كريتر نت – متابعات
يفتح القلق المتزايد بشأن القدرة الصناعية الصينية الفائضة، التي تغمر أسواقا رئيسية بمنتجات رخيصة، جبهة جديدة في الحرب التجارية بين الغرب وبكين، حين بدأت برسوم جمركية أميركية قبل سبع سنوات، وقد تأتي بنتائج عكسية على نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتواجه شركة ماير برغر السويسرية لصناعة الألواح الشمسية وطأة المنافسة من الصين، وتحذر من أنها قد تضطر إلى إغلاق مصنع إنتاجها الخاسر في ألمانيا ما لم تتدخل الحكومة بدعم مالي.
وقال جونتر إرفورت الرئيس التنفيذي للشركة لرويترز إن “المصنعين الصينيين يبيعون عمدا بضائع في أوروبا أقل بكثير من تكاليف الإنتاج الخاصة بهم”.
وأضاف “يمكنهم القيام بذلك لأن صناعة الطاقة الشمسية في الصين كانت مدعومة بشكل إستراتيجي بالمئات من المليارات من الدولارات لسنوات عديدة”.
وفي ظل تأثيرات الرسوم الجمركية الأميركية على بكين، تتحول السياسة التجارية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي الآن إلى تدابير وقائية متزايدة ضد التداعيات العالمية لنموذج التنمية الصيني الذي يركز على الإنتاج والقائم على الديون.
وطوال العام الماضي، أشار صناع السياسات في الصين إلى اعتزامهم جعل الطلب المحلي محركا أكثر بروزا للنمو لفطم ثاني أكبر اقتصاد في العالم عن اعتماده الذي دام عقودا من الزمن على البنية التحتية وقطاع العقارات.
باسكال لامي: طاقة الإنتاج الفائضة في الصين ستؤدي حتما إلى مشكلة
ولكن الصين حوّلت مواردها المالية من العقارات إلى الشركات المصنعة بدلا من الأسر، ما أدى إلى إثارة المخاوف بشأن الطاقة الفائضة، وتعميق انكماش بوابة الصناعة، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيق في قطاع السيارات الكهربائية لديها.
ويحذر باسكال لامي، الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية، من أن المسار الحالي الذي تسلكه الصين سوف يؤدي إلى المزيد من الصراعات التجارية.
وقال لامي الأستاذ المتميز الآن في كلية التجارة الدولية الصينية – الأوروبية لرويترز إن “هذا ليس مستداما، لأن الطاقة الإنتاجية الفائضة ستؤدي حتما إلى مشكلة”.
وأضاف “لقد أدركنا أن هذه مشكلة هيكلية وأنها تنبع من حقيقة مفادها أن جزءا من نظام الإنتاج الصيني لا يحركه سلوك السوق، بل الاستثمار الموجه من قبل الحزب الشيوعي الصيني”.
وأدى هذا النموذج القائم على الاستثمار إلى القدرة الصناعية الفائضة في القطاعات الرئيسية في الصين مثل الصلب، ومؤخرا في إنتاج السيارات الكهربائية والسلع التكنولوجية الفائقة.
وفرضت الولايات المتحدة تعريفات تجارية على الصين، وتريد أيضا حرمانها من الرقائق الإلكترونية عالية التقنية لإبطاء تقدمها التكنولوجي والعسكري. كما أنها تعمل على تعزيز البنية التحتية والاستثمار الصناعي في الداخل.
وتتوقع وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونوميست أن تتجاوز قدرة تصنيع البطاريات في الصين الطلب بأربعة أضعاف بحلول عام 2027، مع استمرار نمو صناعة السيارات الكهربائية.
مايكل بيتيس: منافسو الصين لن يقبلوا بخسارة حصصهم الاستثمارية
وخارج صناعة السيارات، تسعى بروكسل إلى تقليل اعتمادها على الصين في المواد والمنتجات اللازمة للتحول الأخضر. وتجري بكين تحقيقها الخاص لمكافحة الإغراق في البراندي الأوروبي.
وفرضت الهند رسوم مكافحة الإغراق على بعض منتجات الصلب الصينية في سبتمبر الماضي، مما أضاف جدارا إلى الحواجز التجارية الأخرى وقيود الاستثمار التي أوقفت المشاريع المخطط لها من شركات صناعة السيارات الصينية.
ويقدر مايكل بيتيس، زميل أول في معهد كارنيغي – الصين، أنه إذا حققت بكين نموا بنسبة 4 إلى 5 في المئة سنويا في العقد المقبل مع الحفاظ على هيكلها الاقتصادي الحالي، فإن حصتها من الاستثمار العالمي سترتفع إلى 38 في المئة من 33 في المئة.
واستنادا على هذه التقديرات فإن حصة التصنيع على مستوى العالم ستزيد من 31 في المئة حاليا إلى ما بين 36 و39 في المئة.
ولتحقيق ذلك، يتعين على الدول الكبرى الأخرى أن تسمح لاقتصاداتها بخسارة بعض حصتها في الاستثمار والتصنيع، حسبما كتب بيتيس في مذكرة في ديسمبر الماضي.
وقال “حتى دون التوترات الجيوسياسية خلال السنوات الأخيرة والسياسات في الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي، فإن هذا سيكون مستبعدا إلى حد كبير”.
وعلاوة على ذلك، ونظرا للحاجة إلى المزيد من الاقتراض لدعم مستويات الاستثمار المرتفعة في الصين لعقد آخر، فإن نسبة إجمالي الدين سيرتفع إلى ما بين 450 و500 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 300 في المئة حالياً، وفقا لتقديرات بيتيس.
جورج ماغنوس: الاعتماد على الاستهلاك الخارجي لعبة محصلتها صفر
وقال إنه “من الصعب أن نتصور أن الاقتصاد يمكن أن يتحمل مثل هذه الزيادة الكبيرة في الديون”.
وبحسب تقرير أصدرته المؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية، وهي مركز أبحاث مرتبط بالحكومة الصينية، الأسبوع الماضي، فقد نمت الديون العامة بنسبة 13.5 في المئة لتصل إلى 287.8 في المئة.
ومن المؤكد أن هدف إعادة التوازن في الصين قد أعيق جزئيا بسبب التعافي الاقتصادي المتعثر، لأن تحويل الموارد إلى الأسر من شأنه أن يجلب المزيد من الألم في الأمد القريب.
ومع ذلك، يرى جورج ماغنوس، الباحث المشارك في مركز الصين بجامعة أكسفورد، أن عدم قدرة الصين على زيادة الاستهلاك المحلي يعني أنها تعتمد على الدول الأخرى التي تستورد المزيد من سلعها.
وقال ماغنوس “إنها لعبة محصّلتها صفر. إذا ارتفعت الواردات، فهذا يعني استبدال الإنتاج المحلي”، مضيفا أن الغرب “أصبح أكثر مشاكسة من الناحية السياسية بشأن ذلك”.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن إعادة تخصيص موارد بكين لقطاع التصنيع تهدف في المقام الأول إلى نقل الصادرات إلى أعلى سلسلة القيمة بدلاً من مجرد بيع كميات أكبر من البضائع.
ويقول شيا تشينغ جيه، أستاذ الاقتصاد في جامعة بكين، إن المحاولات الأوروبية والأميركية لإعادة تصنيع اقتصاداتها ستكون مكلفة بسبب ارتفاع تكاليف العمالة ورأس المال و”ستستغرق وقتا طويلا”.
وأوضح لرويترز أنه “لا شيء يمكن أن يمنع وجود المزيد من المنافسة، لكنهم لا يستطيعون تقييد التقدم التكنولوجي للصين”.
ويشكك ويليام هيرست، أستاذ التنمية الصينية في جامعة كامبريدج، في أن الصين تقوم بالرهان الصحيح في هذا الصدد.
ويجادل بأن دفع بكين للنهوض بقطاعات مثل الطيران والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي لم يكن ناجحا بما يكفي لدفع الحدود التكنولوجية في تلك الصناعات أو توليد المزيد من فرص العمل.
وقال هيرست “إذا لم ينجح الأمر، فسنواجه المزيد من الديون والمزيد من التشويه في الاقتصاد، كما ستكون لدينا القدرة على الحصول على المزيد من الطاقة الفائضة”.
وأضاف “لذلك لا أرى أن هذا التحول المذهل سيجعل الاقتصاد الصيني فجأة أكثر قدرة على المنافسة على مستوى العالم”.