كتب : قادري أحمد حيدر
تنويه:
هذه المادة هي الفقرة الثالثة من “الفصل الثالث”
من كتاب جديد يحمل ذات العنوان المنشور في هذه المادة .إنتزعتها من متن الكتاب لاقدمها تحية لمن وجهت الإهداء اليه في المادة التي بين أيديكم، بقسميها.
(1-2)
الإهداء
إلى القائد العسكري والسياسي الصديق/ عبدالله عبدالعالم، عضو مجلس القيادة في حركة 13 يونيو 1974م، واحد رموز شباب ثورة 26 سبتمبر 1962م، في الدفاع عن الثورة والجمهورية في حصار السبعين يوماً، وقائداً لقوات المظلات التي ارتبط اسمها بالدفاع عن الثورة اليمنية.. عشنا معا في سوريا فترة حوارات(لقاءات شخصية)،تخللتها حوارات خصبة وعميقة حول “المشكلة اليمنية”بصورة عامة،ووجدته حصيفاً مدركاً لما كان يجري ، كان لاغتيال الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي، أثره العميق على نفسه، بحكم الصلة الشخصية التي ربطته وجمعته به، على أن ألمه وحنقه العظيم، كان في محاولة الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح الصادق وتلفيق تهمة قتل مشايخ الحجرية / تعز ، به وبزملائه من الضباط والسياسيين الذين أراد التخلص منهم وقد أخبرني الصديق السياسي والقائد العسكري / محمد طربوش سلام الشرجبي، بتفاصيل مؤامرة علي صالح في تصفية رموز واعيان تعز.. الرموز السياسية الذين كانوا -أغلبهم – أصدقاء شخصيين لأبن عبدالعالم،(وللرئيس الشهيد الحمدي)، وتجمعهم بعبدالله عبدالعالم صلات مودة ومحبة ، بل ودعم سياسي من قبلهم لمشروع الحركة السياسية الاصلاحية من لحظة الاعلان عن قيامها مباشرة.
إن استمرار بقائه منفيا قسرياخارج وطنه، وبعيدا عن أهله، بصورة قهرية طيلة هذه السنوات هو استمرار للجريمة السياسية في اغتيال الرئيس الشهيد الحمدي، حيث يتم تغييب قاتله/ قتلته حتى اللحظة، رغم أنهم معلومين .
الاغتيال الذي لحقه مباشرة إعدام كوكية سياسية ووطنية من رموز اليمن، حتى الاغتيالات اللاحقة للعديد من رموز الحركة، آخرها الشهيد / عبدالرقيب القرشي، بأمر وتوجيه مباشر وشخصي من علي عبدالله صالح ، عبر أدواته الأمنية،بعد اعطائه الأمان والحق في العودة للوطن .
تحية للصديق والقائد العسكري / عبدالله عبدالعالم في منفاه القهري والقسري طيلة هذه العقود ، على أمل عودته إلى تراب وطنه، وكشف حقيقة ملابسات قتل شهداء مشايخ وأعيان الحجرية/تعز، في 1978م، فمثل هذه الجرائم لاتسقط بالتقادم، وهي واحدة من مطالباته لكشف الحقيقة، وخاصة بعد اعلان اللواء علي محسن الأحمر أن علي عبدالله صالح هو من كان يقف وراء قتلهم.
ولأن علي عبدالله صالح هو المستفيد الوحيد من تصفية رموز واعيان تعز.
3-علي عبدالله صالح، والدولة العميقة:
ا-مفتتح حول العنوان:
قد يتبادر إلى ذهن البعض لماذا هذا الاختيار لعنوان هذه الفقرة “علي صالح ، والدولة العميقة”، ولم نقل ونكتب العنوان تحت اسم “الرئيس السلال ، والدولة العميقة” أو “الرئيس عبدالرحمن الإرياني، أو الحمدي، ناهيك عن قول قحطان الشعبي والدولة العميقة، أو سالمين، أو عبدالفتاح أسماعيل أو علي ناصر أو علي سالم البيض، لأن لهؤلاء الآخرين لهم في مجتمع الجنوب تاريخياً، خصوصية سياسية، وحيثية مختلفة عن الوضع الذي كان سائداً في شمال البلاد، سواء في المرحلة الإمامية، أو الجمهورية.
إن اختيار العنوان كان واعياً وقصدياً ومدروساً، وله صلة واقعية بمبحث الدولة العميقة، فلا نستطيع أن نكتب عن السلال والدولة العميقة إلاَّ بالمعنى التناقضي الصراعي، بين السلال، وبين كل منظومة بنية الدولة العميقة، فقد وقفت الدولة العميقة بكليتها –أو في أغلبها- ضد السلال كشخص واسم، وضده كرؤية ومشروع سياسي وطني وتحرري، وقفت ضده باعتباره الرمز السياسي والقيادي الحامل لمشروع الدولة البديلة الحديثة لما كان تاريخياً، ومن هنا وقوفها ضده في غالبيتها العظمى، وحتى من راوح وقوفاً في البداية بجانب خيار الجمهورية، وبناء الدولة، تراجع عن ذلك تحت ذرائع وحجج عديدة منها “السلام”، ومنها الموقف العدائي السلبي من الوجود العربي المصري الداعم للثورة، خلف شعارات “الذاتية اليمنية”، ومنها أوهام البعض باحقيتهم في الحكم من “إبن الحداد”(1) الفقير، (المشايخ)، ومنهم من وجدوا في الخيار الثوري الجمهوري إزاحة لهم من الساحة السياسية أو تقليص لوجودهم الفعلي (نفوذهم)، كما يحلمون. وبذلك رأينا كيف وقفت الدولة العميقة بقضها وقضيضها ضد الخيار الثوري الجمهوري الذي كان يمثله الرئيس عبدالله السلال، والقوى السياسية والاجتماعية الحديثة، لأن مشروع الثورة والخيار الجمهوري ، كان نقيضاً جذرياً لكل الدولة العميقة التاريخية الإمامية، المشايخية، وكل الملتحقين بهم من “العكفة الجدد”، الذين رأوا جميعاً أنهم الأحق بوارثة الإمامة -بدرجات متفاوتة- تبدأ بزعماء المشايخ، وبقايا الأحرار، والعسكريين الذي ارتبطوا بالمشروع الإقليمي العربي الرجعي. ونفس الكلام أو التحليل السياسي يمكننا قوله عن فترة القاضي الإرياني الذي لم يشفع له الذهاب مع المشروع السياسي لانقلاب 5 نوفمبر 1967م، وقبوله بصيغة الحل عبر نظرية “الأطراف المعنية”، وأصحاب “الحل والعقد”، في صيغة “المجلس الجمهوري”، أو التي جاء “المجلس الجمهوري”، تعبيراً سياسياً وذاتياً عنها، مع أن صيغة “الأطراف المعنية” و”وأهل الحل والعقد”، هي في واقع الممارسة مفاهيم غامضة ملتبسة ، غير واضحة هي في تقديرنا محاولة ناقصة لتجاوز مشكلة الحكم في ظل الإمامة ، والجمهورية، بمشاركة جميع الأطراف المعنية في البنية الفوقية للسلطة، باعتبار أبناء الجنوب، وجنوب الشمال كانوا تاريخياً خارج سلطة الدولة والحكم. وجاءت صيغة “المجلس الجمهوري” لتؤكد استمرار صيغة حكم المركز التاريخية بصورة جديدة، وليس لتقديم حل للمشكلة اليمنية، فانقسمت الدولة العميقة إلى قسمين: القسم الأضعف والأصغر من قوى ورموز الدولة العميقة ، وقف إلى جانبه مسانداً –المقصود الرئيس الإرياني-بالقول وبشكل موارب وحذر دون مؤازرة سياسية فعلية حقيقية، ووقف ضده عملياً القسم الأعظم من الدولة العميقة، من بقايا الإمامة والملكية ورموز المشيخة القبلية ، الذين لم يتوافق معهم القاضي والرئيس المستنير، والأهم الجمهوري حتى العظم (موقفه الجمهوري الصلب في مؤتمر حرض)، وبقى على مسافة منهم، ومعهم رجال الدين السياسي ، والعكفة الجدد، والذين توزعوا بين الدولة العميقة، والدولة الرسمية، مشاركين في قمة السلطة: (المجلس الوطني، وزراء ، قادة عسكريين، شيوخ القبائل الذين كانت تعبر عنهم، وزارة شؤون القبائل)، فجميعهم وقفوا ضد مشروع الإرياني ،والنعمان،”الأطراف المعنية”(2) في إيجاد شكل من أشكال المصالحة السياسية والمجتمعية والوطنية، بين الأطراف المختلفة،(مصالحة بأفق سياسي وطني)، لأن رموز بقايا الملكية/ الإمامة، والمشيخة القبلية، ومشايخ الدين السياسي، أصحاب الحل الوسط، باسم “السلام” بين الجمهورية والملكية، وتحديداً مشايخ القبائل ، الذين كانوا يرون في أنفسهم أنهم الأحق “بوراثة الإمامة”، وبالحكم، فهم –كما يرون- من انتصر في 5 نوفمبر 1967م، ومن هنا تعطلت أحلام القاضي الإرياني ورفاقه بالإصلاح السياسي الجزئي في قمة السلطة، في الحدود الذي حلمت به صيغة “الأطراف المعنية” و”أصحاب الحل والعقد” لأنها في واقع الممارسة السياسية، وبناء الدول، صيغة غير قابلة للتنفيذ. ولم يبق من الرئيس الإرياني سوى حفاضه على مدنيته كرجل دولة، وعالم نظيف بعد أن هيمنت الدولة العميقة على كل المستقبل الآتي للبلاد، إلى أن جاء الرئيس إبراهيم الحمدي حاملاً لمشروعه السياسي والوطني في الوحدة، وبناء الدولة، وكلنا يعلم الطريقة الدموية وغير الأخلاقية التي جرى الانتقام بها منه لمجرد تفكيره السياسي الجدي في بناء الدولة ، وحركته السياسة باتجاه الوحدة اليمنية، فانتفضت ضده كل الدولة العميقة، ودارما استشهاده النبيل يقول ذلك بوضوح.
ومن هنا اختيارنا الواعي والقصدي لعنوان علي عبدالله صالح، والدولة العميقة هذا من جهة، ولأن الرئيس السلال لم يستقر في الحكم، وكل فترته حرب دفاعية عن الجمهورية ، استعادت فيها وخلالها الدولة العميقة قوتها، وعززت ورسخت إرثها التاريخي المستبد والمتخلف، وراكمت عبر الحرب شروط استمرار جديدة لها في الواقع ، وبدعم من دول الجوار، والأقليم، بعد أن تحولت الحرب وشعار “السلام” على أيدي البعض إلى تجارة سياسية ، وتجارة مالية واقتصادية. أما الرئيس الإرياني فلم تمكنه الدولة العميقة “القديمة/ الجديدة”، من إدارة الدولة ومن أن يحكم بالفعل، حيث كان الرئيس الإرياني عنوانها الأسمي “الشكلي” تحت صيغة “المجلس الجمهوري”، ومن كان يحكم في الواقع هم بقايا الملكيين ، ومشايخ القبائل ، والعكفة الجدد ومشايخ الدين السياسي .. وضع مأساوي حقيقي لرئيس دولة ممنوع من الصرف، رئيس للمجلس الجمهوري، مع وقف التنفيذ. وإذا أجرينا عملية حسابية لفترة حكم السلال ، فهي لا تزيد عن خمس سنوات كلها حرب وعدم استقرار سياسي، والإرياني أقل من سبع سنوات والحمدي ثلاث سنوات وثلاثة أشهر ومجموعها لا تتجاوز خمسة عشرة سنة هي أقل من نصف فترة حكم علي عبدالله صالح كلها في صراع وتناقض مع الدولة العميقة ، بينما استمرت فترة حكم علي صالح، ما يقارب أربعة وثلاثين عاماً، كلها تدعيم وتكريس لوجود الدولة العميقة، وضداً على مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة، وهذا من جهة ثانية، وهو ما دعانا لطرح هذ العنوان .
ويمكننا القول بل والجزم وبعقل سياسي مفتوح، وضمير وطني مستريح إن فترة حكم علي عبدالله صالح هي أخصب الفترات لانتعاش وازدهار الدولة العميقة في أسوأ تجلياتها السياسية والاجتماعية بؤساً وكارثية، وفيها وجدت ونشأت حالة من التوافق المثلى بين الدولة العميقة ، والدولة الرسمية الشرعية، وكانت مقدمة وسبباً للعديد من المآسي والأزمات والحروب التي نعيشها اليوم .
ب- علي عبدالله صالح، والموازنة بين الدولة العميقة والرسمية:-
ليست العبرة في الفترة الطويلة التي قضاها علي صالح في رئاسة الدولة، وفي قمة السلطة حاكما متوجا، في شروط إقليمية، ودولية مساعدة له في الاستمرار وداعمة له من لحظة صعوده للحكم على دم الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي “فترة الحرب الباردة”، كل ذلك موضوع في الاعتبار ومهم، ولكن الأهم هو ما صنعه من خراب وتدمير حقيقي في بنية المجتمع، والدولة والفساد الذي سعى لتعميمه على كل البلاد، من بداية اللحظة الأولى لتأهيله للوصول إلى السلطة، وهو قائد للواء تعز، من قبل بعض دول الجوار، وتحديداً السعودية، حيث توج مشاركته في اغتيال إبراهيم الحمدي، بتصفيته مشايخ الحجرية/ تعز 1978م، أعيان ووجهاء هذه المنطقة، لإدراكه لخطورة بعضهم على مشروعه في الوصول إلى السلطة،لأن جلهم- أغلبهم-كانوا من الداعمين لحركة 13يونيو. وعلي عبدالله صالح من خلال تواجده في تعز حامي وراعي ” للمفرق”،حين كان قائدا عسكريا لمدينة تعز، كان يدرك تذمرهم منه، ومن خبرته بالمدينة تعز وأبنائها، ودورهم في السياسة، والمال، والاقتصاد، كقوى ضغط ولو من خارج سلطة القرار الرسمية، فقد سعى جاهدا عبر تمرينات أمنية، إلى تنظيم وتدبير عملية القتل الذي لاتستطيع القيام بها سوى جهة رسمية، والصاق التهمة بالمعارضين، وعلى رأسهم عضو مجلس القيادة، قائد قوات المظلات، عبدالله عبدالعالم، ليثير فتنة اجتماعية، ومناطقية، بين أبناء هذه المنطقة، وليسهل له تجميد أي اعتراض على وصوله للحكم، والشغل على تداعيات مفاعيل المجزرة التي أرتكبها بعقل بارد، وهو ما أشار إليه اللواء علي محسن الأحمر في لحظة تعارض المصالح السياسية فيما بينهما.
كان هم السعودية ليس اغتيال الرئيس الحمدي، بل اغتيال وتدمير مشروعه السياسي الوطني في بناء الدولة، والتي أضاف إليها الحمدي قضية الوحدة، وقضايا سياسية ووطنية عديدة، مما سرع في قضية اغتياله. وهنا توحدت وتعمقت المصالح بين علي صالح، والسعودية، التي كان وما يزال كل همهما عدم قيام دولة وطنية مدنية حديثة في اليمن حتى اللحظة، واشتغالها على بعث وتنمية القوى السياسية الاجتماعية التقليدية: مشايخ القبائل، العكفة الجدد، مشايخ الدين السياسي، الفئات الطفيلية من التجار الذين تشكلوا ونمو وكبروا من خلال ارتباطهم بالسلطة ، وبالسعودية “اللجنة السعودية الخاصة”، وبتجار الحروب والسلاح، على حساب تدمير الرأسمالية التجارية، والصناعية الوطنية الناشئة، ورأسمالية المقاولات ذات الأصول التاريخية، (شمسان عون، سعيد علي الأصبحي، سلام علي ثابت الجمهوري العنيد، احمد حيدر ثابت، احمد شمسان عون وغيرهم كثر)، وهو ما تحقق لهم فعلياً طيلة حكم علي عبدالله صالح الطويلة. وكل ذلك إنما كان يعني تقوية وترسيخ لدور “الدولة العميقة” في السياسة والمجتمع وفي الاقتصاد .
فقد كانت السعودية تدير البلد، وتحكم من خلال رموزها ووكلائها في قمة السلطة، من الرئيس، إلى الشيخ، إلى العكفي الجديد، إلى رجال الدين السياسي، إلى جانب العناصر الطفيلية والانتهازية،(الزبائنية).
فالدولة العميقة ليست رموز، وبنى وهياكل تشتغل في الفراغ المجرد، بل في واقع من العلاقات المتشابكة، ومن المصالح المتوحدة بالمنظومة السياسية الشرعية/ الرسمية، في قمة السلطة ولها صلاتها وارتباطاتها الاقليمية وكأن هناك –في الحالة اليمنية- تبادل أدوار وظيفية، خاصة في فترة حكم علي عبدالله صالح، بين الدولة الرسمية والدولة العميقة. ولذلك أبدع الأدب السياسي، والفكر السوسيولوجي، مفاهيم ومصطلحات تعكس مضمون العلاقات في قمة البنية الفوقية مثل : “شيخ الرئيس، ورئيس الشيخ”، و”الجمهورية القبيلة”، و”جمهورية المشايخ”، و”النظام الجملكي”، و”الدولة العسقبلية”، بصرف النظر عن الدقة العلمية، والموضوعية التي تعنيها وتشير إليها بعض هذه المفاهيم والاصطلاحات، جميعها منتجات ذهنية فكرية انتشرت وسادت في فترة حكم علي عبدالله صالح.
مما لاشك فيه، بل من المؤكد أنه وفي خلال الأربعة العقود المنصرمة، اكتسبت الدولة العميقة، عبر رموزها التقليديين، قوة مضاعفة إضافية، لما كانت قد اكتسبته خلال سنوات الحرب الملكية، -الجمهورية، حيث ضاعفت ونوعت دول الجوار، وتحديداً السعودية من مصادر دعمها السياسي، والمالي، ومن مظلة الحماية الرسمية، لرموز الدولة العميقة، بمعرفة الدولة الرسمية، ورغماً عنها، “اترعت فيه مفاصل الدولة العميقة بريع لا حدود له، حتى تحول رجالاتها إلى ناس مشبعين بذلك الرخاء الذي هو قدرهم وأساس وجودهم وبإمكانهم أن يتخيلوا أي شيء وأي متغير في الحياة (…) ما عدا خروج قطار الدولة العميقة عن مسار وطني أو مدني أو غير ذلك مما يزعزع مكاسب منظمة شكلت أساس وجود تلك الطبقة الغارقة في زهو السلطة وخيلائها وترياقها المخدر “3” حتى صار وسمعنا أولاد المشايخ “حميد الأحمر”، يتبجحون من على شاشة التلفاز من أنهم من يصنعون الرؤوساء في اليمن، بما جعل الدولة العميقة ، موازية للدولة الرسمية المعلنة، والتي تعاظم دورها، وبلغ مداه الأقصى بعد اغتيال الرئيس الحمدي، وتحديداً، بعد وصول علي عبدالله صالح إلى السلطة، حيث تحول دعم التوتر بين الشطرين، وحتى الحرب بين الشطرين، إلى إداه تكريس وتعميق حضور للدولة العميقة ، في معادلة السياسة والسلطة.
وفي الحرب الجارية وتحت رئاسة عبده ربه منصور ، وبسبب انقلاب 21 سبتمبر 2014م، وصل التدخل السعودي، والإيراني، إلى ذروته القصوى في امتهان السيادة الوطنية، وضياع فاجع للقرار السياسي اليمني المستقل. يصاحب ذلك تفكك وتذرر وانقسام في منظومة بنية مكونات الدولة العميقة، بل والرسمية /الشرعية، بين الأطراف المتصارعة في الداخل والخارج، غاب معها التوازن التقليدي بين الدولة العميقة التاريخية، والدولة الرسمية. ذلك أن الدولة الشرعية صارت في قلب الحرب الجارية ، والتدخل الاقليمي والدولي خارج لعبة معادلة القوة ، والسلطة ، حيث حل الخارج بمسمياته المختلفة: السعودية، الإمارات، إيران بديلاً عنها.
وصلنا معها إلى مرحلة جديدة مختلفة من حيث علاقة الدولة العميقة، بالدولة الرسمية ولا نعرف إلى متى سيستمر هذا الحال، وإلى أين ستصل بنا حالة تدهور الأحوال، بعد أن حلت الميليشيات المدعومة من الخارج بديلاً فعلياً عن الشرعية في الشمال والجنوب.