رامي شفيق
لم يعد خافياً ما تعمل عليه جماعة “الحوثي” من دعم هيكل اقتصادها الخفي سواء في العاصمة صنعاء وكذا المناطق الواقعة تحت سيطرتها. فتمثل إيرادات الدولة التي تنهبها “الحوثي” وعديد الأنشطة المالية الكتلة الصلبة لاقتصاد الجماعة المواز، خاصة من خلال ممارسات غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتهريب المخدرات، والمواد النفطية، فضلاً عن جرائم الجهاز المصرفي.
يقدّر اقتصاديون وسياسيون يمنيون جملة ما يخسره المجتمع اليمني واقتصاده الرسمي، جرّاء تلك الأنشطة والممارسات لجماعة “الحوثي” بنحو 6 مليارات دولار، وهو ما يمثل في تقديرهم 30 بالمئة من الناتج الكلي السنوي.
آفة الاقتصاد الأسود
جماعة “الحوثي” لديها جيشٌ مكتمل الأركان مرة في ميدان القتال وآخر لجمع الثروات من المالية العامة للدولة، وكذا الأتاوات والجبايات المتعددة والمتنوعة سواء في بيع النفط أو الغاز فضلاً عن تجارة الأسلحة والمخدرات، وأيضاً مصادرة أموال المعارضين كلها، وتحويلها إلى جزءٍ لصالح التنظيم وليس لصالح الدولة كما تدّعي جماعة “الحوثيين”.
كافة المصادرات التي أحدثها الحارس القضائي بحق المعارضين والنّخب المعارضة، خاصة المراكز العليا في الحكم ومن أهمهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر وآخرهم عبد الله بن حسين الأحمر.
كل أموال هؤلاء الثلاثة تم مصادرتها كما تم مصادرة أموال قيادات عليا في الجيش اليمني، وحدث ذلك لصالح التنظيم وعبدالملك الحوثي، بعيداً عن مؤسسات الدولة الرسمية ومصالح المواطن اليمني، بحسب مصدر يمني مطلع وقع عليه قرار المصادرة لأمواله.
ويلفت المصدر في حديثه الذي خصّ به “الحل نت”، أن ملاحظة المتغيرات الذي يطرأ على العاصمة صنعاء من حيث تشكل طبقة جديدة من أنصار ومنسوبي جماعة “الحوثي” من خلال تشييد قصور على هيئة عمرانية متماثلة لحد كبير.
وبالمثل تأسيس أسواق خاصة بهم نظراً لكونهم الفئة التي تملك المال والقدرة على التسوّق بينما يعاني بقية مكونات المجتمع اليمني من شظف الحياة و استنزاف مدّخرات باقي اليمنيين.
يحذّر المصدر ذاته والذي فضّل عدم الكشف عن هويته، بأن أخطر ممارسات “الحوثي” في البلاد تتمثّل في سيطرته على اقتصاد الجريمة في اليمن، والعمل على إعادة تشغيلها وفقا لمشرفين تم تعيينهم بمعرفة “الحوثي”.
قصة نزيف اليمن
إذاً، نحن أمام حالة فساد هيكلي يتجاوز بكثير مسألة تراكم ثروة وفقط لكن حالة مستمرة وممتدة، نحو هدف أصيل لتنظيم “الحوثي” من الداخل اليمني وحتى أهداف إيران الاستراتيجية مرورا بكافة النقاط والتنظيمات المماثلة في العراق ولبنان.
في هذا الإطار يشير الباحث اليمني، همدان العلي، بقوله: يقيناً يدرك الجميع أن “الحوثيين” يتحصلون على كمٍّ هائل من الأموال والإيرادات وذلك عبر مصادر مختلفة وليس فقط الجوانب المتعلقة بالنفط وتجارة المشتقات النفطية.
يتابع صاحب كتاب “الجريمة المركبة أصول التجويع العنصري في اليمن”، حديثه لـ “الحل نت”: “لا شك أنه تتعدد المصادر التي تعتمد عليها جماعة الحوثي داخل اليمن لتعزيز مصادر الاقتصاد الخفي الخاص بها وتبدو واضحة من خلال قطاعات معينة مثل الاتصالات و الجمارك و الضرائب و الجبايات العشوائية وشركات الصرافة وقطاع الاتصالات فضلا عن تجارة الممنوعات و المبيدات المحرّمة دوليا وتجارة المخدرات وتهريب البشر”.
بحسب الباحث اليمني، جميع تلك المصادر تجلب كم هائل من الأموال التي تراكمها جماعة “الحوثي”. بيد أن ذلك كله يدخل في إطار اقتصاد خفي لا يصل منه أي شيء للمواطن اليمني الذي يفتقد كافة الخدمات والحقوق مثل “مرتبات الموظفين ” وكافة الخدمات الطبيعية التي ينبغي أن يلتمسها المواطن في مجتمعه”.
إن نهب “الحوثيين” لإيرادات النفط فقط يمثل جزءاً من حصيلة الأموال الطائلة التي تراكمها “الحوثي” في إطار بنية اقتصاد الظل التي يحرص عليها منذ سيطرته على جغرافيا شاسعة في اليمن.
هذه “العصابة” نفذت أكثر من إجراء بهدف تفعيل ذلك، من خلال إدخال وتوفير أموال طائلة من الإيرادات الخاصة بالنفط إلى جانب دخول النفط الإيراني الذي يأتي بأسماء تجار. لكن في نهاية الأمر تمثل ممرات دافئة بين طهران و”الحوثي” تعكس مدى الانخراط السياسي والاقتصادي والميداني فيما بينهما.
النفط.. عصب الاقتصاد “الحوثي”
على أية حال، هذا الواقع البائس وتلك الأموال الطائلة بدلا من توظيفها، لرفع المعاناة عن اليمنيين تستخدم بشكل كبير لحشد ” حوثنة الاقتصاد” وعمليات التسليح وتنفيذ العمليات القتالية.
مبادرة “استعادة اليمن” (Regain Yemen) كشفت عن تورّط شركات تجارية يمنية مع بنوك وشركات صرافة محلية لتهريب النفط الإيراني وغسل الأموال لصالح تمويل “الحوثيين” في حربهم على الشعب اليمني بدعم إيراني غير محدود.
وأوضح التقرير المكوّن من ثلاث وخمسين صفحة الصادر باللغة العربية والانجليزية، أن “الحوثيين” عملوا على إقصاء رجال أعمال يمنيين وصعدوا آخرين ينتمون إليهم وإنشاء شركات نفطية بهدف التحايل على العقوبات الدولية والأميركية وأيضا لتغذية خزينتهم وتمويل حروبهم لإطالة أمد الصراع في البلاد.
ذكر التقرير أن نحو ثلاثين شركة يتخذها “الحوثيون” كواجهة لاستيراد النفط الإيراني بعضها يعمل في المناطق المحررة.
وبيّن التقرير أن تلك الشركات تعمل مع شركات وسيطة مقابل حصول الأخيرة على فوارق أسعار بشكل كبير ما بين سعر الشراء وسعر البيع في المحطات.
الشركات الوسيطة سُجّلت بأسماء أشخاص قيادات “حوثية” من الصف الثاني والثالث كرجال أعمال مستحدثين وفتحت لهم حسابات مصرفية في البنوك التجارية الواقعة تحت سيطرتها بعد أن عطلت دور إدارة مكافحة غسيل الأموال في البنك “المركزي” وتجاهل التحري حول أموال مالكي هذه الشركات ومجال عملها ومصدر رأس المال.
كما أن من أبرز تلك الشركات الوسيطة هي “ستار بلاس” و”بلاك دايموند” والتي يملكها صلاح فليتة، شقيق الناطق الرسمي لجماعة “الحوثيين”، محمد عبدالسلام.
أيضا شركة “بلاك دايموند” يتبعها عدد من الشركات الأخرى منها (شركة وزراكون للاستيراد والمركز التجاري، وشركة توب فود، وشركة جود هيبر التجارية)، حيث فتحت لها حسابات في البنوك لممارسة الأعمال التجارية دون التحري أو التدقيق حسب المعايير الدولية للبنوك والذي تحدث التقرير عن امتلاكه معلومات ووثائق سرية تؤكد ذلك.
وثائق البنوك والشركات
في سياق المعلومات الموثّقة، فإن بنك “اليمن والكويت” والذي يُعد أكثر البنوك ضلوعا في عملية استيراد المشتقات النفطية الإيرانية، متورّطٌ في تهريب أموال الميليشيا إلى “حزب الله” اللبناني، بعد أن ثبتت الوثائق عن تحويلات من ذات البنك إلى الخارج دون وصول مشتقات نفطية في أغلب الأحوال.
إضافة إلى ذلك فإن بنك “اليمن والكويت” وبنك “البحرين الشامل” وبنك “اليمن” الدولي، قدموا تسهيلات كبيرة لـ”الحوثيين” من خلال إنشاء حسابات بنكية و شيكات وهمية ومن ثم تحويل الرصيد لصالح القيادي الحوثي، إبراهيم مطهر المؤيد، المدير المالي لجماعة “الحوثيين” ورئيس الدائرة المالية بوزارة الدفاع التابعة لـ”الحوثيين”.
التسهيلات التي قدمها بنك “اليمن والكويت” كانت باسم شركة “بلاك دايموند”، والتي قامت هي أيضا بتحويل الأموال إلى أكثر من شركة ومن ضمنها شركة “الشرفي” لتجارة المشتقات النفطية، وفقًا للتقرير.
بدوره يشير الباحث السياسي، وضاح الجليل، أن الميليشيات “الحوثية” مؤخرا اعترفت على لسان أحد قياداتها الوسطية، وهو ياسر الواحدي منتحل صفة مدير عام شركة الغاز، أن الميليشيا بصدد توسيع ميناء رأس عيسى لاستقبال كميات أكبر من الغاز الإيراني، وزيادة الحجم التخزيني للمنشأة لتبلغ نحو 250 ألف طن و24 ماكينة تعبئة، وذلك بتوجيهات من عبدالملك الحوثي زعيم الميليشيا.
يتابع الكاتب اليمني تصريحاته لـ” الحل نت”، بقوله إن هذه الخطوة تأتي لزيادة واردات الميليشيات من الغاز الإيراني، وبقدر ما هي وسيلة من وسائل كسر الحصار عن النظام الإيراني وتمكينه من الحصول على موارد لدعم اقتصاده المتهالك، فهي بالمقابل وسيلة من وسائل إثراء الجماعة “الحوثية” وتدشين اقتصاده الخفي على حساب اقتصاد الدولة اليمنية الرسمي.
الجماعة اليمنية تتجه إلى استكمال بناء اقتصادها الخاص، ونزع كل الواجبات الخدمية التي تقدمها مؤسسات الدولة تحت سيطرتها للسكان، وتحويلهم إلى أتباع مسلوبي الإرادة ومكشوفين الظهر أمام الأزمات المعيشية.
اختلاق الأزمات
يلفت وضاح الجليل أن استيراد الغاز الإيراني، بدأ منذ سنوات وبحسب تقرير لجنة الخبراء في الأمم المتحدة، فإن الميليشيات “الحوثية”، بدأت حتى ما قبل السماح بدخول الوقود إلى ميناء الحديدة منذ إعلان الهدنة تحت الرعاية الأممية منذ عامين.
التقرير الذي يعود إلى العام 2019، يكشف أن عدداً من الشركات داخل اليمن وخارجه تعمل كواجهة لتسويق وبيع النفط الإيراني في اليمن، مستخدمة وثائق مزورة لنقل النفط وبيعه في اليمن باعتباره معونات خارجية، أو تهريبه بطرق التهريب المعتادة للجماعة.
وخلال الفترات التي كانت الجماعة تعمل على اختلاق أزمات الوقود في مناطق سيطرتها، كانت تستقبل شحنات الوقود الإيراني لتجبر السكان على شرائه بأثمان باهظة، لتحقّق من ذلك مكاسب تعود عليها بالإثراء، وتساهم في تمويل اقتصاد النظام الإيراني، بينما يزداد غلاء المعيشة وسوء الخدمات وتردي الأوضاع الاقتصادية لليمنيين، بحسب المصدر ذاته.
لم تتوقف الميليشيات عن تحقيق الأرباح على حساب اليمنيين، ففي العام 2019 كانت الأرقام تشير إلى أنها تُثري من تجارة الوقود بما يصل إلى 130 بالمئة ثمن ما تستورده وتتاجر به، وكان السعر الحقيقي للوقود لا يزيد عن 44 بالمئة مما يشتري به اليمنيون، وتصل أرباح شركة النفط الخاضعة لسيطرة الميليشيات إلى 28 في المئة على الأقل.
وبعد 4 أشهر من بدء الهدنة، أي في آب/أغسطس 2022، اتهمت الحكومة اليمنية الميليشيات بنهب 150 مليار ريال يمني من إيرادات الوقود عبر ميناء الحديدة، وهو المبلغ الذي يساوي أكثر من ربع مليار دولار، ويكفي لدفع مرتبات موظفي الدولة، والذي كان أحد بنود الهدنة ينص على سدادها من إيرادات ميناء الحديدة، غير أن الميليشيات تنصلت منه تماماً، ثم عادت لتطالب الحكومة و “التحالف العربي” بسداد تلك الرواتب من إيرادات صادرات النفط الحكومية، ونفّذت هجماتها التي عطّلت تصدير النفط تماماً.
المصدر : الحل نت