كريتر نت – متابعات
في وقتٍ يعجز فيه 80 في المائة من سكان اليمن عن الحصول على الغذاء الكافي والمياه النظيفة بشكل موثوق، وضع مكتب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في اليمن خطة طوارئ جديدة لتعزيز وتنفيذ برامج واستراتيجيات تُعنى بأولويات الأمن الغذائي في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم منذ اندلاع الحرب التي أشعلها الحوثيون قبل أكثر من عشرة أعوام.
ووفق الخطة الأممية، لا يزال الاستهلاك الغذائي غير الكافي منتشراً في جميع أنحاء البلاد، كما لا يزال وضع الأمن الغذائي «حرجاً»، ويستمر سوء التغذية على نطاق واسع.
وتظهر بيانات المنظمة أن ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة يعانون التقزم المتوسط إلى الشديد، في حين يواجه 17.1 مليون شخص – نحو نصف السكان – انعدام أمن غذائي حاداً وشديداً، بينهم 5 ملايين يعيشون في مستويات الطوارئ من الجوع. ومن بين 19.5 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة والحماية، يظل معظمهم في حالة هشاشة غذائية مستمرة.
وتشير الخطة إلى أن أبرز العوامل المتسببة في تفاقم الجوع تشمل: الصراع المسلح، والتدهور الاقتصادي، وانعدام سبل العيش المستقرة، والتغيرات المناخية والظروف الجوية القاسية.
كما تستمر الاشتباكات في محافظات تعز، ومأرب، والجوف، ولحج، وشبوة، والضالع والحديدة في إعاقة الوصول وتعطيل النظم الغذائية.
وتؤكد الوثيقة أن عوامل إضافية مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والأزمة المصرفية، والعقوبات المفروضة عليهم، وانخفاض التمويل الإنساني أسهمت في مزيد من تدهور الوضع الغذائي.
أولويات الاستجابة
تشدد خطة الطوارئ الأممية الجديدة على تحسين إنتاجية وتنوّع وجودة الزراعة، بصفتها أحد المداخل الأساسية لتحسين الغذاء في بلد يعتمد جزء كبير من سكانه على الزراعة مصدراً أساسياً للرزق.
وتغطي الخطة الفترة 2025 – 2027، وتقدم «خريطة طريق استراتيجية» لتعزيز الأمن الغذائي والتغذية والمرونة لدى الفئات السكانية الأكثر هشاشة، خصوصاً النساء والأطفال والأمهات المرضعات والنازحين داخلياً، عبر مداخل شاملة ومستدامة بيئياً وواعية بالمخاطر، بما فيها مخاطر المناخ.
ويركز البند الأول من الخطة على الاستجابة للطوارئ والتخفيف من أثر الصدمات.
وتلتزم «فاو» بتوفير تحليلات وتنبؤات عالية الجودة حول الأمن الغذائي لضمان اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة وموثوقة.
كما ستعمل المنظمة على دعم التنسيق بين الجهات الفاعلة في مجال الأمن الغذائي، وتنفيذ تدخلات سبل عيش طارئة مناسبة، وإجراءات استباقية للتقليل من أثر المخاطر المتوقعة.
وتؤكد المنظمة أن التدخلات الإنسانية لن تقتصر على توفير حلول قصيرة الأمد فحسب، بل سيتم تصميمها لتشمل عناصر تضمن نتائج طويلة الأجل، مع إعطاء أولوية كبيرة للاعتبارات الشاملة، مثل الشمول والمساواة بين الجنسين والحماية؛ لضمان عدم ترك أي فئة خلف الركب.
ويمتد الدعم إلى توفير برامج موجهة للأسر لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات المتكررة، بما فيها الجفاف، وارتفاع أسعار الوقود والقيود الاقتصادية الناتجة من الوضع المالي المضطرب في مناطق سيطرة الحوثيين، إضافة إلى دعم القدرة المحلية على إنتاج الغذاء واستدامة سبل العيش.
دعم الزراعة والاقتصاد
يركز البند الثاني من الخطة الأممية على تحسين الإنتاجية الزراعية لأصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعين والصيادين، من خلال نشر ممارسات زراعية ذكية مناخياً، وتحسين الإدارة المستدامة للاستخدامات الزراعية مثل المياه، والتربة، والبذور، والأعلاف والموارد الطبيعية.
وتشمل الخطة تحسين إدارة ما بعد الحصاد ورفع جودة منتجات الغذاء، فضلاً عن تعزيز ممارسات التغذية السليمة وزيادة وعي المجتمعات المحلية بأهمية التنوع الغذائي.
كما تشمل الخطة تعزيز القدرات المؤسسية والزراعية عبر مشاريع إنتاج وتجهيز الأغذية الصغيرة والمتوسطة؛ بهدف توفير فرص عمل جديدة وتحسين الروابط السوقية، بما يدعم قطاع الأعمال الزراعية، ويعزز نمو المشاريع الريفية، خصوصاً تلك التي تقودها النساء.
أما البند الثالث، فيركز على الإنعاش والتنمية، عبر دعم سياسات وطنية للزراعة ومصايد الأسماك، وتحسين الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، بما في ذلك التربة، والمراعي والمياه الجوفية، إضافة إلى تعزيز قدرات المجتمعات لمواجهة الصدمات المناخية المتكررة. وتشير المنظمة إلى أن استدامة هذا القطاع لا يمكن أن تتحقق دون إدارة فعالة للتنوع البيولوجي والمياه والمراعي، وهي موارد تتعرض للتدهور بفعل الحرب والجفاف وتراجع الاستثمار.
وتوضح بيانات «فاو» أن قطاع الزراعة – بما يشمل المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك – كان يمثل 18 إلى 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي قبل انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، وكان يلبي ربع إلى ثلث الاحتياجات الغذائية السنوية، ويوفر وظائف لأكثر من نصف السكان.
إلا أن هذا القطاع يواجه اليوم تحديات كبيرة أبرزها ندرة المياه، وتدهور الأراضي، وانخفاض خصوبة التربة، ومحدودية الوصول إلى البذور عالية الجودة والتقنيات الحديثة.
وترى المنظمة أن إنقاذ هذا القطاع يتطلب استثمارات كبيرة، وخططاً طموحة تمتد لسنوات، لإعادة بناء سلاسل الإنتاج الغذائي التي تهدمت بفعل الحرب، وإحياء الأصول الزراعية المتضررة، وتطوير نظم الري، وتعزيز دور المجتمعات الريفية في إنتاج الغذاء بما يقلل من الاعتماد على المساعدات الإنسانية.















