كريتر نت – متابعات
بعد عودته إلى منزله في مدينة غزة عقب وقف إطلاق النار، يروي الصحفي الغزي رامي أبو جاموس في يومياته، شهادة إنسانية مؤلمة تكشف أن نهاية الحرب لا تعني نهاية معاناة مواطنيه المنكوبين.
وإذا كان أبو جاموس -كما يروي في يومياته على موقع أوريان 21- من بين المحظوظين لأنه عاد إلى بيته، فإن كثيرين غيره لم يعودوا إلا إلى الدمار، بعد أن سويت أحياؤهم بالأرض، ودمرت البنية التحتية فيها بالكامل.
يقول أبو جاموس “كنا محظوظين، بعد وقف إطلاق النار المعلن في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عدنا إلى بيتنا، في شقتنا بشارع شارل ديغول. كانت لا تزال سليمة، ولكن في الشمال جرف مخيم الشاطئ وحي الشيخ رضوان بالكامل. حي تل الهوا في الجنوب لم يعد موجودا. يبدو كأن زلزالا هائلا سوى كل شيء بالأرض”.
ويضيف الصحفي أن كثيرين يسألونه كيف تبدو الحياة بعد وقف إطلاق النار، وهل بدأ الناس يستنشقون الهواء؟ فيجيب دائما بالمقارنة نفسها كما يقول: “نحن مثل جريح استيقظ لتوه بعد عملية جراحية، يخرج ببطء من ضباب التخدير، لا يشعر بعد بالألم، لا يعرف ما الذي حدث، لا يعرف مدى خطورة جرحه، ولا هل سيتمكن من الوقوف؟ ولا هل سيتمكن من المشي مجددا؟”.
الأزمات تستمر
نحن في هذا الوضع -كما يقول الكاتب- “كأننا كنا في خلاط، في إعصار يدور، توقف الخلاط فجأة، توقف الإعصار، لكننا ما زلنا في الدوار، لقد خرجنا من الحرب، لكن الحرب لم تخرج منا. يكفي أن تمر سيارة لأظن أني أسمع صفير صاروخ يهوي. ما زال أزيز المسيّرات عالقا بأذني، وصفارات سيارات الإسعاف، وأزيز طائرات إف-16 وأصوات القنابل”.
بدأ وقف إطلاق النار ولكن الأزمات الإنسانية تستمر، حيث المياه شحيحة -كما يقول الكاتب- والكهرباء مقطوعة، والناس يطبخون على الحطب وسط ركام منازلهم، والأسعار مرتفعة بشكل جنوني، والمساعدات التي تدخل القطاع محدودة وتخضع لرقابة الجيش الإسرائيلي، وغالبا ما تحول إلى تجارة خاصة لا تصل للفقراء.
تحولت دير البلح إلى ما يشبه “العاصمة الجديدة” لقطاع غزة، تتركز فيها المنظمات الدولية والمخازن التجارية لأنها كانت أقل المدن تضررا، أما في مدينة غزة، فلا تزال الحياة شبه متوقفة، ولا يزال التعليم متعطلا، والمدارس والجامعات مدمرة.
عادت المولدات الكهربائية للمستشفيات والمنظمات، وقد “ركب أحد جيراننا في البناية مولدا نستخدمه بين الحين والآخر لضخ الماء، ولأول مرة منذ عودتي، نفتح الحنفية وينساب منها الماء، ليس باستمرار بالطبع، لكن هذا شيء جديد”، كما يقول أبو جاموس.
شبه حياة طبيعية
وينبه الكاتب إلى أن هذا الوضع الشبيه بالحياة الطبيعية يمنح الناس وقتا لفهم مدى ما عانوه خلال عامين من المجازر، مشيرا إلى أنهم يحاولون قياس حجم الكارثة، وعمق جراحهم وحزنهم، وبدؤوا يتحدثون عن المستقبل، ولكنهم يكتشفون كل مرة أنه غير موجود.
تعود بعض الأشياء إلى العمل شيئا فشيئا -كما يقول الكاتب- وقد بدأت الحكومة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ممارسة عملها، أعادت وزارة الداخلية فتح مكاتب الأحوال المدنية وسجلات الولادات والوفيات، وباتت المحاكم الشرعية قادرة على تسجيل الزيجات، وهم يعيدون النظام للأسواق التي كانت فوضوية، وكأن الحياة تستأنف من جديد.
ويصف الكاتب حالة الخوف الدائم وعدم الاستقرار التي يعيشها السكان تحت تهديدات متكررة من القادة الإسرائيليين باستئناف الحرب أو إعادة تقسيم القطاع، معتبرا أن سياسة إسرائيل تهدف إلى إبقاء غزة في “حالة اللاسلم واللاحرب” لدفع سكانها إلى الهجرة القسرية.
وأورد أبو جاموس تأملات مؤلمة حول مستقبل غزة، متسائلا عن جدوى الحديث عن إعادة الإعمار أو الحياة الطبيعية في ظل واقع بلا ماء ولا كهرباء ولا مدارس، وبلا أمل حقيقي، لأن الحرب -كما يقول- ما زالت تسكن في النفوس حتى بعد أن صمتت المدافع.
المصدر: أوريان 21















