كريتر نت – متابعات
وجه المناضل والمفكر والسياسي اليمني محمد عبدالله علي الفسيل رسالة هامة الى اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قال فيها : أؤيد حقكم في الدعوة إلى فك الارتباط وتقرير المصير، لإيماني أن ذلك حق مشروع لكم وعلينا جميعاً وعلى العالم كله أن يحترمه
واضاف إن رسالتي هذه اليك مجردةً من أي غرض شخصي، ومضمونها عبارة عن نصيحة أخوية صادقة إن أفادت خيراً وبركة وإلا فستكون ذكرى للتاريخ
وزاد لاحظت أن تيار الإعلام الموالي للمجلس الانتقالي قائم على الحشد المناطقي للجنوب ضد الشمال والشماليين سواء من خلال الشعارات أو الممارسات ضد الشمالين في عدن وفي الجنوب
أتمنى أن تعمل وتسعى أنت وكل من معك لتصحيح الوضع بحيث يتحقق لكم فك الارتباط وقيام دولة الجنوب بأسلوب دستوري يحقق للجنوب وللشمال التكامل الكامل وصولاً إلى استقرار الشطرين أو الدولتين
ونظر لاهمية الرسالة ننش نصها كما وردت في موقع صحيفة ” الشارع”
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ اللواء/ عيدروس الزبيدي- رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المحترم
تحية طيبة وبعد:
رسالتان أتمنى أن تقرأهما بعناية.
هذه الرسالة من شخص لم تلتقِ به من قبل.. ربما سمعت عنه الشيء القليل، أما هو فقد سمع عنك الكثير من قبل ومن بعد.
أرفق بهذه الرسالة إليك رسالة أرسلتها إلى فخامة رئيس الجمهورية في شهر مارس 2020م، وفيها نبذه عني.. ومحتواها يبين طريقة تفكيري في معالجة موضوع وطني.
أخي العزيز:
ربما تكون رسالتي هذه إليك آخر رسالة أكتبها بعد أن عشت قرناً من الزمن (95عاماً) عايشت وشاركت خلاله في مجمل الأحداث والتحولات التي شهدتها هذه البلاد منذ أربعينيات القرن المنصرم وحتى اليوم.
ولم يبقَ لي اليوم من أمنية سوى أن أرى جيلكم هذا يناضل ويتصرف ويغير ويتغير إلى الأفضل، ويصنع له ولهذا الوطن والشعب بشطريه حياة كريمة في ظل دولة يمنية جمهورية قوية مستقلة ديمقراطية تسودها الحرية والعدالة والمساواة.
إن رسالتي هذه اليك مجردةً من أي غرض شخصي، ومضمونها عبارة عن نصيحة أخوية صادقة إن أفادت خيراً وبركة وإلا فستكون ذكرى للتاريخ.
قضية الوحدة والانفصال
بدأت الدعوة الشعبية للوحدة اليمنية في عهد الإمام يحيى في الشمال وفي عهد الاستعمار البريطاني للجنوب.. وعندما حاول الاستعمار إقامة دولة اتحادية في الجنوب، قابله رفض شعبي ممثلاً حينذاك بالمؤتمر العمالي الذي كان يضم كل النقابات العمالية في عدن، وممثلاً أيضاً في حزب الشعب الاشتراكي برئاسة عبدالله الأصنج ومحمد سالم علي، وممثلاً أيضاً بالجمعية اليمنية الكبرى وبالنوادي القروية التابعة للجمعية؛ وكان المؤتمر العمالي حينذاك أقوى تنظيم شعبي نقابي وسياسي.
وحدة بين سلطتين شموليتين
ومرت سنوات عديدة بعد ذلك كان الشعب خلالها في الشمال والجنوب ينادي لتحقيق الوحدة، وكانت السلطتان الشموليتان في الجنوب والشمال تتحاوران لإقامة الوحدة بحذر شمالي، واندفاع جنوبي.
أخي العزيز:
عندما كنت مقرراً للشمال في اللجنة الدستورية عن الشطر الشمالي وكان الأخ المرحوم عمر الجاوي مقرراً في اللجنة ممثلاً عن الشطر الجنوبي، وكان لكلينا دورٌ بارز في صياغة دستور الوحدة.. ولازلت أتذكر جيداً أنني خلال الصياغة اقترحتُ عليه أن ينص الدستور على قيام وحدة اتحادية لا اندماجية، ولكنه كان وحدوياً أكثر من أي شخص آخر، ولذلك رفض اقتراحي مؤكداً أن الوحدة الاتحادية ربما حملت في طيها روح الانفصال.
تمت الوحدة بين سلطتين شموليتين
وتحققت الوحدة بين سلطتين شموليتين في مايو 1990م، وتقاسمت السلطتان الشموليتان سلطة الوحدة في غياب الشعب الذي اكتفى حينها بالهتافات والتصفيق لصانعي الوحدة، وكان لكلا السلطتين حساباتهما الخاطئة التي حملت بذور الخلل الشامل في كيان الوحدة، وأدت إلى احتكارها من قبل الرئيس علي عبدالله صالح، وإشعال الحرب بين الشمال والجنوب.
وفي عام 2007م أعلن الحراك الجنوبي الدعوة السلمية لفك الارتباط بين الشطرين والعودة إلى انفصال الجنوب عن الشمال، وقد تابعت نشاط الحراك الجنوبي منذ بدايته، كما تابعت الأحداث التي تلت ذلك حتى قيامكم بإنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي ونشاطاته الانفصالية، ولا أخفيكم أنني كنت قلقاً وحزيناً، لأنني لاحظت أن تيار الإعلام الموالي للمجلس الانتقالي قائم على الحشد المناطقي للجنوب ضد الشمال والشماليين سواء من خلال الشعارات أو الممارسات ضد الشمالين في عدن وفي الجنوب، وهذا في تقديري ينعكس سلباً على قضيتكم في الجنوب كونه لا يؤدي في النتيجة إلى قيام دولة جنوبية مستقرة، كما أنه لن يؤدي إلى قيام دولة شمالية مستقرة في الشمال، وسيبقي الصراع بين الشطرين قائماً ومستمراً لعقود وسنوات قادمة وربما حدث في الحاضر ما كان موجوداً في الماضي من صراع جنوبي جنوبي.
أنا مع حقكم في فك الارتباط
أخي الكريم:
إنني وحدويُ التوجه فكراً ومشاعر، وكنت ضمن المطالبين والداعيين لقيام الوحدة اليمنية، وساهمنا كثيراً لتحقيق ذلك المنجز، ولكني الآن أؤيد حقكم في الدعوة إلى فك الارتباط وتقرير المصير، لإيماني أن ذلك حق مشروع لكم وعلينا جميعاً وعلى العالم كله أن يحترمه.. ولكن يجب أن يتم تقرير المصير بأسلوب دستوري وبطرق مشروعة وليس بأسلوب انقلابي، لأن الانقلاب لن يحقق ما تهدفون إليه، فهناك انقلاب في الشمال ضد الشرعية وقمتم أنتم (الانتقالي) بالانقلاب في الجنوب ضد الشرعية، ولكن كلا الانقلابين ظلا وسيظلان مجرد انقلابين وحتى لو أسستم من خلال ذلك دولة فأنها لن تجد الاعتراف الكامل دولياً وإقليمياً، بل أنها ستبقى في صراع مع دولة في الشمال وربما يحدث أيضاً صراع جنوبي جنوبي جديد.
أنت المعني أساساً بتصحيح الخطأ
وعليه أتمنى منك وأنت مناضل كما أعتقد سليم النية أن تعمل وتسعى أنت وكل من معك لتصحيح الوضع بحيث يتحقق لكم فك الارتباط وقيام دولة الجنوب بأسلوب دستوري يحقق للجنوب وللشمال التكامل الكامل في كل الشئون وصولاً إلى استقرار الشطرين أو الدولتين.. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي:
السعودية تريد لليمن دولة مستقرة
1- من خلال متابعتي أجد أن السعودية ترى أن قيام دولة اليمن الشرعية ضرورة لاستقرار اليمن والمنطقة كاملة، بينما توجد قوى أخرى تريد إسقاط دولة اليمن الشرعية دون مراعاة لأية تبعات أو آثار؛ ولذلك فإن مصلحتنا جميعاً تتطلب منا التعاون الجاد مع المملكة العربية السعودية على تحقيق الاستقرار في الشمال وعودة الشرعية، وصولاً إلى تحقيق دولة يمنية اتحادية من إقليمين تحقق لليمنيين الحرية والديمقراطية والتنمية الشاملة، وتضمن للجنوب حق تقرير المصير عبر الاستفتاء الشعبي للبقاء في الدولة الاتحادية أو فك الارتباط وإقامة دولة جنوبية مستقلة.
ولذلك أرى أن تتفق الشرعية وأنتم معها على قيام المملكة العربية السعودية بتوفير الجانب المالي والتمويني للقوات اليمنية الشمالية والجنوبية وإنهاء النفوذ الإقليمي أو الدولي في اليمن.
مقترحات هامة
2- العمل على إيجاد صيغة دستورية تعطي الجنوب الحق في تقرير المصير وذلك عن طريق الاستفتاء الشعبي.. فأنتم اليوم تطلبون من الرئيس هادي أن يتخلى عن الإصلاح أو الإخوان المسلمين ولكنكم لم تسألوا أنفسكم يتخلى عنهم مقابل ماذا؟ فهناك انقلاب ضد الشرعية في الشمال، وهنا انقلاب الانتقالي ضد الشرعية في الجنوب؟! ووسط ذلك لابد للرئيس من تيار واسع يدعم استمراره وشرعيته.. ولأن الإخوان متمسكون به وداعمون له تجده متمسكاً بهم، لذلك أرى أن من الحكمة أن تنهوا الانقلاب في الجنوب على الشرعية وتتفاهموا مع رئيس الجمهورية للوصول إلى اتفاق بأن يكون الانتقالي مؤيداً للشرعية خلال مرحلة انتقالية تستمر حتى استقرار الأوضاع في الشمال، وبهذا يتم تحجيم نفوذ أو سيطرة الإصلاح أو الإخوان المسلمين على السلطة الشرعية، ويتم أيضاً تصحيح ما هو متفشٍ في الشرعية من فساد سياسي وإداري واقتصادي وأمني وعسكري.
3- أرى أن تدركوا أن الوسيلة الدستورية لفك الارتباط تأتي من خلال إقناع الرئيس أو الضغط عليه بالتفاهم مع المملكة لإصدار إعلان دستوري مؤقت يجمد العمل بالدستور الحالي، وتقوم بموجبه سلطات حكومية بالمناصفة بين الجنوب والشمال، ونائبان لرئيس الجمهورية وسلطة تشريعية انتقالية مناصفة بين الشمال والجنوب، لأن الموجود حالياً لا يحقق هذه المناصفة.. كما ينص الاعلان الدستوري أيضاً على حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم عن طريق استفتاء شعبي بعد مرور فترة انتقالية مدتها 6 سنوات تبدأ من إعلان استقرار الأوضاع في الشمال وقيام دولة يمنية جمهورية من إقليمين إقليم الشمال وإقليم الجنوب، ولكلٍّ منهما مجالسه المحلية في محافظات متفق عليها.
إن وجود هذا الإعلان الدستوري سيسمح بتقليص الفساد الشامل وتحديد مرحلة جديدة تمكن من تحقيق الاستقرار في الشمال وعودة الشرعية كاملة إلى العاصمة صنعاء، واستمرار الشراكة في الحكم لمدة 6 سنوات، بعدها يصبح من حق الجنوب الاستمرار في الوحدة الاتحادية أو فك الارتباط بالاستفتاء الشعبي، وفقاً لنص الإعلان الدستوري، وبالتفاهم الكامل بين الشطرين.
موضوع حدود اليمن الطبيعية:
4- أرجو أن تسمح لي أن أذكرك بأن اليمن هذا كان معروفاً على امتداد التاريخ القديم خلال حضاراته المتعاقبة باسم اليمن، وخلال العهد الإسلامي ظلت حدود اليمن الطبيعية متعارفاً عليها برغم ما كان يطرأ من استحداث حدود سياسية بين فترة وأخرى إلا أن جميعها لم تلغِ الحدود الطبيعية لليمن.
وأذكركم أن وفد كندة الذي وصل وقابل رسول الله (ص) في المدينة المنورة فسألهم الرسول: من أنتم؟! فأجابه زعيمهم: نحن وفد كندة من حضرموت اليمن.. وهكذا تجدون أن اليمن كان معروفاً بحدوده الطبيعية في الجزيرة العربية كلها، لذلك فإن أي تغيير في الاسم كما ترفعونه أنت الآن “الجنوب العربي” لن يؤدي إلى استقرار اليمن في المستقبل، بل سيبقى هناك من ينادي من جديد بيمننة اليمن في الجنوب والشمال معاً، وهذا لا يسمح بالاستقرار لا للجنوب ولا للشمال.. وعليه أنصح بتجميد اسم الجنوب العربي وجعل الاسم “الجنوب” فقط حتى نهاية الفترة الانتقالية بعد 6 سنوات من عودة الشرعية.
القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية تتبع وزارتي الدفاع والداخلية دون هيكلتهما
5- تسهيلاً لتنفيذ اتفاقية الرياض أرى أن تبعية القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية التابعة للشرعية تبقى تبعية إدارية ومالية وعسكرية تشارك إلى جانب قوات الشرعية الأخرى في أي مهام ولكنها تبقى قوات قائمة بذاتها ولا تهيكل ضمن الوزارتين حتى إجراء الاستفتاء على تقرير المصير.
ختاماً.. ذلك ما أردت أن أوصله لكم بكل تجرد ومصداقية.
وتقبلوا خالص تحياتي وتمنياتي لكم بالنجاح.. وسلام الله عليكم وبركاته.
أخوكم: محمد عبدالله علي الفسيل
القاهرة: السبت 20 مارس 2021م