كريتر نت – متابعات
تتحمل الولايات المتحدة قدرا من مسؤولية الأزمات في كل من غزة وأوكرانيا وتايوان لجهة تعقيدها إدارة الصراع. ويرى محللون أن ذلك قد ينجم عنه المزيد من اشتعال الجبهات بما لا يخدم المصالح الأميركية في نهاية المطاف.
وتواجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة ثلاث معضلات شديدة الخطورة، بدءا بالحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة ومرورا بالصراع بين الصين وتايوان ووصولا إلى الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويقول بول هير، الباحث غير المقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية وضابط المخابرات الأميركية السابق، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست “إن الولايات المتحدة إما فشلت في مواجهة نصيبها من المسؤولية عن خلق المشكلات الثلاث أو رفضت القيام بذلك.
وهذا الفشل أو الرفض الأميركي لهما تأثيرهما العميق على جهود تحقيق سلام دائم في المناطق الملتهبة الثلاث”.
بالنسبة إلى أوكرانيا سال حبر كثير حول المدى الذي ساهمت فيه جهود توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو) على مدى عقود بعد الحرب الباردة في دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى شن الحرب على أوكرانيا.
وجاء الرد الأميركي على الغزو الروسي لكي يؤكد تجاهل صناع القرار في واشنطن لكل هذا الجدل. وبدلا من ذلك يتبنى هؤلاء الفرضية التي تقول إن بوتين لم يتجاوز كارثة انهيار الاتحاد السوفييتي وإنه كان دائما يسعى لضم أوكرانيا إلى روسيا بالقوة.
وتتجاهل هذه الفرضية بدرجة كبيرة حقائق الواقع والمنطق التاريخي التي تقول إن الغزو لم يكن حتميا وإنه جاء نتيجة عوامل خارجية عديدة بما فيها التحركات الأميركية.
◙ بوتين وشي وحماس يتحملون قدرا من المسؤولية، لكن ذلك لا يلغي دور واشنطن في تعقيد كل أزمة من الأزمات الثلاث
وفي مقاله نصف السنوي عام 2021 عن “الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” قال بوتين إن موسكو اعترفت بالحقائق الجيوسياسية الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. فقد اعترفت روسيا بأوكرانيا وقدمت لها الكثير من المساعدات حتى تصبح دولة مستقلة، وذلك “لأن الكثير من الناس في روسيا وأوكرانيا يفترضون ويؤمنون بصدق أن الروابط الثقافية والروحية والاقتصادية بين البلدين ستستمر إلى الأبد”.
وفي مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون أعاد بوتين تأكيد هذه الرواية وقال إن روسيا “وافقت بإرادتها وبشكل استباقي على انهيار الاتحاد السوفييتي لأنها اعتقدت أنه سيكون مفهوما، باعتباره دعوة إلى التعاون والصداقة (مع الغرب)”. ويقول بول هير إنه كمؤرخ دبلوماسي يعتقد أن قرار روسيا غزو أوكرانيا لم يكن مرتبطا فقط بتوسيع حلف الناتو، ورغم ذلك فإنه لو كانت الولايات المتحدة قد تبنت مجموعة سياسات مختلفة خلال العقود العديدة الماضية لجعلت الغزو أقل احتمالا.
وإذا انتقل الحديث إلى قضية تايوان وتصاعد التوتر بين جانبي مضيق تايوان وإقرار المسؤولين الصينيين، وفي مقدمتهم الرئيس شي جينبينغ، بضرورة إعادة ضم تايوان إلى السيادة الصينية، يتضح أن شي مصر على إعادة التوحيد خلال فترة حكمه وأنه مستعد لمهاجمة الجزيرة إذا لزم الأمر.
ويقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن قادة الصين يرون أن “استمرار الأمر الواقع لم يعد مقبولا وأنهم يريدون تسريع العملية التي تتيح لهم إعادة توحيد تايوان وبر الصين الرئيسي”، بما في ذلك تكثيف الضغوط على تايوان والتلويح باستخدام القوة لتحقيق أهدافهم.
ويقول هير، الذي خدم كضابط مخابرات مسؤول عن منطقة شرق آسيا خلال الفترة من 2007 إلى 2015، إن الرؤية الأميركية تتجاهل أو تنكر حقيقة أن الموقف الصيني المتشدد هو رد على التحركات والبيانات من جانب كل من الولايات المتحدة وتايوان. ففي ظل حكم الرئيس التايواني تساي إنج وين منذ 2016 تتراجع تايبيه بشكل ملحوظ عن إطار عمل “صين واحدة”، بما في ذلك التراجع عن اتفاقيات سابقة بين تايوان وبر الصين الرئيسي.
ورغم تأكيد واشنطن التزامها بمبدأ “صين واحدة” فإن مصداقية هذا الالتزام تآكلت مع استمرار واشنطن في تطوير علاقاتها “غير الرسمية” مع تايبيه، بما في ذلك زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022، والبيانات السابقة من جانب وزارة الدفاع الأميركية عن الأهمية الإستراتيجية لتايوان بالنسبة إلى المصالح الأميركية وهو ما يعني أن التحركات الأميركية والتايوانية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن تصاعد التوتر بين جانبي مضيق تايوان.
وأخيرا تأتي الحرب في قطاع غزة، حيث تواجه الولايات المتحدة انتشار الصراع في الشرق الأوسط بعد الهجوم المسلح الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية ضد المستوطنات والبلدات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي والرد العسكري الإسرائيلي القوي والمستمر على الهجوم. واتسع نطاق الصراع والعنف بالفعل عبر هجمات ميليشيات الحوثيين اليمنية ضد السفن التجارية الغربية في البحر الأحمر والهجمات على القواعد الأميركية في سوريا والعراق.