كريتر نت – العرب
تلعب الوسائط السمعية البصرية ووسائل التواصل الاجتماعي دورا خطيرا في نشر أفكار التنظيمات الراديكالية، وتمريرها للأجيال الناشئة وفق تقنيات حديثة وأساليب تخدم التيارات المشتدّدة واستراتيجياتها التوسعية.
وتوظف حركة طالبان هذه الوسائط لتحسين صورتها، اذ روجت في الأسابيع الأخيرة، لفيلم يتضمن مشاهد لقيامها بتشييد بنى تحتية من طرق وقنوات ري بالإضافة إلى عرض لتدريب مقاتليها.
وعلى تويتر، يظهر مقاتلوا طالبان أنهم يسيطرون على أفغانستان، مع قوافل من سيارت الدفع الرباعي ترفرف من نوافذها رايتهم البيضاء والسوداء “على أبواب العاصمة”، حيث يتعهدون بـ”حماية الناس” و”زيادة الدوريات” ضد “اللصوص والفاسدين”.
ولا يتبقى سوى معرفة ما إذا كانت الدعاية حققت غايتها، بينما يخشى العديد من الأفغان، وخاصة في المدن، من عودة المتمردين إلى السلطة في ختام المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، حيث سادت فترة حكمهم القصيرة عدة انتهاكات. كما ضاعفوا، في الأشهر الأخيرة، الهجمات على القوات الحكومية.
ويؤكد صادق صديقي المتحدث باسم الرئيس أشرف غني “التناقض الواضح بين رواياتهم وأفعالهم” مع قدرتهم على إقناع السكان وغالبيتهم من الأميين والشباب. ويقول “من جهة، يتحدثون عن الأخوة والرحمة ومن جهة أخرى، يقتلون ويصيبون المدنيين الأبرياء”.
ويشير المحلل عمر شريفي إلى “أنهم يستخفون حقًا بذكاء الأفغان” مستذكرا “الجثث المعلقة وقطع الرؤوس” في كابول خلال حكم طالبان.
ويضيف أن “طالبان كانت فاسدة مثل الحكومة”، التي ينتقدها السكان بسبب سوء حكمها، ويرفض “تقديس طالبان باعتبارهم أنقياء واتقياء” وهي “صورة مزيفة” عنهم.
ويظهر الفيلم الوثائقي جلال الدين حقاني “المصلح الكبير والفاتح الكبير” لأفغانستان، المخصص لمؤسس الشبكة التي تحمل اسمه والمتهم بارتكاب أبشع الفظائع، مدى تطور دعاية طالبان وقدرتها على إعطاء صورة عن مسؤولين أكفاء فيما يتفاوضون على مستقبل البلاد في الدوحة.
الفيلم، ومدته ساعة وعشر دقائق، صدر في سبتمبر الماضي بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة “حامل راية الجهاد المقدس”، بما يحويه من صور من الأرشيف تمتد لعدة عقود ومؤثرات خاصة يحتوي على الكثير من المديح لإغواء المشاهد الغربي.
ويؤكد الفيلم أن طالبان “حسنت مهاراتها” في المنتجات السمعية البصرية، بحسب أندرو واتكينز، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.
ولجأ المتمردون قبل رواج الهواتف الذكية، للمساجد للدعوى لقضيتهم في البداية. كما استخدموا للغرض نفسه الأناشيد بلغة البشتون، وهي مجموعة عرقية يتحدر منها الكثير منهم، وذلك بعد أن من السلطة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة في عام 2001.
وسرعان ما استخدمت طالبان السلاح البصري لتحفيز قواتها، من مقاطع فيديو تظهر انتحاريين مقبلين يبتسمون مباشرة قبل القيام بعملياتهم وانفجار مركبات العدو بالألغام ومعارك.
ويرى جيل دورونسورو، المتخصص الفرنسي في الشؤون الأفغانية أن هذه المحتويات التي تم تصويرها مثل أفلام الحركة القصيرة “ساهمت في تكوين صورة عن حركة قوية قادرة على شن هجمات عسكرية حقيقية ضد الأميركيين”.
ثم توالى ظهور المزيد من الصور الممنتجة، التي صُورت أحيانًا بواسطة طائرات مسيرة.
الفيديو.. أداة اختراق العقول
ويضيف دورونسورو أن حركة طالبان “لم ترق أبدًا إلى مستوى تنظيم الدولة الإسلامية” في دعايتها التي أغوت آلاف الجهاديين من جميع أنحاء العالم.
وذكر عدد من المحللين أنه تم تجاوز مرحلة جديدة عندما وقعت طالبان في فبراير اتفاقاً مع واشنطن ينصّ على انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
وبينما كان الطرفان يتفاوضان على هذا النص، نشرت “الإمارة”، أبرز وسائل طالبان الدعائية، 319 مقطع فيديو في عام 2019، أي بزيادة 60 بالمئة عن العام السابق وما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي لعام 2016، وفقًا لدراسة أجراها مركز “انترسنتر”، وهي شركة أميركية للمعلومات عن الإرهاب.
وصدر الفيلم الوثائقي عن جلال الدين حقاني بالتزامن مع بدء طالبان مفاوضات سلام في قطر في سبتمبر مع السلطات الأفغانية.
ويرى المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد أنها مجرد “صدفة”، موضحا أن الفيلم استغرق إعداده “أربعة أشهر”.
وعايش جلال الدين حقاني، ذو اللحية الطويلة والعمامة، أربعة عقود من الحرب، عمل خلالها من خلال خطاباته على إضفاء الشرعية على “الجهاد” من أجل الإسلام. والرجل الذي أصيب في مواجهة مع القوات السوفياتية يظهر خلال الفيلم وهو يحض قواته على مقاومة “الاحتلال” الغربي.
ولكن الفيلم الوثائقي يقدمه، بشكل خاص، على أنه حاكم صالح في معقله في ولاية خوست (شرق)، حيث فتح “عشرات مدارس” تعليم القرآن و”اهتم بالأعمال الخيرية” وكافح من أجل الخدمات العامة وضد الفساد.
وتعد هذه رسالة مفاجئة وبخاصة مع تحميل شبكة حقاني التي أنشأها المسؤولية عن أكثر الهجمات دموية في العقدين الماضيين، ومنها الهجوم بشاحنة مفخخة في كابول في مايو 2017 والذي اودى بحياة أكثر من 150 شخصا.
ويقول أندرو واتكينز إن إصرار طالبان على الإشادة بإدارتها وتأكيد صلاحها أمر “جديد تماماً” و”مرتبط حقًا بمدى التقدم في محادثات السلام”.
وليست طالبان في معزل عن بقية التيارات المتشدّدة، فكلّها تحاول توظيف التطورات السمعية البصرية للترويج لإيديولوجيات متشابهة، واستغلال التطور التقني خاصة في مجال تطبيقات التواصل الاجتماعي للسيطرة على العقول.
وركّز تنظيم داعش الإرهابي، على سبيل المثال، منذ ظهوره على توظيف مواقع التواصل لاستعراض قوته وترويع الناس ونشر مقاطع فيديو لأساليبه الدموية، عدى عن نشره ارشادات تشرح وسائل الاتصالات السرية وطرق صنع المتفجرات وتفخيخ السيارات وزرع الألغام والأسلحة الكيمياوية.
وراهن التنظيم على وسائل الإعلام الإلكترونية وعلى رأسها شبكات التواصل الاجتماعي التفاعلية، كمنصات لبث أفكاره وأخباره وتنفيذ أجندته، وعبر إنشاء حسابات لأفراد أو جماعات، يستقطب التنظيم المقاتلين من شتى بقاع الأرض، ويتبادل معهم المعلومات، حتى أنّ أفرادا قد ينتمون للتنظيم افتراضيا ويقومون بعمليات ارهابية لصالحه دون أن تكون لهم روابط “واقعية” مع الجهات التي يتواصلون معها.
وتدرك هذه التنظيمات أن استراتيجيتها الإتصالية تساعدها في تحقيق أهدافها التدميرية، وبسبب الانتشار الواسع لمواقع التواصل، يمكن لهذه التنظيمات أن تتخطى الحواجز السياسية والجغرافية في عملية الاتصال المجاني والفوري بين أعضاءها والتنسيق فيما بينهم وتبادل كم هائل من المعلومات.
ويجعل العرض المتكرر والمتعمّد للمشاهد الدموية لعمليات القتل المثيرة للرعب، المشاهد يعتاد عليها تدريجيا فيفقد بالتالي اهتمامه بالآم الآخر وتعاطفه الإنساني مع ضحايا التنظيمات الإرهابية. ويصبّ كامل تركيزه على أمنه الشخصي وأمن عائلته وتصيبه الهواجس النفسية في أن يتعرّض لأحداث مشابهة في أي مكان أو زمان.
وإدراكا لقوة تأثير الوسائط السمعية البصرية، حوّل “حزب الله” اللبناني معقله الحزبي في ضاحية بيروت الجنوبية إلى “حصن إعلامي”، يروج به المغالطات اللازمة لتحسين صورته وجعله أيضا منصة لإدارة الماكينة الإعلامية للحوثيين لدعم محورهم في اليمن ومهاجمة التحالف العربي.
ويستخدم الإعلام الحوثي في اليمن مصطح الإعلام الحربي، وهو في الأساس تسمية إيرانية، برز أيضا في بؤر الصراع التي تقودها إيران في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، ويتم من خلاله استعراض صور وفيديوهات لعمليات المليشيات العسكرية بطريقة حماسية وتعبوية.