سالم فرتوت
قذفته بها علها تصده عن ملاحفتها! تصدى للجزمة السوداء ،التقفها كما يلتقف حارس مرمى ماهر الكرة ،وبدلا من أن يرد الجزمة إلى ملعبها راح يفبلها وهو يقول:(غالي علي ياجزمة الحبيب).
استدار بالجزمة الحبيية إلى نفسه،ومضى ،ومازال يقبلها،والفتاة الحسناء تتبعه وهي تقول :(جيب الجزمة، ياساقط).
(أرجوش. معش قلم وقعي لي على أجمل ذكرى في حياتي)!
لم يشهد الموقف إلا اطفال كانوا يلعبون بذلك الزقاق .راحت البنت تتمايل في سيرها مفتقدة توازنها إذ ان رجلها اليسرى علت على اليمنى:(حرام عليك ! باتحنب لي مع أهلي.ايش تباني قول لهم)؟
رفع صوته مع التفاتة إلى الوجه الأسمر الجميل:(قولي لهم مع بن خالة عنترة العبسي).
أحست منه إصرارا على الاحتفاظ بجزمتها ،فقالت :(أنا آسف ،يالله اقذفني بها. استوفى).استنكر ذلك:(دي با يقذفك حتى بوردة باكسر يده).
إيه هذا الأسود فمه يقطر عسلا.انظري شياكته ! بنطلون الشارلستون الأسود ،الذي يضيق من الاعلى وتتسع فتحته عند القدمين على جزمة رجالية ذات كعب عال ،وقميصه الأحمر،والمنديل البارز في جيبه الخلفي،وشعره الأجعد بتسريحة الآفرو، وكانت تلك موضة سني السبعينيات.
كان نصر ،أحد أعلام الشياكة إياها في مدينة جعار،يتابع باهتمام صرعات الموضة في افلام السينما،ويحاكيها .كان أنيقا نظيفا بشكل ملفت !وقد تعلق في سني الرومانسية تلك بتلك الفتاة البيضاء- بمقاييس تصنيف ألوان البشر في بلدنا- وقع في غرام الفتاة التي كانت تدرس قبله بعام في المدرسة الإعدادية.قبل أن يتوظف.
ولما لمحها ذلك العصر وهي عائدة إلى منزلها،بوجهها المستدير المكشوف وشرشفها ذو الفتحة عند الصدر، وتضمها هي بقبضة يدها اليسرى .مضى خلفها،وهو ينادي بصوت كان يعبر عن الإعجاب،يطلقه الشباب بغنة وحتى الكهول كلما لمحوا جميلة(أآآي)
أطلقها خلفها فتجاهلته :(نظرة من عيونك السود يامكحل ).التفتت مشمئزة ،وقال هو :(بكرة بكرة).وكان الشباب الظرفاء يصفون كل حلوة بقولهم:(بكرة).مستعيرينه من جيل الآباء.
لم يرق للفتاة رشيفة القوام أن يطاردها هذا الأسود،انحنت باتجاه جزمتها ،انتزعتهامن قدمها وخذ ياحجري! وهاهي تتوسله أن يعيدها إليها !هددته بأهلها،فكان رده:(أنا باهم يلبجوني لبج ماحدش قبلنا عرفه ولاصادفه كما حبي لش).
كان يتحدث إليها بفرحة غامرة وببينهما خطوتان. قالت تتحايل عليه:(طيب لو كنت تحبني رجع جزمتي).
وأنا اقول لش :(خليها ذكرى لي ).
(وأيش قول لأهلي ).
(قولي لهم مع بن خالة عنتر).
(يعني مصمم تبا تلتبج)
( قد جعار كلها تعرف اني كما بن خالتي .لكن اهلش بارخص لهم يلبجوني.)
استدار واجهها وقال تبي الصدق أنا باش حراوة).
:(مله…)
(مله أنتي بيضاء وأنا أسود ماباتحصلي قلب أبيض كماقلبي)!
استدارت الفتاة ،بأمل أن يعيد لها جزمتها، وهي تقول بصوت عال:(باشتكي بك عند اهلي .)
(خليهم يكسروا راسي).
هبت أنسام وظللت سحابة بيضاء الارض من حر الشمس اللاهب .وكان ثمة صراع أخذ يعتمل في فؤاد الحسناء المغرورة .فهذا عاشق يقبل جزمتها ،ويعتبرها أجمل ذكرى في حياته.ويشنف سمعها بأحلى الكلام. وتبتسم وتغضب،وتبتسم ،هل يمكن؟ اتتزوج أسود .ماسيكون رد فعل أهلها. .وجاءها جواب :(كلنا عيال تسعة).
آه كانت تود أن تبهر البنات بعريس حلو .وها المقادير تضع في طريقها نصر ابن خالة عنترة-كما يصف نفسه- .ألا فليكن .ألم يقل عنترة العبسي :(لولا سواد الليل ماشعشع الفجر).أو لم تؤثره عبلة هو الأسود على كل رجال القبيلة؟ فلتكوني انت عبلة زمانك، وليكن مايكون!
5مايو 2020