كريتر نت – العرب
لا يزال الآلاف من الأفراد المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في معسكرات الاعتقال دون أي احتمال لإطلاق سراحهم أو محاكمتهم على المدى القريب، فيما يحذر أخصائيون من أن الاحتجاز إلى أجل غير مسمى يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم مشاكل إعادة الاندماج.
مرت ثلاث سنوات منذ أن تم القضاء على الخلافة المزعومة لتنظيم الدولة الإسلامية من على الخارطة العالمية. ومع ذلك، لا يزال الآلاف من المقاتلين وعشرات الآلاف من أتباع التنظيم، بما في ذلك عدد كبير من النساء والأطفال، محتجزين في ظروف غير إنسانية وغير آمنة في سوريا والعراق.
في سوريا، يقدر ملاحظون سياسيون أن مخيم الهول وحده يضم 65000 فرد، بما في ذلك أكثر من 10000 أجنبي يمثلون حوالي 60 جنسية مختلفة.
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية جديد نسبيا على الساحة العالمية، إلا أن المجتمع الدولي لديه أكثر من 30 عاما من الخبرة في إعادة دمج المتمردين والمدنيين الذين عاشوا تحت سيطرتهم من خلال برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الرسمية.
إن أحد الدروس المهمة والمستخلصة من هذه التجربة هو أن احتجاز الأفراد لفترات طويلة من الزمن أو في ظروف غير إنسانية يساهم في تدني احترام الذات وانعدام الأمن وانعدام الثقة والشعور بالاستياء واليأس، وكلها أسباب تولد خطابا للمقاومة ضد الدولة أو آسري الفرد يرتبط بإعادة الانخراط في جماعة مسلحة.
عدم رغبة الدول في إعادة دمج المقاتلين يلعب دورًا في أيديولوجية الجماعة ويغذي التطرف وجهود التجنيد في الخارج
واجه السكان خلال هذه المحنة خيارا صعبا بين موت محقق أو دعم للدولة الإسلامية، وربما انضمّ منهم ممّن لا يؤمنون بأيديولوجية الجماعة، لأسباب انتهازية بما فيها المكاسب المالية أو الروابط الاجتماعية أو الانخراط في مغامرة أغراهم بها التنظيم.
هناك عدد أيضا من المحتمل أن يكونوا محبطين بشدة من تورطهم في تنظيم الدولة الإسلامية ويريدون المغادرة لكنهم غير قادرين على الانحراف عن الالتزام بأيديولوجية الجماعة نظرا إلى الظروف الأمنية السيئة في المخيمات والترهيب الصريح من المتطرفين الملتزمين. بالنسبة إلى جميع هؤلاء الأفراد، قد يكون للاحتجاز غير المحدد بزمن وغير الإنساني تأثير راديكالي ويزيد من احتمال عودتهم إلى العنف أو اللجوء إليه.
أمّا الدرس الثاني القيّم هو أنه كلما طال احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وأنصارها، ازداد احتمال تعرضهم للوصم من قبل المجتمعات التي تمارس فيها إجراءات إعادة دمجهم. وتظهر الأبحاث أن عزلهم الممتد عن المجتمع يغذي لديهم الخوف والشك العام.
والوصم، بدوره، يعزز الوضع المنحرف للعائدين ويساهم في ترسيخ السلوك المتشدد لديهم ويعيق قدرتهم على العثور على عمل وتأسيس سبل عيش مستدامة خارج التطرف والعنف. كما يحول الوصم دون تطوير شبكة اجتماعية خارج الجماعة المتطرفة أو الوسط الراديكالي المتشدد.
وهذا مهم لأن هذه الروابط الاجتماعية الجديدة، سواء في المجتمع أو من خلال العمل أو التعليم، تساعد في تطوير هوية جديدة، منفصلة عن مشاركة الفرد في التطرف الشديد أو دعمه، ما يجعل هذه الروابط أساسية في تعزيز فك ارتباط الفرد بالعنف، وفي نهاية المطاف وبمرور الوقت، يتمكن من التخلص من عقيدة التطرف.
يشير محللون إلى أن عدم رغبة الدول في إعادة أولئك الذين سافروا للانضمام إلى الدولة الإسلامية وفي إعادة دمجهم يلعب دورا في أيديولوجية الجماعة ويغذي التطرف وجهود التجنيد في الخارج.
وتتمركز الكثير من الخطابات والأبحاث الحالية حول فك ارتباط المتطرفين العنيفين وحول عوامل الخطر الفردية وتقييم المخاطر. وتشير الأبحاث إلى أن إجراءات نزع السلاح وتسريح هؤلاء الأفراد المتشددين بعد إعادة دمجهم لا تكون ناجحة إلا إذا اعتمدت على العوامل المجتمعية بقدر ما تعتمد على العوامل الفردية.
وتتطلب إعادة الاندماج الناجحة مستوى معينا من التنمية الاقتصادية وحالة استقرار في ما بعد الصراع. فعندما تكون سوق العمل فقيرة أو مضطربة بشكل منتظم بسبب النزاع، لا يستطيع الأفراد الحصول على سبل عيش مستدامة خارج محيط التطرف العنيف، وبهذا المعيار تُصنف سوريا حاليا من بين أفقر البلدان.
وتكشف نظرة سريعة على ما يجري بسوريا والعراق أن توجهات توفير الظروف السياسية والمجتمعية لفك الارتباط وإعادة الاندماج ليست ناضجة. كما أنه لا تزال العديد من المظالم التي ساهمت في صعود الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة الأخرى، مثل هيئة تحرير الشام، قائمة. فالرئيس السوري بشار الأسد، الذي استخدم مرارا وتكرارا أسلحة كيمياوية وانخرط في جرائم حرب فظيعة أخرى ضد شعبه، لا يزال متمسكا بالسلطة.
وفي العراق، تتفشى التوترات الطائفية، وينتشر الفساد وانعدام الأمن، بينما يكون من المرجح أن تؤدي الهزيمة العسكرية للدولة الإسلامية إلى إخضاع العنف وتعزيز فك الارتباط على المدى القصير، ولذلك تبقى احتمالية تصعيد الصراع وإعادة الاشتباك عالية على المدى الطويل.
قد تبدو إعادة دمج أولئك المرتبطين بالدولة الإسلامية مهمة شاقة بالنظر إلى الحواجز المجتمعية، ولاسيما في سوريا والعراق. ومع ذلك إن مرور ثلاثة عقود من الخبرة في برنامج نزع السلاح والتسريح قد يمهد السبل المحتملة لإعادة الاندماج والمضي في المساعدة على تعزيز فك الارتباط حتى في أكثر الظروف السياسية والاقتصادية سوءا.
أولا، يجب أن يساهم قضاء أي وقت في السجن أو الاحتجاز في إعادة اندماج الفرد من خلال مساعدة الأفراد على إدراك إمكانية مستقبل مختلف لأنفسهم. في الوقت الحالي، تبدو أن هذه اللحظات، على الأقل في معسكرات الاعتقال، قد ضاعت في أحسن الأحوال، وربما كانت تؤجج المظالم وتضع الحواجز على الطرق.
وتظهر الأبحاث أنه بعد الإفراج، قد تساعد الأسرة والمجتمع المدني العائدين في تجاوز وصمة العار. كما يمكن أن تساعد تدابير التوعية العامة التي تسلط الضوء على أهمية إعادة الاندماج وتثقيف المجتمعات (على سبيل المثال، بشأن إيذاء الأطفال، أو المشاركة القسرية للأعضاء) في تعزيز القبول.
وأخيرا، قد تكون المشاريع التشاركية المصممة جيدا والمطورة محليا والتي تلبي احتياجات مجتمعية مشتركة واعدة جدا. على عكس البرامج الأخرى التي تفيد مرتكبي أعمال العنف فقط، تجسد المشاريع المجتمعية التزاما بمستقبل مشترك، وتسلط الضوء على رأس المال الاجتماعي والمهارات التي يستخدمها العائدون غالبا، وتكون بمثابة شكل من أشكال التعويضات.
وتساعد المشاركة على إعادة دمج المقاتلين وأنصارهم على تطوير علاقات جديدة واكتساب هوية إيجابية داخل المجتمع. وتولد مثل هذه المشاريع أيضا رأس مال اجتماعي إضافي وقدرة على الصمود، حيث تعمل كعوامل حماية مهمة ضد التطرف والتجنيد.
ولعل الدرس الأكثر أهمية من أدبيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، هو أن هذه المشاريع والتدابير قصيرة الأجل لتعزيز فك الارتباط وإعادة الاندماج من المحتمل أن تكون لها تأثيرات محدودة عندما تكون منفصلة عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأكبر.