د/ عبدالعليم محمد باعباد
لم يكن الإسلام في دعوته لتوحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيتة وألوهيتة، وأسمائه وصفاته، إلا لأجل أن يحرر الإنسان من ربقة الشرك، و العبودية، والهوى، والمصلحة .
فتحطيم الأصنام لم يكن مقصودا لذاته، بل لتحطيم كل صنم مادي أو معنوي، يحول بين الإنسان وبين عبوديته لخالقه، بالتوحيد الخالص.
للأسف الشديد هناك من ينظر إلى الأمر نظرة قاصرة؛ إذ يرى الشرك في مظاهره المادية، كالصنم المنحوت من الحجارة أو غيره، فيتبرأ منه، ومن الشرك _ وهذا واجب _ لكنه لا يرى الصنم الذي صنع بداخله، فلا يتحرز من وضع النفس في إطار محكم الإغلاق، بأفكار وآراء صنمية مصنوعة بأيد بشر يصيبون ويخطئون بحسبان ذلك دين .
إن ما يلاحظه كل ذي بصيرة، أن بعض المحاضن التربوية والتعليمية والفكرية، والدعوية، قد سلكت منهجية التأطير المغلق سواء في صياغة النشئ، أو في دعوتها لدين الإسلام، عبر حصر الانتماء لدين الله بالانتماء إلى إطار الجماعة، ومن ثم غرس عقيدة الولاء والبراء للجماعة الإسلامية التي يروج لها المنتمون إليها، بدلا عن الولاء للاسلام والمسلمين.
وتأطير الإسلام بجماعة إسلامية محددة، تحجير على واسع.
فبالإضافة إلى كونه مسلك تربوي خاطئ، فهو يخالف سعة الإسلام ورحابته.
كما أن الولاء والبراء مفهوم عقدي، نابع من عقيدة الإسلام وشريعته، التي يدخل فيها كل من التزم بهما، من عموم المسلمين، لا إطار الجماعات.
يبدو أن ما يعانيه المسلمون اليوم من إشعال نار الخلاف بين المسلمين يمثل خطراً تقوم به بعض الجماعات، إلى الحد الذي جعل بعض المنتمين لجماعة معينة، يحاربون علانية، إخوة لهم في دين الإسلام، بينما هؤلاء المحارَبين يجاهدون من أجل عقيدة الإسلام، ويذودون عن دين الله، يدافعون عن مقدسات المسلمين، ويدفعون عن أمة الإسلام العدو الصائل، يقاتلون عدو الله وعدو الإنسانية المحتل لأرضهم، وديارهم، ضحوا ويضحون بأموالهم وديارهم وأبناءهم وأنفسهم .
فبدلا أن ننزع إلى إنسانيتنا مثل شعوب العالم الآخر ، بعد أن قصرنا عن القيام بالواجب الشرعي المعروف؛ بوجوب النصرة، ووجوب القتال بإجماع المذاهب الإسلامية على ذلك؛ بدلا عن نصرتهم، نرى البعض ونسمعهم، ونقرأ في بعض وسائل التواصل الاجتماعي يدعون عليهم، يخذلونهم، يخطئونهم، ينسبون لهم كل سيئة، حتى لكأن هذا الفكر الغريب قد صنعه العدو.
فبمقارنة ما يقوله هؤلاء مع ما يقوله خريجو جامعة تل أبيب الإسلامية، يتيقن المرء أن هذا الفكر يخرج من مشكاة واحدة، هي مشكاة العدو.
تلك هي أسوأ نتائج هذا المسلك الخطير في التأطير المبني على تفريق المسلمين، وخلق العداوة بينهم تحت مسمى إسلامي.
إنه التأطير الذي يعطل ملكة العقل، ويعفي وظيفته في الاطلاع ومحاكمة الأفكار والآراء استنادا إلى المرجعية الأساس، وهي النصوص الشرعية الصحيحة، والى ما استقر في عموم مذاهب المسلمين المعروفة، مع ضرورة تجديد فهم النصوص، واجتهاد المجتهدين وفق شروط العصر ومتطلباته.
لا إلى اجتهادات وأقوال وتوجهات أشخاص حدثاء الأسنان، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
لا بد على كل من بداخله صنم، هدم هذا الصنم، بالخروج من الإطار المغلق، إلى آفاق العلم والمعرفة والاطلاع، ومن ثم التفكير والتساؤل، والنقاش، والحوار، والعدل في القول والعمل .
لا يمكن لأمة الإسلام أن تخرج من بوتقة التأطير الخاطئ، إلا بالحرص على التنشئة العلمية الصحيحة للجيل، وتعزيز المفاهيم التربوية والتعليمية والثقافية المستندة إلى رحابة الإسلام وسعته، ومبادئه وقيمه، التي تدعو إلى التفكير والتدبر، وإعمال العقل، كما يتضمنها الإسلام بعقيدته الواضحة، وشريعته السمحة .