هشام النجار
أحدث المقالات
ينتشر الآلاف من أتباع داعش في منطقة الساحل والصومال، ووصل التنظيم إلى مستوى غير مسبوق من تهديد أفريقيا حتى في ظل تراجع أنشطته بحدة على ما يبدو في الشرق الأوسط. ويرى محللون أن التنظيم بصدد نقل مركزيته إلى القارة الأفريقية.
ولم يمنع مقتل بعض قادة داعش المهمين ومن ضمنهم الخليفة المفترض الجديد من تعزيز التنظيم مكاسبه وتكريس تمدده ناقلًا مركزيته وثقله إلى أفريقيا، حيث ساعدته مشكلات تعاني منها في تدشين مشروع خلافة بديل.
وكشفت عملية نفذتها القيادة الأميركية المركزية المشتركة وقُتل خلالها ثلاثة من قادة داعش في الصومال المدى الذي وصل إليه ثقل التنظيم ومستويات أدواره بالمقارنة في مناطق أخرى من العالم،وبالنظر إلى المهام الجديدة المُسندة إلى القادة المستهدفين الذين لم يتأكد بعد مقتل بعضهم.
وتبين أن الهدف من الهجوم كان تصفية قائد داعش في الصومال عبدالقادر مؤمن، والذي وضح من بيانات وتصريحات المسؤولين الأمنيين الأميركيين في أعقاب الهجوم أن دوره القيادي يتعدى الصومال وشرق أفريقيا إلى قيادة داعش المركزي ومن المرجح أن يكون هو خليفة التنظيم الخامس (أبوحفص الهاشمي).
وتأكد الدور المحوري الذي لعبه عبدالقادر مؤمن على مستوى التنظيم العالمي قبل استهدافه من إقرار مسؤولين أميركيين بأنه لم يكن سوى قائد داعش المركزي الفعلي، وليس فحسب قائد فرع التنظيم في الصومال، وفقًا لما نقلته عنهم شبكة إن بي سي نيوز الأميركية.
ويُعد عبدالقادر مؤمن مؤسس فرع داعش بالصومال بعد عودته من بريطانيا والتحاقه بحركة الشباب الموالية للقاعدة ثم إعلانه انشقاقه عنها في العام 2015، أحد ثلاثة من الأكثر نفوذًا داخل داعش بجانب أبوحذيفة العراقي أمير مكتب بلاد الرافدين وقائد التنظيم في العراق والشام، وشهاب المهاجر (ثناء الغفاري) قائد فرع داعش خراسان.
وصنع استهداف عبدالقادر مؤمن وما صحبه من الكشف عن طبيعة مهامه العابرة للحدود على رأس التنظيم العالمي لداعش أثرا عكسيا في صالح التنظيم، حيث وضح ما قطعه من أشواط لنقل ثقله ومركزيته من العراق والشام إلى أفريقيا، ليس فقط من حيث عدد الهجمات ونوعها والقدرة والمسؤولية المالية، إنما أيضًا على مستوى تولي قادة الأفرع بأفريقيا مسؤولية التنظيم المركزي وتقلد أحدهم منصب الخليفة.
ويعزز هذا التطور مكانة الأفرع الأفريقية لداعش التي صارت بمثابة المركز، وتتمتع حاليًا بين الجهاديين بسمعتها المتعلقة بتحكمها في ضخ الاحتياجات المالية لغالبية الفصائل المُبايعة حول العالم من خلال خزينة التنظيم الرئيسية أو ما يُعرف بمكتب (الكرار)، فضلا عن السيطرة على مساحات إستراتيجية وحيوية.
ويتضح التحول في ثقل ومركزية داعش من المقارنة بين أوضاع أفرع داعش في أفريقيا عندما كانت قيادته العليا في العراق وسوريا واليوم، حيث اشتكى سابقًا قادة الأفرع ومن ضمنهم عبدالقادر مؤمن وأبومصعب البرناوي قائد التنظيم في غرب أفريقيا وغيرهما، من ضعف الأفرع الأفريقية وإهمال قيادة التنظيم المركزي لها.
وبرهن التطور الذي شهدته أفرع التنظيم في أفريقيا خلال العامين الماضيين على تحول كبير نقل الساحات الأفريقية من مجرد دواوين مُهمَلة في الولاية من السهل تكبدها خسائر كبيرة في المواجهات العسكرية ضد تنظيم القاعدة أو الأجهزة الأمنية، إلى أكثر معاقل داعش قدرة على شن هجمات نوعية وأكثرها احترافًا في عمليات التجنيد ونظم الدفاع وتكتيكات القتال وشن الهجمات باستخدام السيارات المفخخة، علاوة على امتلاك كوادر قتالية عالية الإمكانات.
وامتلك داعش الجرأة على إحداث تغيير جذري في منظومته الأيديولوجية، وتخلى عن سردية الهجرة إلى أرض الخلافة وحروب آخر الزمان في الشام والعراق، وبات يطالب مؤيديه بالهجرة إلى الساحات الأفريقية، علاوة على تخليه عن شرط القرشية في اختيار الخليفة وتولى خليفة أفريقي أسود لأول مرة، بهدف إنجاح مشروع خلافته البديلة.
وإذا تأكد مقتل عبدالقادر مؤمن في الهجوم الأميركي الأخير، من المرجح نقل القيادة من مكتب الكرار التابع لولاية الصومال إلى مكتب الفرقان بغرب أفريقيا أو الأنفال بالساحل والصحراء وليبيا، وهي ثلاثة مكاتب قيادة رئيسية لداعش في أفريقيا من أصل ثمانية مكاتب خارجية للتنظيم، ما يعني استمرار ثقل التنظيم ومركزيته داخل القارة الأفريقية.
ورغم تساوي الساحة الأفريقية وساحة سوريا والعراق في خسارة القادة، إذ خسرت الأولى خلال فترة وجيزة قادة مهمين مثل بلال السوداني الذي سبق عبدالقادر مؤمن في إمارة مكتب الكرار، وأبومصعب البرناوي أمير مكتبي الفرقان والأنفال، وخسرت الثانية أربعة خلفاء في الفترة من أكتوبر 2019 إلى أبريل 2023، إلا أن التنظيم في أفريقيا احتفظ بقدراته العملياتية، ونفذ أكثر من 60 في المئة من هجماته هناك، بينما يعاني من تقلص غير مسبوق في هجماته بالعراق وسوريا.
وأحرز فرع داعش في الصومال الذي كان بمثابة مقر قيادة داعش خلال المرحلة الماضية العديد من الانتصارات المهمة، وسيطر على سلسلة جبال المسكاد، ما يتيح له التوسع في محافظة بري بولاية بونتلاند الإستراتيجية المطلة على خليج عدن.
وتوفر هذه الساحة الإستراتيجية لداعش الحماية والملاذ والمياه بالنظر لحيازة المزايا اللوجستية للنفاذ إلى البحر، فضلًا عن اتساعها ووعورتها وبعدها عن المناطق الحضرية وعن السلطة المركزية وتمتعها باستقرار نسبي مقارنة بوسط البلاد وجنوبها، ما يعزز موقع التنظيم في الصومال وأفريقيا عالميًا وإقليميًا ويقوي علاقاته بأفرع قوية مثل ولاية خراسان.
ويتيح هذا التطور لداعش في الصومال فرصًا أفضل على الأرض للتواصل مع فرع التنظيم في اليمن والانخراط في نشاط القرصنة، وتوسيع رقعة النفوذ والاستقطاب وزيادة أعداد التنظيم استنادًا لأيديولوجيته الجاذبة في أوساط السلفية الجهادية والحركية.
وتمكن سيطرة داعش على هذه المناطق الحيوية بالصومال من زيادة موارده المالية من جراء أعمال الجباية والقرصنة وتدعم دوره كبؤرة تمويل وتجنيد وأخيرًا كمركز إدارة لشبكة التنظيم العالمية.
ودلت الأعداد الكبيرة التي ألقت شرطة بونتلاند القبض عليها من مختلف الجنسيات ممن كانوا في طريقهم للانضمام لفرع داعش في الصومال على التحول الكبير في مركزية وثقل التنظيم باتجاه أفريقيا، حيث دعا التنظيم الإرهابي في نشراته إلى الهجرة إلى أفريقيا باعتبارها (أرض الهجرة والجهاد) بعد خسائره في الشرق الأوسط.
وتُعد قلة أعداد منتسبي داعش في الصومال (200- 250 مقاتل) ميزة في اتجاه تكريس الخلافة في أفريقيا، حيث تُغري الساحات الإستراتيجية الواسعة والسيطرة المكانية والتحكم في مصادر التمويل الآلاف من المنتمين للتنظيم حول العالم للانتقال لمناطق يسيطر فيها عدد قليل منهم على ثروات ومساحات حيوية واسعة قريبة من خطوط الملاحة الدولية.
ويُنظر إلى تكريس داعش لنفوذه في أفريقيا وظهور براهين على نقل مركزيته إليها من جهة كونه تحولًا محوريًا في قناعات التنظيم التي ظلت مسيطرة عليه منذ تأسيسه في العام 2014، والتي جعلته إلى ما قبل أعوام قليلة زاهدًا في المجتمعات الأفريقية التي لا يتناغم معها ويتخوف من نبذها له، فضلًا عن مخاوفه من غريمه الجهادي تنظيم القاعدة العازم على اجتثاثه كحركة ومنهج من الصومال والساحل والصحراء وغيرها.
ويُعد هذا الانتقال تحولًا على مستوى التعامل مع معضلة اختيار الخلفاء وطرق التهرب من انكشافهم واستهدافهم،فقد لجأ داعش أخيرًا إلى تمكين زعماء أفارقة نافذين بدلًا من تولية خلفاء مجهولين وغير معروفين لدى غالبية عناصر وقيادات التنظيم، لكنه لم يحقق نتائج ملموسة في هذا السياق حيث أنه في الحالتين يتبين في نهاية المطاف لمقاتلي التنظيم وأنصاره أن مسؤولي الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات يعرفون عن خليفته أكثر مما يعرفه قادته ومقاتلوه.
المصدر : العرب اللندنية