كريتر نت – متابعات
تتجه السلطات المصرية في إطار مقاربة استراتيجية شاملة، إلى إعادة هيكلة علاقاتها الدفاعية، مع تركيز متزايد على توطيد التعاون العسكري مع الصين.
ويأتي هذا التحرك في سياق جهود تهدف إلى تنويع مصادر التسليح وتقليل الاعتماد المزمن على الولايات المتحدة، التي شكلت لعقود المزود الرئيسي للجيش المصري، خاصة في ظل بيئة إقليمية تتسم بالاضطراب وعدم اليقين.
خلال الأشهر الأخيرة، تكثفت اللقاءات العسكرية رفيعة المستوى بين مسؤولين مصريين وصينيين، شملت محادثات بشأن توريد أنظمة دفاع جوي متطورة، تدريبات عسكرية مشتركة، وتعاون تكنولوجي في مجالات الحرب السيبرانية والمراقبة والاستطلاع.
وأكدت مصادر مصرية مطّلعة أن المحادثات مع الجانب الصيني تجاوزت الطابع التجاري البحت، لتدخل في صميم قضايا الجاهزية القتالية وبناء القدرات الدفاعية الذاتية.
ويُعتقد أن الصين عرضت على مصر شراكات متقدمة في مجال التصنيع العسكري المشترك، بالإضافة إلى نقل تكنولوجيا متطورة في مجال الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة.
ويقول متابعون في مصر أن القيادة السياسية والعسكرية باتت تدرك أهمية الخروج من دائرة الاعتماد الأحادي على واشنطن، خاصة مع تزايد القيود التقنية والسياسية التي تفرضها الولايات المتحدة على صادراتها العسكرية.
وهذا التحرك لم يمر دون إثارة القلق في إسرائيل، التي تتابع عن كثب تطور العلاقات العسكرية بين القاهرة وبكين.
وبحسب تقارير إعلامية عبرية، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشعر بقلق متزايد من تعزيز مصر لقدراتها العسكرية خارج المظلة الغربية، لا سيما في ظل تنامي قدرات الجيش المصري في مجالات التكنولوجيا والتسليح الذكي.
وترى إسرائيل أن دخول الصين على خط التسلّح المصري قد يعيد تشكيل موازين القوى في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، خاصة إذا أُرفق ذلك بتفاهمات استراتيجية قد تشمل مجالات بحرية أو لوجستية.
في السياق ذاته، أبدت دوائر في واشنطن امتعاضها من التحركات المصرية، ولوّحت بإعادة النظر في بعض برامج الدعم العسكري المشترك، رغم تأكيد القاهرة المتكرر أنها لا تستبدل تحالفاً بآخر، بل تسعى لخلق توازن يضمن مصالحها الوطنية.
ويرى المراقبون أن التحول المصري نحو تنويع مصادر التسلح يعكس رغبة صريحة في تحقيق استقلالية القرار العسكري بعيداً عن الضغوط السياسية المصاحبة للعلاقات مع واشنطن. وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الفتور في العلاقات الثنائية، شابت خلالها صفقات تسليح كبرى خلافات بشأن حقوق الإنسان وشروط الاستخدام.
ويشير الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إلى أن بعض أنظمة التسلح الأميركية الحديثة، مثل الطائرات “اف 15″، تأتي محمّلة بقيود تقنية ورقابة رقمية، ما يفقدها فعاليتها في بعض سيناريوهات القتال.
وهو ما يجعل من الصين وروسيا خيارات أكثر مرونة من وجهة نظر صانع القرار المصري.
ولا تقتصر الاستراتيجية المصرية على الصين وحدها. فالقاهرة تسعى لبناء شبكة متنوعة من الشراكات الدفاعية مع قوى أخرى، مثل روسيا، فرنسا، ألمانيا، والهند، في محاولة لبناء قوة ردع متعددة الأبعاد في منطقة تتسم بعدم الاستقرار، من ليبيا إلى غزة، ومن السودان إلى البحر الأحمر.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية عصام عبدالشافي أن “مصر تسير في اتجاه تعزيز تفوقها العسكري، لكنها تدرك أن النجاح في هذا المسار يتطلب توازنًا دقيقًا بين الأمن القومي من جهة، والاعتبارات الجيوسياسية من جهة أخرى”.
وأضاف أن “بناء تحالفات إقليمية ذكية، خاصة مع دول مثل تركيا والجزائر، قد يدعم التوجه المصري بعيداً عن الاستقطاب الدولي، ويُعيد صياغة دور مصر كلاعب مستقل في النظام الإقليمي”.
ورغم التحديات التي قد تواجهها القاهرة، وعلى رأسها الضغوط الغربية والإسرائيلية، واعتمادها الجزئي على البنية التحتية الأميركية في بعض أفرع الجيش، يبدو أن مصر مصمّمة على المضي قدمًا في مشروعها الاستراتيجي.
ويقول المحلل العسكري توفيق طعمة إن “الرهان الحقيقي لمصر لا يكمن فقط في تغيير الموردين، بل في تحقيق استقلالية كاملة في القرار الدفاعي، وهو ما يتطلب وقتًا وتخطيطًا وتدريجًا في التنفيذ”.
في النهاية، يبدو أن مصر تخطو بحذر ولكن بثبات نحو بناء عقيدة عسكرية أكثر تنوعًا ومرونة، تدعمها شراكات جديدة وتوجهات استراتيجية لا تنفصل عن واقع إقليمي ودولي مضطرب.