كريتر نت – متابعات
تسعى إسرائيل لتهجير المدنيين خارج قطاع غزة وفق ما تقول إنه خيار مؤقت حتى الانتهاء من القضاء على حركة حماس، لكن تاريخها في عدم قبول عودة اللاجئين يجعلها غير مرجحة.
ومنذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي والرد العسكري الإسرائيلي الذي أعقب ذلك، نزح عدد كبير من سكان غزة بسبب العمليات العسكرية.
وتقول شيلي كولبرتسون الخبيرة في شؤون النزوح القسري ومديرة برنامج البنية التحتية والهجرة والعمليات الأمنية في قسم أبحاث الأمن الداخلي في مؤسسة راند الأميركية، إنه بينما يحاصر الجيش الإسرائيلي مدينة غزة، فقد ضغط على مصر لاستقبال الفلسطينيين الذين شردهم.
وتضيف كولبرتسون في تقرير نشرته مؤسسة راند أن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية ذهبت إلى حد صياغة اقتراح لنقل سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء، على الرغم من أن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصفه بأنه افتراضي وورقة مفاهيمية. لكن القاهرة رفضت ذلك، وكذلك الفلسطينيون، كما لم يقبل به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. ودعا آخرون الدول الأخرى في الشرق الأوسط إلى قبول سكان غزة.
ونزح بالفعل 81 في المئة من سكان غزة، أي 1.7 مليون شخص من منازلهم منذ أن بدأت إسرائيل عملياتها الانتقامية ضد حماس.
المدنيون يحتاجون إلى المساعدة، لكن التاريخ أظهر أن تحويلهم إلى لاجئين، خاصة في المخيمات، هو حل ضعيف
والآن، حتى أولئك الذين تم دفعهم جنوبا يطلب منهم التحرك مرة أخرى. ولكن إذا تم طرد سكان غزة بشكل جماعي إلى مصر أو أي مكان آخر، فإن أزمة اللاجئين الفلسطينيين، على الرغم من سوء حالتها الآن، يمكن أن تنتشر وتتفاقم، مما يخلق تداعيات عالمية دائمة لا يمكن التنبؤ بها. ومن المرجح أن يعود عدد قليل منهم إلى غزة.
ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة راند مؤخرا حول اللاجئين أنه حتى بعد 10 سنوات من انتهاء الصراع، عاد 30 في المئة فقط من اللاجئين إلى بلادهم في المتوسط. بل إن المعدلات تكون أقل عندما يكون الصراع مستمرا أو غير محسوم.
ويضاف تاريخ الفلسطينيين كلاجئين على مدى السنوات الـ75 الماضية إلى قصة الحذر هذه. وتم تهجير حوالي 750 ألف فلسطيني خلال إقامة إسرائيل في عام 1948، مع موجة إضافية من 300 ألف في عام 1967 ويبلغ عدد أحفادهم اليوم 9.5 مليون شخص. ولا يزال الثلث يعيش في 58 مخيما في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والأردن ولبنان وسوريا. وما بدأ كمخيمات للاجئين في الحربين تطور إلى أحياء فقيرة حضرية مكتظة اليوم.
وحتى لو وصفت الخطوة الفلسطينية في البداية بأنها إجراء إنساني مؤقت أثناء القتال، فإن تاريخ إسرائيل في عدم قبول عودة اللاجئين، فضلا عن هذه الأنماط العالمية، يجعل العودة في نهاية المطاف غير مرجحة.
ومن ثم فإن المزيد من التهجير الفلسطيني سوف يغذي الروايات القائمة حول ضم الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية على المدى الطويل. وتقول كولبرتسون إن هذا قد يؤدي إلى مزيد من ردود الفعل السلبية في الشرق الأوسط ضد إسرائيل وبالتالي ضد الولايات المتحدة. وكل ذلك سيزيد من توتر الوضع الراهن الحساس في المنطقة، مما يجعل التصعيد إلى حرب إقليمية أكثر احتمالا.
المزيد من التهجير الفلسطيني يغذي الروايات القائمة حول ضم الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية على المدى الطويل
وبالنسبة إلى مصر، الدولة الوحيدة المتاخمة لقطاع غزة، فإن قبول هؤلاء الأشخاص الإضافيين ستكون له أيضا آثار مزعزعة للاستقرار. وفي بعض الحالات، يصطبغ اللاجئون بالتطرف أو يساهمون في حروب أهلية، لاسيما عندما يكونون فقراء، وتلفظهم المجتمعات المضيفة، ويحرمون من التعليم وفرص العمل. وساهم اللاجئون الفلسطينيون في الحرب الأهلية في الأردن والتمرد في جنوب لبنان في سبعينات القرن العشرين.
وقد حشد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يدرك بوضوح هذا التاريخ، دبابات على الحدود مع غزة لمنع تدفق اللاجئين. ويقول أيضا إن مصر لن تقبل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين لأن ذلك سيكون نهاية آمال قيام دولة فلسطينية. وتستضيف مصر بالفعل 9 ملايين مهاجر، 80 في المئة منهم قادمون من مناطق نزاع أخرى في الشرق الأوسط (السودان وسوريا واليمن وليبيا).
واستيعاب 2 مليون شخص إضافي ليس أمرا تافها. ومن المرجح أن ينتهي بهم المطاف في مخيمات في سيناء، حيث كافحت مصر بالفعل لكبح جماح دعم داعش وأنشطة الجماعة الإرهابية.
كما أن تدفقا آخر للاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يزيد من تآكل آفاق إسرائيل على المدى الطويل للسلام مع جيرانها، بما في ذلك احتمالات التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
ويحتاج المدنيون في مناطق النزاع إلى المساعدة، لكن التاريخ أظهر أن تحويلهم إلى لاجئين، خاصة في المخيمات، هو حل ضعيف. وتتزايد الأعداد العالمية للنازحين بسرعة، أكبر بكثير من قدرة الدبلوماسيين وغيرهم من القادة على حل النزاعات أو إيجاد حلول للظروف المعيشية السيئة للنازحين.
وفي الواقع زادت الأرقام أكثر من ستة أضعاف في السنوات الـ20 الماضية.
ومن المؤكد أن الظروف الحالية لـ1.5 مليون مدني نزحوا داخليا إلى جنوب غزة مزرية للغاية. ويقيم ما يقرب من ثلثيهم في مرافق الأمم المتحدة والمستشفيات والكنائس والمدارس والمباني العامة الأخرى، بينما يعيش الباقون مع عائلات مضيفة.
وفرضت إسرائيل قيودا على جلب المياه والغذاء والإمدادات الطبية. وهم ليسوا بعيدين عن الأذى من الحرب أيضا. وشنت إسرائيل غارات جوية في بعض أجزاء جنوب غزة، ومن المرجح أن تستخدم حماس المدنيين هناك كدروع بشرية.
وتشمل الخيارات الأخرى المتاحة لحماية المدنيين في غزة نقلهم إلى مدن الخيام في أماكن أخرى في إسرائيل أو في الضفة الغربية. ولكن مرة أخرى، بمجرد فرار الأشخاص، لا يعود معظمهم أبدا. ومن المرجح أن تصبح هذه المواقع مدنا دائمة جديدة للنازحين.
وفي شمال غزة الحياة محفوفة بالمخاطر، فالغارات الجوية والغزو البري سيحصدان أعدادا كبيرة من الضحايا المدنيين. ولكن حتى بعد انتهاء القصف والحرب البرية، سيظل شمال القطاع غير صالح للسكن في الغالب. وقد تضررت بالفعل 45 في المئة من المباني في غزة بسبب الغارات الجوية وصواريخ حماس التي أخطأت في إطلاقها.
وتؤكد كولبرتسون أنه لا يوجد أي من الخيارات لحماية المدنيين في غزة جيد أو دون مقايضات قاتمة. لكن الأقل سوءا من بين جميع الخيارات السيئة هو إبقاء المدنيين في جنوب غزة، وتوفير الحماية والمساعدة الإنسانية أينما كانوا. والخطر الحقيقي هو أن ما قد يبدو وكأنه حلول جيدة قصيرة الأجل يمكن أن يؤدي إلى دمار طويل الأمد للأجيال.