كريتر نت – العرب
اعند حلول الظلام، تخرج سلحفاة من البحر وتستغل الهدوء لتتوجّه إلى شاطئ رمليّ في جنوب اليمن وتضع بيوضها التي يُرجّح أن يكون معظمها من الإناث بسبب الاحترار المناخي.
وتعيش 5 أنواع من السلاحف البحرية في المياه اليمنية، هي السلحفاة الخضراء، وكبيرة الرأس، وصقرية المنقار، والزيتونية، والجلدية، وفق مجلة المحيط الأخضر المختصة بالشؤون البيئية (حكومية).
وتحدّد درجات الحرارة خلال فترة حضانة البيوض جنس السلاحف، إذ أن الذكور تتكوّن في مناخ أبرد من ذلك الذي تحتاجه الإناث للتكوّن.
ووفقا لدراسة علمية وبحثية، تحدد درجة الحرارة جنس السلاحف، فعند درجة حرارة 27.7 درجة مئوية، يتم تفقيس البيض لينتج منها صغار ذكور، بينما عند 31 درجة مئوية يتم تفقيس البيض لينتج منها صغار إناث.
ويقول حفيظ كلشات وهو متطوّع لحماية السلاحف البحرية من أهالي الغيضة عاصمة محافظة المهرة “في السنوات الأخيرة، معظم صغار السلاحف إناث بسبب ارتفاع درجات الحرارة”.
ويوضح الرجل الذي يجلس على الرمل الأبيض ويرتدي قميصًا أزرق، أن “تراجع الحرّ وحلول البرد مع اقتراب الخريف، يؤدي إلى مزيج بين الذكور والإناث” بين صغار السلاحف، مشيرًا إلى أن الاحترار المناخي العالمي وامتداد الحرّ الشديد لفترات أطول يفاقمان كل عام أكثر ظاهرة تناقص الذكور.
ويلفت إلى أن “الكثير من الذكور على الشواطئ تنفق في الفترة الأخيرة” علمًا أن عددها “ضعيف” وقد “تراجع كثيرًا” مع الوقت.
وتعتبر السلاحف البحرية أحد أهم الأنواع الحيوانية في المحيطات والبحار، حيث تعد ذات أهمية كبيرة في النظام البيئي. ولكن، مع التلوث البيئي المستمر، فإن السلاحف البحرية تعاني من مشاكل عديدة، مثل صعوبة الاستيعاب والتنفس بسبب النفايات الموجودة في المياه، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.
وتعد سواحل اليمن واحدة من أهم المناطق التي تجذب السلاحف للتعشيش، حيث توفر تضاريسها ملاءمة كبيرة لهذا الغرض.
وتتم عملية تعشيش السلاحف بشكل دوري كل عام، ويبدأ ذلك عادةً في فصل الربيع، حيث تبحث السلاحف عن الشواطئ الرملية الهادئة والمظلمة لبدء عملية التعشيش.
وأظهرت دراسات عدة في السنوات الأخيرة أن الاحترار المناخي أدّى إلى نقص في ذكور السلاحف في مناطق عدة في العالم، من سواحل فلوريدا إلى الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا.
وعام 2018، كشف باحثون أميركيون أن معظم السلاحف الخضراء شمال الحاجز العظيم والبالغ عددها مئتي ألف، هي إناث، ما قد يهدد هذا النوع من الكائنات التي تُعدّ من بين الأهمّ في العالم.
ويقع اليمن بين البحر الأحمر والمحيط الهندي جنوب المملكة العربية السعودية، وهو موطن لثروة حيوانية ونباتية غنيّة ومتنوّعة. لكن الدولة الأفقر في شبه الجزيرة العربية معزولة إلى حدّ كبير عن بقية العالم منذ اندلاع الحرب عام 2014.
ومن بين التهديدات الأخرى التي تواجه السلاحف هو اصطدامها بالقوارب وسفن الصيد. فكثيرًا ما تموت السلاحف نتيجة للاصطدامات مع القوارب والسفن، خاصة في المناطق التي تشهد ازدحامًا كبيرًا في حركة المرور المائية، كما أن التلوث عامل أساسي آخر في تهديد السلاحف والحياة البحرية بشكل عام، حيث يتم دفن النفايات البلاستيكية والمخلفات الصناعية في المحيطات والبحار، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على الحياة البحرية وتهديد الكثير من الكائنات الحية بالانقراض، بما في ذلك السلاحف.
ويحاول المدافعون عن البيئة في اليمن رفع أصواتهم لتجنب كارثة بيئية هذه المرّة، في بلد يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة.
ويقول جمال باوزير رئيس قسم التنوع الحيوي في مركز دراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن، إن “دراسات أُجريت في الكثير من المناطق الساحلية أثبتت أن نسبة الإناث مقارنةً بالذكور تصل إلى أكثر من 90 في المئة”.
ويحذّر من أن تراجع نسبة الذكور بشكل عام يهدد “خلال الأعوام المقبلة بانقراض الذكور من السلاحف البحرية”.
ويدعو الباحث السلطات إلى التحرّك ويقترح خصوصًا تشكيل “فريق فني متخصص يعمل على مراقبة السلاحف في مواقع التعشيش (…) وأخذ البيوض ووضعها في حضانات رملية مناسبة” لكي تتمكن من إنتاج عدد أكبر من الذكور.
ويطرح خبراء دوليون أيضًا فكرة وضع نوع من المظلّات على شواطئ تقيم فيها السلاحف أعشاشها لتأمين الحرارة المناسبة للبيض.
إلا أنّ باوزير يؤكد أنه “من الصعب القيام بهده العمليات في الظروف الحالية طبعًا”.
من جانبها، تذكّر السلطات اليمنية بأن الدستور نفسه ينصّ على وجوب حماية البيئة.
ويؤكد وكيل وزارة المياه والبيئة لقطاع البيئة نائف علي بن مسعد أن السلطات “عملت منذ سنوات على خطط وأنشأت محميات عدة”.
لكن، بحسب المسؤول اليمني، فإن التمويل ينقص في البلد الفقير الذي يعتمد ثلاثة أرباع سكانه على المساعدات الدولية التي لا تكفّ عن التراجع.
ويشير بن مسعد إلى “عدم تحمل السلطات مسؤوليتها (البيئية) في ظل هذه الظروف التي تتجه فيها كل القيادة إلى الجبهة لمحاربة انقلاب الحوثيين والعناصر الإرهابية”.
في النهاية، فإن الحفاظ على البيئة البحرية الصحية هو شيء حيوي لحماية الأنظمة البيئية على الأرض. ويتطلب ذلك التعاون والتخطيط الصحيح من جانب الحكومات والمجتمعين الدولي والمحلي. ومن خلال الحفاظ على الأنظمة البيئية البحرية، يمكننا أن نضمن بقاء الحيوانات البحرية والسلاحف وغيرها من الأنواع ونحافظ على صحة كوكبنا بأكمله.