المجموعة المالية هيرميس.
وأوضح عمارة أن خطط جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ببيع عدد من شركاته تتماشى مع استراتيجيته الرامية إلى الاستثمار في المشروعات التابعة خلال فترة معينة ثم بيعها، إذ يقوم بالبناء والاستثمار في شركاته منذ نحو ست سنوات.
وتعد استراتيجيات التخارج من الأنشطة الاستثمارية بعد مرحلة محددة من دورتها الاقتصادية من الأساليب الناجعة علميا، لأنها تعتمد على معرفة الوقت المناسب للتخارج من الاستثمارات ثم الدخول في مجالات أكثر ربحية.
ويتبع هذه الاستراتيجية في السوق المصرية الملياردير نجيب ساويرس، ومجموعة القلعة، والمجموعة المالية هيرميس القابضة، وكذلك الاستثمارات العربية الكبيرة ومنها الشركة القابضة المصرية – الكويتية، التي أوفت بتكتيكات التخارج من الأنشطة غير الرئيسية.
وأكد عادل عبدالفتاح خبير أسواق المال في مصر أن بيع الشركات التابعة للجيش يتسق تماما مع المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، والمتمثلة في الإصلاحات الهيكلية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، عقب مساهمات كبيرة من شركات الجيش بقوة في الاقتصاد خلال الفترة الماضية، والتي لم يستطع القطاع الخاص خلالها إنقاذ الاقتصاد من مرحلة الركود.
ويصعب حصر النشاط الاقتصادي للجيش بسبب تشعب المجالات التي يعمل بها، إلا أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد أن حجم الأنشطة الاقتصادية في الجيش لا يتجاوز 1.5 في المئة إلى 2 في المئة من الناتج المحلي لمصر.
ووفقا لهذه التقديرات يتراوح حجم نشاط الشركات التابعة لوزارة الدفاع المصرية في النشاط الاقتصادي بين 6.5 مليار دولار و8.7 مليار دولار.
ياسر عمارة: خروج الشركات من الجيش للاستثمار فيها لا يفقدها قوتها
وتوقع عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” أن تشهد الفترة المقبلة مشاركات قوية من جانب المستثمرين في عمليات البيع المحتملة، لاسيما أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لديه شركات تعمل بقطاعات جاذبة، ويتولى عمليات البيع صندوق مصر السيادي الذي يملك قدرة ترويجية وتسويقية لجذب شرائح جديدة من المستثمرين.
ولا تتأثر قوة شركات الجيش بتحولها إلى الاستثمار المدني، حيث تتسم بصلابة مراكزها المالية ووضوح هياكل ملكيتها، فضلا عن أنها شركات رابحة، وبالتالي هناك سهولة في إعادة هيكلتها بغرض البيع أو طرحها في البورصة، فيما يتولى هذا التحول بعض المستشارين الماليين المستقلين والذين يملكون خبرات عالمية.
وتعزز خطط طرح شركات الجيش للخصخصة من تنشيط سوق الأوراق المالية المصري، عبر تنوع الأسهم المتداولة أمام المتعاملين في البورصة، ما يزيد العمق الاستثماري للسوق الذي يعاني من غياب الأسهم الجديدة التي تشجع المستثمرين على تكوين محافظ مالية قوية.
وتراجع المؤشر الرئيس للبورصة المصرية “إيجي أكس 30” وسجل هبوطا منذ بداية العام الحالي بلغ نحو 3 في المئة.
ويتسق هذا التحول مع التلميحات المستمرة من جانب صندوق النقد الدولي التي أكد عليها في جميع مراجعته الدورية منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016.
وقطع الرئيس السيسي الطريق على تلك التلميحات وأعلن عن طرح شركات الجيش في البورصة قائلا “نحن مستعدون لدخول القطاع الخاص شريكا معنا في الشركات التي تم تأسيسها بالفعل وهي شركات ناجحة”.
ويرمي الاتجاه نحو الخصخصة لبعض الشركات التابعة للجيش إلى نفي فكرة الاستحواذ الاقتصادي لمشروعات جهاز الخدمة الوطنية، وإيجاد فرص عمل سريعة وحل بعض المشكلات الاقتصادية، وتحقيق التوازن في الأسواق.
العرب اللندنية