كريتر نت / أ ف ب
رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم بقبول طرفي النزاع في ليبيا استئناف مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، بعد توقفها لأكثر من ثلاثة أشهر.
وأوضحت بعثة الأمم المتحدة في بيان تلقت فرانس برس نسخة منه الثلاثاء، أنها “ترحب بقبول كل من حكومة الوفاق الوطني و’الجيش الوطني’ استئناف مباحثات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها، بناءً على مسودة الاتفاق التي عرضتها البعثة على الطرفين خلال محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)”في شباط/فبراير الماضي.
وعبرت بعثة الأمم المتحدة عن أملها بأن تستجيب “جميع الأطراف، الليبية والدولية، لرغبة الليبيين في إنهاء القتال، وأن يمثل استئناف المحادثات بداية للتهدئة على الأرض وهدنة إنسانية لإتاحة الفرصة أمام التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار”.
وطالبت الأمم المتحدة “الدول الداعمة لطرفي النزاع باحترام ما اتفقت عليه ضمن مخرجات مؤتمر برلين وقرارات مجلس الأمن المتعددة خاصة القرار 2510 (2020) وقرار حظر السلاح ووقف جميع أشكال الدعم العسكري بشكل نهائي”.
كما شكرت البعثة كل الدول – دون تسميتها – التي عملت على إنجاح العودة للمفاوضات، والمساعي الرامية لاستئناف المفاوضات السياسية لإنهاء النزاع في ليبيا.
وأبدت في ختام بيانها “تطلعها للبدء في الجولة الجديدة من المفاوضات عبر الاتصال المرئي نظرًا لما يمليه الواقع الجديد”.
ولم يصدر عن طرفي النزاع في ليبيا، وهما حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والقوات الموالية للمشير خليفة حفتر ومقره في شرق ليبيا أي تعليق رسمي حول إعلان الأمم المتحدة.
يذكر أن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 (5 أعضاء من قوات المشير حفتر و5 أعضاء من قوات حكومة الوفاق) أقرت ضمن حوار جنيف في شباط/فبراير هدف الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم.
والمسار العسكري واحد من ثلاثة مسارات، إلى جانب المسارين السياسي والاقتصادي، واجب اتباعها لاستكمال مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا لحل الأزمة، إلا أن اللجنة العسكرية علقت أعمالها عقب جولتَي محادثات بسبب خلافات.
وأعقب ذلك تصعيد عسكري من طرف حكومة الوفاق التي أطلقت عملية “عاصفة السلام” مدعومة بطائرات تركية بدون طيار نهاية آذار/مارس الماضي ونجحت في استعادة السيطرة على قاعدة “الوطية” الجوية الاستراتيجية.
وسبق ذلك استعادة مدن الساحل الغربي، لتكون المنطقة الممتدة من العاصمة طرابلس غربا وصولا إلى معبر راس جدير الحدودي مع تونس، تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني بالكامل.
وتشن القوات الموالية للمشير حفتر هجوما منذ نيسان/أبريل 2019، في محاولة للسيطرة على طرابلس
وفي ذات السياق تحاول فرنسا استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية في ليبيا حيث تنخرط قوى إقليمية بشكل أكبر يوما بعد يوم، فيما تواجه اضمحلال نفوذها بعد اتهامها بدعم المشير خليفة حفتر، وفق ما يرى محللون.
ورغم نفيها لذلك علناً، يعتقد أن باريس تراهن على رجل شرق ليبيا القوي، بعد إطلاقه في نيسان/أبريل 2019 هجوما على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، المدعومة من الأمم المتحدة.
وبعد فترة من الجمود امتدت لأشهر على جبهات القتال، سجلت القوات الموالية لحفتر مؤخراً سلسلة هزائم عسكرية. وتنظر فرنسا بقلق لتدهور الوضع ميدانيا نظراً لأن التحديات المستقبلية لا تتعلق بالمستقبل الليبي وحده.
ومن بين العديد من القوى الإقليمية المنخرطة في النزاع الليبي، تدعم الإمارات العربية المتحدة وروسيا معسكر حفتر، بينما تدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني.
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأسبوع الماضي عن أسفه للتدخل المتزايد لموسكو وأنقرة في النزاع.
وقال لو دريان “لا يمكن أن نتخيل حالة مماثلة من المنازعات، شبيهة بـ+نموذج النزاع السوري+، على بعد 200 كيلومتر من السواحل الأوروبية”، متحدثاً عن وجود مرتزقة سوريين في كلا المعسكرين.
وأجرى وزير الخارجية الفرنسي مشاورات مع السراج تناولت “ضرورة” إعادة فرض وقف إطلاق النار في ليبيا، ووقف “التدخلات الخارجية” في هذا البلد، خلال أول اتصال رسمي بين باريس وطرابلس منذ شهور.
-“موازنة علاقاتها”-
وحول ما إذا كانت تساور فرنسا شكوكاً بشأن خليفة حفتر بسبب انتكاساته العسكرية الأخيرة، يقول الباحث في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغفاورة جيمس دورسي، “سأكون حذراً للغاية بشأن فكرة عدول فرنسا” عن دعمها له.
وأضاف “من المنطقي جداً أن تواصل فرنسا دعم حفتر”، مشيرا على وجه الخصوص إلى أن هذا الدعم من شأنه الإسهام في الحد من كافة أشكال عمليات التهريب التي تغذي التنظيمات الجهادية في الساحل وبحيرة تشاد، الواقعة على الحدود الجنوبية لليبيا.
واعتبر الباحث في قسم السياسة والعلاقات الدولية في أكسفورد سامويل راماني من جهته أنه “مع ضعف موقف حفتر، تحمي فرنسا ظهرها وتحاول موازنة علاقاتها” مع أطراف النزاع الليبي.
ويرى أن فرنسا تسعى بالدرجة الأولى إلى تحقيق الاستقرار، موضحا “أنها ترى أن أفضل فرصة لتحقيقه تكمن في تعزيز سلطة رجل قوي مثل حفتر”.
ويشير آخرون إلى أن باريس يجب أن تقاتل من أجل ضمان استمرارها في التأثير على هذا الصراع الذي يفلت من يديها. واجرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون السبت مشاورات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تدعم بلاده حفتر، حول “تعزيز التنسيق بين البلدين” حول الملف الليبي.
– خطر التهميش –
ويشير خبير في الملف من باريس إلى أن “الإشكالية تتحول إلى ملف إقليمي أكثر فأكثر، وهذا ما يثير القلق، لكنه يفتح في نفس الوقت المجال أمام طرح مبادرة سياسية”.
وأضاف “أن فرنسا قلقة للغاية. قد تصبح ليبيا مركزاً جديدا للجهاد وهناك مصالح كبيرة على المحك”.
ولا يتوقع باسكال أوسيور، مدير مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية، حدوث تحول فوري في الموقف الفرنسي. واعتبر أن أحد المخاوف في باريس تكمن في “تزايد تدخل الجهات الخارجية لدرجة التوقف عن طلب رأيها”.
وأوضح “كلما زاد عدد اللاعبين البارزين على الأرض مع وجود مجموعات مقاتلة وطائرات وصواريخ مضادة للطائرات وحتى قوات، كلما قل تأثير فرنسا”، متحدثاً عن اتفاق تم التفاوض عليه مباشرة بين موسكو وأنقرة، لا يصب في صالح فرنسا، في هذا البلد الذي تعمه الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011.
ويُرجح أن تكون تركيا وروسيا، التي تدعم كل منهما طرفاً في النزاع كما هو الحال في سوريا، اتفقتا على تقاسم النفوذ على أساس المناطق التي يسيطر عليها كل من حكومة الوفاق وحفتر.
كما لا ترغب فرنسا بتشكل إسلام متشدد في ليبيا مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، القريب من القطريين والأتراك على حد سواء.
ويرى أوسيور “أن معضلة فرنسا تكمن في عدم السماح لمحور السراج وإردوغان وقطر بنشر فكر الإخوان المسلمين المناهض لأوروبا وبالتالي التخفيف من تدخله(في النزاع)، دون أن تجد نفسها، آلياً في معسكر لا يمكن الدفاع عنه”.
ويختلف إردوغان صاحب الطموح، مع الأوروبيين حول العديد من القضايا. ويشير العسكري الفرنسي السابق إلى أنه “عندما يكون إردوغان في طرف، فإننا نميل تلقائيا إلى النظر في الاتجاه الآخر”.